«إيران… روحاني» لن تستمر داعمة ومغذية لحزب الله في حربه في سورية

قدّم السيد هاني فحص مقاربة لأسباب فوز الرئيس حسن روحاني مفصلاً الكلام عن العوامل المؤدية لعدم فوز المحافظين.

واذ رأى أن «التفاهم بين روحاني وبين رفسنجاني والتيار الاصلاحي سيكون له دور كبير في نجاحه وتوسيع مساحة حركته وصيانته من ابتزاز غلاة المحافظين»، شدد على «أن «حزب الله» يخطئ إذا بقي على قناعته بأن ايران التي جاءت بروحاني رئيساً ستقبل بأن تستمر داعمة ومغذية له بحربه في سورية»، كما «يخطئ من يتوقّع أن روحاني سيشطب حزب الله من شراكته العميقة مع طهران».

• لطالما سمعتُ في طهران غزلاً كاد يقنعني أن هناك عقدة نقص إيرانية تجاه السعودية

• كثرة المرشحين عكست أزمة خطيرة في إيران  وهي أن لا حياة سياسية في البلاد

• يخطئ من يتوقّع أن روحاني سيشطب «حزب الله» من شراكته العميقة مع طهران

• لم يكن في وسع المرشد والحرس وسائر المحافظين إلا مشاركة الشعب الإيراني في اختياره مختارين أو مضطرين

• كيف تقرأ وصول الشيخ روحاني الى سدة الرئاسة بعدما رجح كثيرون وصول المرشّح محمد باقر قاليباف المدعوم من المحافظين الى سدة الرئاسة؟

– كان كل المرشحين غير حسن روحاني مدعومين من المحافظين. ويعلم كل الايرانيين أن الأقرب والأشد طاعة وانسجاماً والأطول رفقة مع السيد خامنئي هو الدكتور علي أكبر ولايتي. ولكن ضعف المحافظين جميعاً واختلافهم وتناقضهم وصراعهم وضعف المرشد عن الجمع بينهم، بعدما تراجعت قدراته جراء الاحداث (قمع الحركة الخضراء) والأثر السلبي لصراع محمود احمدي نجاد معه جراء محاولة نجاد الإفلات من قبضته وقناعته بأن شخصيته معادل موضوعي وديني وسياسي لشخصية المرشد، طبعاً أضيف لكل واحد من المرشحين المحافظين عوامل ضعف خاصة الى عوامل الضعف العامة. إن كثرة المرشحين (600 مرشح) عكست أزمة خطيرة في ايران وهي أن لا حياة سياسية في البلد، لتأتي كثرة المرشحين المحافظين تحت ظل المرشد أو الحرس او هما معاً من دون وضوح في الفوارق، فتعكس أزمة المحافظين، بينما أثر تعالي كروبي ومير حسين موسوي وصعوبة ظروفهما القاسية، وعفة خاتمي وبُعد نظره مع شطارة رفسنجاني وقدرته على الحضور والحيوية والفعل في العمق، اثّر في انسحاب محمد رضا عارف الذي ظهرت لياقاته بعد الترشيح مضافة الى نجاحه في الوزارات التي تولاها في العهد الاصلاحي، وبقيت الساحة مفتوحة امام روحاني مؤيَّداً من رفسنجاني وخاتمي، وربما من جمهور مشائي، من دون قدرة لدى المرشد او قيادة الحرس على الانتقاص من أهليته، وتجربته الناجحة عندما تولى مهمات حساسة في الحرس والأمن القومي والملف النووي في عهد خاتمي وتحت عباءة خامنئي ومن دون سمعة انتهازية او تلاعب في شأن من الشؤون.

اقرأ أيضاً: لبنان وإيران: قناعات ومحطات على طريق الحوار

الى ذلك فإن حوزويته المسلّم بها علمياً ومسلكياً أضيفت لها ثقافته الحديثة ودرجته الجامعية الاسكتلندية، لتذكر الاهالي بخاتمي آخر يزيد على خاتمي أنه جاء في لحظة تسليم لدى المحافظين بضعفهم وإرباكهم بسبب سياساتهم في سورية وغيرها، وما ترتّب عليه من حصار ومقاطعة تراكمت تداعياتها السلبية، الى حد كان لا بد معه من افساح المجال للإرادة الشعبية لتعبّر عن نفسها بديموقراطية وحرية دائماً كانت موجودة بقوة في وعي وسلوك الشعب الايراني، وكانت السلطة تمررها مرة وتقف في وجهها او تزوّرها مرة اخرى. اما هذه المرة فلم يكن الامر ميسوراً، وكانت الفضيحة تنتظر لتفجّر الوضع الشعبي اكثر من الماضي، فأراد المرشد والحرس وسائر المحافظين ان يشاركوا الشعب في اختياره مختارين او مضطرين.

