هكذا عاقبت السلطة ثوار 17 تشرين.. شهادات حية عن القمع والقتل والاعتقال وفقء العيون! 

مواجهات وسط بيروت
بعد مرور عام على انطلاق ثورة 17 تشرين، مشاهد ومحطات كثيرة يستذكرها اللبنانيون ولعل صوَر القمع التي ترسخت في وجدانهم، من الضرب والاعتقال والعنف المفرط الذي استخدمته السلطة السياسية بوجه المتظاهرين الذي بلغ حدّ القتل أحياناً، الى العزل بهدف احباط عزيمة الثوار الذين اتحدوا في الساحات لمواجهة فساد وبطش السلطة، هذه الصوَر لن تُنسى بسهولة.

فيما زرعت ثورة 17 تشرين التي تميّزت بسلميّتها الفرح وأعادت البسمة والأمل رغم الأجواء الكالحة، واتساع الفقر والعوز، فإن من نافل القول انه لا يمكن أن تمر الذكرى السنوية الأولى دون استذكار ضحايا قمع السلطة، الذين دفعوا الثمن غاليا في سبيل الوطن من أجل “قيامة” لبنان، اذ استعملت القوى الأمنية القوة المفرطة وغير المشروعة ضدّ المتظاهرين خلال المظاهرات على مدى عام، وقد رصدت عدسات الكاميرا واثبتت الأدلة من تقارير وفيديوهات وشهود، اطلاق الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاط  مباشرة على المتظاهرين واحيانا اطلاق الرصاص الحي والخُردُق (خرطوش الصيد) وقنص العيون، مسببة لعشرات المتظاهرين عاهات دائمة، في انتهاك واضح منها للمعايير الدولية، عدا عن تقاعس الأجهزة الأمنية عن حماية الثوار من عنف المتظاهرين الذين خرجوا ضدهم.

ثورة لبنان قدمت 5 شهداء

قدمت ثورة “لبنان” منذ 17 تشرين خمسة شهداء وهم: عمر زكريا الذي سقط أثناء محاولته تسلق مبنى مهجور في ساحة الشهداء لتثبيت العلم اللبناني عليه، وحسين العطار الذي سقط على طريق المطار عندما حاول منع أحد المجرمين من فرض خوة على حقائب المسافرين فأطلق النار عليه وأرداه، وعلاء أبو فخر الذي قتل بدم بارد على مثلث خلدة أمام أعين زوجته وأولاده على يد أحد العسكريين. وكذلك شهيد طرابلس أحمد توفيق الذي توفي متأثراً بجراحه، بعد إصابته برصاصة في بطنه خلال تظاهرات الجميزات. والشهيد فواز السمان، الذي سقط خلال المواجهات بين الجيش اللبناني والثوار في ساحة عبد الحميد كرامي بطرابلس.

استخدام مُفرِط للعنف    

وكانت حصيلة الناجين من قمع السلطة منذ بداية الانتفاضة في17 تشرين 2019 بحسب لجنة المحامين للدفاع عن المتظاهرين، ما يقارب 1500 جريح، أما التوقيفات التعسفية فهي طالت ما يقارب 1175 ناشط في المظاهرات، في استسهال غريب لم يعرفه لبنان سابقا لاستخدام القوّة المفرطة من أجل قمع الحريات محاولة كم الأفواه، وكأن رموز السلطة السياسية يتسابقون فيما بينهم على قتل اللبنانيين وتفقيرهم وقمعهم وكم أفواههم، وحتى اقتلاع عيونهم.

اقرأ أيضاً: ساحات الجنوب صامدة منذ ١٧ تشرين.. والناشطون يؤكدون كسر حاجز الخوف في وجه السلطة ورموزها

ومن بين ضحايا قنص العيون، الشاب جاد إسطفان “الثائر” الذي كُتب عليه أن يدفع الثمن غالياً أثناء مشاركته في قيامة وطنه، فيما نزل اسطفان إلى الساحات مطالباً بالتغيير وبلبنان العيش الكريم، أراد أن يرى الوطن الذي طالما حلم به، وإذ بقنبلة مسيّلة للدموع تحرمه من نظره في إحدى عينيه، وتدخله في دوامة العمليات الطبية والمرض والمعاناة.   

اسطفان لـ«جنوبية»: سأستمر بالثورة لكن سأبقى بعيدا عن المواجهات كي لا ألوّع والدي أكثر

وعلى الرغم من خسارة احدى عينيه، أكّد اسطفان ابن الـ 28 عاما لـ”جنوبية” ان اجرام السلطة لم يكسر من ارادته وإصراره على إكمال المسيرة مع غيره من المواطنين الذين انتفضوا لإعادة رسم مستقبل بلدهم، مشددا ان “عائلته تستحق أكثر من هذه التضحية حتى يعيشوا بكرامة”، مشيرا انه “سيستمر بالثورة ولكنه في الوقت نفسه سيبقى بعيدا عن المواجهات وسيكون حذرا كي لا يلوّع والديه أكثر”.   