الانقلاب الناعم

• الى أي مدى يمكن القول إن انتصار الوسطيين والاصلاحيين في الانتخابات الرئاسية بمثابة الانقلاب الناعم على نهج المحافظين؟

– في تقديري أن ما حصل هو ناتج طبيعي لضعف المحافظين وانكشافهم على مستويات عدة سياسية وثقافية واجتماعية واقتصادية، داخلية وخارجية.

الى ذلك فإن نظام المصالح الذي رتبوه لم يعد يتسع لهم جميعاً، وبرزت الفوارق والخلافات بين كل اطرافهم كما هو معروف. ولو كانوا اقوياء ومرتاحين ومتماسكين ومتفقين لما حصل ما حصل. وكان كل من يفكر بانقلاب ناعم او خشن لا بد ان يضع في اعتباره انه سيواجه بالعنف الذي يصدر عن القوي لا عن الضعيف. فالذي حصل هو ان الانقلاب الذي حدث في الحركة الخضراء احتجاجاً على التزوير في زمن القوة او الاستقواء، عاد الى الساحة ونجح بنفس قوته وحامله الاجتماعي السابق (المدينة والطبقة المتوسطة والمرأة والشباب) مضافاً اليه انكشافات الطبقة الحاكمة والحكم وفشله وشتاته وعزلة ايران التي كان سببها الاول.

يخطئ «حزب الله» إذا بقي على قناعته بأن ايران التي جاءت بروحاني رئيساً ستقبل بأن تستمر ايران داعمة ومغذية لـ«حزب الله» في حربه في سورية والتي يدعمه فيها النظام السوري ضد شعبه

• كيف سيتعاطى الرئيس الايراني الجديد مع الملفات الخارجية الشائكة ولا سيما الأزمة السورية؟

-ـ هنا ينبغي التروي في الكلام، وإذا كان روحاني خارج الحكم معارضاً قطعاً وبقوة لهذا الموقف الفاضح للسلطة الايرانية مما يجري في سورية، فإنه داخل الحكم ومن موقع الرئاسة مطالب بالحل. وأي حل متسرع وحاد وقاطع سيؤدي الى انهيارات كبرى في ايران، والى صراعات يستجمع فيها المحافظون والحرس قواهم الموجودة، ليواجهوا الاصلاحيين الذين يملكون قوة من نوع آخر لا تكفي للانتصار في معارك طاحنة عسكرياً. وإن تكن قوى الإصلاحيين أوسع فإنها أقل عصبية.

لذلك فإن هناك حاجة الى مقدار من السلاسة والحكمة والروية في معالجة الاشكال الايراني في سورية. وفي مؤتمره الصحافي الاول قال الرئيس روحاني ان ايران، ايرانه، مع الشعب السوري، وهذا كلام قاله حكام ايران قبله، ليغطوا تدخلهم مع النظام ضد الشعب من دون نجاح في ذلك، اما هو فقوله على مفصل، ما يعني انه منهج وليس وسيلة للتغطية. غاية الامر انه لا يريد ان يتحول سلوكه تجاه المسألة الى غلبة كاسحة ومحرجة للطرف المتدخل وقواه المتدخلة من «حزب الله» الى الحرس الى اتباعه في العراق.

من هنا أشار روحاني الى قناعة ايرانية، حاولت الطبقة الحاكمة في ايران ان تسوّقها، وهي رشوة النظام السوري وأنصاره، وتجنب الحرج الايراني، من خلال التمسك باستمرار بشار الاسد ستة اشهر (قبل ثلاثة اشهر) او الى عام 2014 مع العمل على مرحلة انتقالية تقودها حكومة كاملة الصلاحية، اي من دون الرئيس. هذا ما رفضته المعارضة السورية سابقاً كما عرفت شخصياً ومباشرة. اما الآن فهي إن لم تقبل على اساس ان المتغير الايراني في غاية الاهمية وانه فرصة لا يجوز هدرها بالتمسك الايديولوجي بذهاب بشار من دون خطة واضحة تكون قد رجحت وجهة نظر المحافظين وعقدت الامور على السوريين. وفي تقديري ان كلام روحاني في الموضوع هو فتح للباب على احتمال حقيقي لتسوية تتم بالتنازل المتبادل، ريثما تبدأ في سورية عملية سياسية تحدد المسار والمصير بخسائر اقل.

تطمين الجوار

اما الملفات الخارجية، فقد حدد الرئيس مفاتيحها في تطمين الجوار وفي تحديد المساحات المشتركة والعميقة مع السعودية والتذكير بأنه كان جسراً ناجحاً في التفاهم معها سابقاً. ومع إطلالته المهنية الدقيقة المرنة على غموض على المسألة النووية، فإن تذكره للرئيس جاك شيراك وتفاهمه معه، يقول انه مستعد لتكرار التجربة وتجديدها، وانه بادر وينتظر المبادرة التي تبدأ من اوروبا وتصل الى واشنطن طبعاً والتي قد يسبب لها الحرج اذا كانت مصرة على الاصغاء الى اسرائيل التي لا تريد خبراً نووياً عسكرياً ولا مدنياً. كانت الاشارات واضحة، ونحكي عن ثقل وتوازن في شخصية الرئيس الذي قال رأيه او توقعه من دون رخاوة في الكلام او من دون وضوح كامل او تفعيل لأن المسألة معقدة ومزمنة وتحتاج الى صبر طويل. يبقى ان عقدة اسرائيل ليست الوحيدة، فدول الخليج القريبة من بوشهر وخصوصاً الموجودة على نفس الفالق الجيولوجي مع ايران، تحتاج الى التطمين او معالجة مخاوفها من النووي الايراني السلمي والعسكري. وهو امر غاية في الدقة ولا يجوز تجاهله. الى ذلك فإن هناك شبكة مصالح ايرانية خليجية بحاجة الى صيانة وحماية في الخليج ولا سيما بعد التطورات الاقليمية والتدخل في سورية وحرج حكام الخليج من ذلك وخوفهم من تداعيات على أوضاع الخليج جراء الحضور الشعبي الكثيف لقوى اجتماعية متعددة الجنسيات تشكّل فضاء محتملاً بقوة للنفوذ الايراني او نفوذ «حزب الله» ما يجعل دول الخليج تحتاط للأمر بإجراءات قاسية قبل وقوع اي حادث مدمر.

• مَن يمسك القرار الاستراتيجي في ايران؟ وهل الرئيس الجديد قادر على التأثير في خيارات طهران الاستراتيجية؟

-ـ هناك ايلدٍ كثيرة تمسك بالقرار ولذلك نلاحظ ان القرار مضطرب وهو ما جعل الاطراف تجد في انتخاب روحاني برضاها مخرجاً من أزمة تزاحمها على الامساك بالقرار وعلى اساس أنه ما من طرف من أطراف الكتلة المحافظة عاد قادراً على الامساك وحده بالقرار. وهكذا تم ترحيل الاشكال الى روحاني، ريثما يتم الاتفاق او التواطؤ على حل للإدارة المحافظة، او التسليم بالادارة الاصلاحية التي قد تكون محايدة وتكنوقراطية في البداية الى ان تتمكن وتقبل بشراكة المحافظين من موقع قوتها وإذعانهم للواقع.

• يعكس الترحيب السعودي ارتياحاً الى فوز روحاني وقد سبق للرئيس الايراني القول إنه يعتزم تحويل الخصومة التي تفاقمت للأسف في الفترة الأخيرة بين إيران والمملكة العربيّة السعوديّة إلى احترام متبادل. هل يمكن الرهان على تحسين العلاقات الايرانية ـ السعودية رغم تناقض الاولويات ولا سيما ما يتعلق بخيارات ايران الاستراتيجية؟