جاد إسطفان

 

 وفيما تفوّق “العهد القوي” على نفسه عبر تحويل لبنان من دولة الحريات والديمقراطية الى دولة بوليسية، في محاولة لإعادة اللبنانيين إلى بطش الوصاية السورية وغلوّها البائد في قمع الحريات وكمّ الأفواه، كانت المفارقة إصابة المحامي فراس حمدان (33 عاما)، الذي لم يغادر ساحات الثورة منذ انتفاضة تشرين 2019، والذي دأب على توثيق من موقعه في لجنة المحامين للدفاع عن المتظاهرين في لبنان ضدّ الانتهاكات التي تمارسها الأجهزة الأمنية على الثوار بمعاونة مناصري أحزاب السلطة.    

شهادات حية عن القمع والقتل

وكان حمدان يوم الثامن من آب في تظاهرة تعليق المشانق بعيد انفجار مرفأ بيروت أحد الناجين من اجرام السلطة في ساحات بيروت، والتي تفننت في بطشها وتشبيحها عبر استخدام الخردق والتي صنعت منه قنابل متفجرة وألقتها وسط الجموع، وقد اخترق الخردق جسم فراس ومعه العشرات ممن كانوا حوله، بينما كان يوثق انتهاكات ازلام السلطة، وقد استقرت حبّة خردق في عضلة قلبه متسببة بنزف في غشاء القلب، خضع إثرها لعملية قلب مفتوح تمكّن خلالها الأطباء من وقف النزيف في غشاء القلب، لكنهم لم يستطيعوا نزع حبة الخردق التي استقرّت في عضلة قلبه تجنّباً لتعريض حياته للخطر. والبحث جارٍ اليوم لتحديد معدن حبة الخردق فيما لو كانت من النحاس أو الحديد لتحديد كيفية تعايش حمدان مع بقائها في جسده وفي قلبه تحديداً، بحسب ما روى حمدان لـ “جنوبية”.   

المحامي فراس حمدان

وأشار حمدان ان “وضعه لا يزال دقيقا إلى الآن، واستقرار وضعه الصحي مرهون بنوع النثرة الموجودة في القلب. إن “كانت من الحديد فهذا سيمنعني من التعرّض لأي حقل مغناطيسي، لأي صورة رنين مغناطيسي، لأي ماكينة كشف السلاح، فأي تحرّك ولو بسيط للخردقة في قلبه، قد تحدث نزيفاً مميتاً، وهذا يضعه في خطر شديد ومستمرّ”.

   

توثيق الانتهاكات  

وأكّد جريح الثورة المحامي فراس حمدان ان “جميع الانتهاكات التي ارتكبت في الساحات أو أثناء التوقيفات جرى توثيقها من قبل لجنة الدفاع عن المتظاهرين، ناهيك عن مئات الإصابات التي سجلت في صفوف المتظاهرين، وجرى توثيق إصابات بالغة في صفوف الناشطين الذين جرى توقيفهم تعسفاً، اذ تعرضوا للتعذيب والضرب والمفرط، وقد تقدمت شكاوى تعذيب عديدة أمام القضاء ولكنها وضعت في الأدراج، لأن القضاء عمليا مسيّس”.

حمدان لـ«جنوبية»: الأنظمة البوليسية تعتمد على الأساليب الجرمية لقمع الثورة وترهيب المتظاهرين    

وأوضح حمدان ان “الرصاص المطاطي يسمح استخدامه وفقا للقوانين والمواثيق الدولية في آخر مرحلة في حال وجود خطر كبير على قوى الأمن، ولا يمكن التصويب إلا على الأقدام ومن مسافة 40 متراً”، وهو ما تسبب بإصابات بالغة لدى المتظاهرين، فقدان أعين وأطراف، وقطع شرايين وأوردة ونزيف داخلي وغيرها من الإصابات.   

ذخيرة قاتلة    

ولعل يوم الثامن من آب الفائت، كانت مظاهرة “علّقوا المشانق” أكثر المظاهرات دامية، مع استخدام القوى الأمنية الخردق، وقال المحامي حمدان انه” أسلوب جديد اعتمدته السلطة مؤخرا بعد كارثة الرابع من آب، وهو يمنع استخدامه على مدنيين ومتظاهرين سلميين، في حين بحسب المواثيق الدولية يسمح باستخدامه في المعارك المسلحة، مشيرا انه “بسبب الخردق خسر 13 متظاهر أعينهم في هذا اليوم”، مشيرا ان “الأنظمة البوليسية تعتمد على هذه الأساليب الجرمية وغير الإنسانية لقمع الثورة وترهيب المتظاهرين لمنعهم عن التعبير عن أراءهم والمطالبة بعيش الكريم والحد الأدنى من حقوقهم”.   

ومن بين الناجين أيضا من اجرام السلطة في “سبت المشناق”، الثائر راغب الشوفي ابن الـ 22 عاما، الذي نجا من الشلّل الكلي بعدما خرقت حبة الخردق احدى رئتيه وأكملت طريقها نحو عاموده الفقري وتستقر هناك حتى الساعة اذ لم يتمكن الاطباء من استخراجها.   

الشوفي لـ«جنوبية»: دخلنا المواجهات بكل قلب وشجاعة ومحاولات القمع والقتل والاعتقال لن تنال من عزيمتنا

راغب الشوفي

 وبمناسبة الذكرى السنوية الأولى لانتفاضة “17 تشرين” روى ابن بلدة حاصبيا لـ “جنوبية” تجربته كناشط في الحراك، لا سيما انه من بين الناشطين الذين “أكل” نصيبه من قمع السلطة سواء باعتقاله، أو بإصابته القاتلة لولا العناية الإلهية”، مشيرا انه “أصيب بقنبلة القتها الأجهزة الأمنية مليئة بالخردق، في رقبته والتي أدت الى تمزيق احدى عروقه والتسبب بنزيف داخلي ما استدعى خضوعه لعملية جراحية طارئة”، لافتا انه “بداية كان هناك صعوبة بتحديد الإصابة نظرا لكونه من أول المصابين بالخردق “.    

والشوفي على الرغم من اصابته الخطيرة، أكد ان جميع محاولات القمع والقتل والاعتقال لن تردعه عن المطالبة بحقوقه والاستمرار في درب النضال ضد الطبقة السياسية برمتها، مشيرا انه “كان يدرك هو ورفاقه ان المواجهة مع هكذا طبقة سياسية متجذرة ليست بالأمر السهل ولها عواقب”، مشيرا انه “لو لم يصب هو في المواجهات لكان غيره من المتظاهرين أصيب، مؤكدا “نحن دخلنا المواجهات بكل قلب وشجاعة وبالتالي محاولات القمع والقتل والاعتقال لن تنال من عزيمتنا”.    

رصاص حي على المتظاهرين

وفي شهادة أخرى، تحدث الناشط مجد منذر ابن بلدة ضهر الأحمر، لـ “جنوبية” عن اصابته أيضا في الثامن من آب في احدى قدميه، مشيرا انه “أصيب برصاص حي فيها من قبل شرطة مجلس النواب التي تعاملت بمنتهى الوحشية والاجرام مع المتظاهرين السلميين وكأنها في ساحة حرب مع عدو حتى وصلت الامور بعناصرها حد استخدام قنابل محشوة بالخردق”، لافتا “انه كان له حصة من اجرام الأجهزة الأمنية اذ تطلبت اصابته خضوعه لعمليتين جراحيتي في قدمه، ولا يزال يمكث في منزله ولا يمكنه السير بعد مرور أكثر من شهرين على الحادثة”. 

منذر لـ«جنوبية»: شرطة المجلس تعاملت بمنتهى الوحشية مع المتظاهرين السلميين وكأنها في ساحة حرب

وكانت قد استنكرت “هيومن رايتس ووتش”ّ القوة المفرطة والفتاكة الذي استخدمتها القوى الأمنية، ضدّ متظاهرين سلميين بأغلبهم وسط بيروت في 8 آب 2020، فتسبّب بمئات الإصابات. وقد رصدت المنظمة أطلاق القوات الأمنية الذخيرة الحية، والكريات المعدنية (الخردق)، والمقذوفات ذات التأثير الحركي مثل الرصاص المطاطي، على أشخاص، منهم موظفون طبيون. كما أطلقت كميات مفرطة من الغاز المسيل للدموع، بما في ذلك على محطات الإسعافات الأولية. وصُوّبت عدة قنابل غاز مسيل للدموع مباشرة على المتظاهرين، فأصابت بعضهم في الرأس والعنق. وعمدت القوات الأمنية أيضاً إلى رمي الحجارة على المتظاهرين وضربهم. وشملت هذه القوات “شرطة مجلس النواب”، و”قوى الأمن الداخلي”، و”الجيش اللبناني”، وقوى غير محدّدة بملابس مدنية!   

حمدان لـ«جنوبية»: الثورة لم تنته وسوف تنفجر في أي لحظة

ولكن هل نجح قمع السلطة بتطويق 17″ تشرين” وتخفيف زخمها؟   

رفض المحامي حمدان اعتبار ان السلطة نجحت بإحباط الثورة لأن القمع يولد عنفا، مشيرا ان “القمع ساهم بنسبة ضئيلة بتراجع الزخم، الا انه ثمة العديد من الظروف أدت الى تراجع الزخم منها جائحة “كورونا” التي فرضت منع التجمع خوفا من تفشي الفيروس، إضافة الى الهم المعيشي في ظل الأزمة الاقتصادية ناهيك عن الهجرة الجماعية التي سجلت في صفوف الشباب والمتظاهرين منذ 17 تشرين وحتى اليوم”.   

وأكد حمدان ان “الثورة هي مسار طويل وعمل تراكمي، وبالتالي أهداف الثورة لا تتحقق في ليلة وضحاها والأكيد ان الثورة لم تنته، وسوف تنفجر في أي لحظة لا سيما وان هذه المطالب محقة وعندها ستجرف كل الطبقة السياسية”.    

السابق
عام على «17 تشرين».. تحضيرات ساحة الشهداء بدأت
التالي
الاحتفالات بالسنوية الأولى لـ«17 تشرين» انطلقت.. تحركات ومسيرات تعمّ المناطق!