ـ من خبرتي في طهران، ومن مقر الامام الخميني ابان احتدام الحرب العراقية ـ الايرانية والموقف العربي المساند للعراق الى الصدى الذي يصل من اندية المحافظين القدامى والجدد في طهران الى مكاشفات الاصلاحيين وصراحتهم، لم اجد موقفاً سلبياً نهائياً من المملكة العربية السعودية اساساً. ولطالما سمعتُ غزلاً كاد ان يقنعني ان هناك عقدة نقص ايرانية تجاه السعودية. وكما كانت ايران تشكو من اضطراب في مواقع القرار بهذا الشأن، فإن السعودية يبدو انها تشكو من نفس المرض، ما يترتب عليه خسائر كبيرة تمتدّ من البحرين وتمرّ بالعراق وتصل الى سورية ولبنان. وفي رأيي ان شجاعة الحوار، من شأنها ان توفر علينا كثيراً من الخسائر الفادحة، بشرط ألا يكون هناك قفز فوق اي كيان او دولة عربية او تجاهل لها، اي ان شراكة المملكة مع العرب في التواصل والتفاهم مع ايران شرط لنجاحها وتوكيد لدورها وموقعها. وليس من قبيل النكتة او تسجيل المفارقة ان تسمع قبل سنوات في طهران ان الحكام موافقون بحماس على رؤية رفسنجاني بالانفتاح على الرياض، ولكنهم يريدون ان يؤجلوا تطبيقها حتى لا ينسب الفضل الى هاشمي رفسنجاني. ولا حول ولا قوة الا بالله. لعل رئاسة روحاني تتيح لهم تخطي هذه العقدة. اما الخيارات الاستراتيجية المتعارضة فانها دائماً كانت تهدف الى الحل اكثر من الخيارات او التعارضات التكتيكية.

حقل ألغام ضد إيران

• في رأيك هل سيغيّر روحاني نهج ايران حيال «حزب الله» وموقعه في الأزمة السورية؟

– يخطئ «حزب الله» إذا بقي على قناعته بأن ايران التي جاءت بروحاني رئيساً ستقبل بأن تستمر ايران داعمة ومغذية لـ«حزب الله» في حربه في سورية والتي يدعمه فيها النظام السوري ضد شعبه. إذا فلا بد ان يتهيأ «حزب الله» الى تسوية ما، اي الى تنازل ما، اي الى توقف عند حد ما، اي الى القبول بتسوية جدية في سورية وعميقة. على «حزب الله» العودة عن تشغيل قوى النخبة في أرياف سورية وأحياء دمشق وغوطتها وتفعيل العودة الى فلسطين التي يصرّ على اعتبارها القضية الأساسية. وهو بصرفه نفسه في سورية يدفع اللبنانيين والسوريين الى اتهامه بعدم مصداقية هذا الكلام.

اقرأ أيضاً: المشروع الوطني ورافعته المدنية وحيوية الشباب

ويخطئ المختلفون والمخالفون لـ«حزب الله» وايران في اندفاعهم غير المحسوب وغير المدروس في دول عربية عدة وبشيء من الخفة في لبنان، اذا توقعوا انه الآن وليس غداً ستشطب طهران وبتوقيع من روحاني وقبول او اذعان من الولي الفقيه «حزب الله» من شراكتها العميقة. هذا يصبح انقلاباً على كل ايران، ويحول «حزب الله» والشيعة في لبنان وربما في البلاد العربية الى حقل ألغام ضد ايران وكل البشر، لأن النحر يستفزّ الانتحار.

ودائماً كانت التسوية التاريخية العميقة، اي تدوير الزوايا بين الاهداف العليا للأطراف المتصارعة، وتقديم التنازلات الشجاعة والمتبادلة تحت الاهداف العليا، هي الحل، هي الحق وهي الحقيقة، وإن كانت اي تسوية غير نهائية لأنها تبعاً للمتغيرات تستدعي تسوية اخرى. وهكذا والتاريخ هو تاريخ تسويات، ولا سيما اذا اصبحت المخاطر مصيرية، حيث لا بد من تعديل جذري في الشعارات والخيارات والخطابات.

الرأي (3-7-2013)

السابق
هذا ما جاء في مقدمات نشرات الاخبار المسائية لليوم6/11/2020
التالي
إستنسابية في تطبيق القانون جنوباً..و«الثنائي» يدفع الى إقفال «كوروني» شامل!