بشار الأسد.. من إدعاء النضال الى «تجارة» التطبيع!

بعد أن شُبِّه صمتُ أحد أقطاب محور الممانعة، الرئيس السوري بشار الأسد، أمام تطبيع بعض دول الخليج علاقاتها مع العدو الإسرائيلي بصمت “حزب الله” على عملية “شبه التطبيع” التي قادها توأمه في “الثنائي الشيعي” وحليفه رئيس مجلس النواب نبيه بري، المتمثلة بترسيم الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين التي لم يتورع بري عن وصفها في مؤتمره الصحافي بـ”إسرائيل”، جاء دور الأسد ليؤكد الخميس 8 تشرين الأول في مقابلة مع وكالة “سبوتنيك” الروسية إمكان “أن نقيم علاقات طبيعية مع إسرائيل”، وأن “الشرط الرئيسي لعقد مفاوضات سورية إسرائيلية هو استرجاع الأراضي السورية كاملة”، موضحًا أن “السلام بالنسبة إلى سوريا يتعلق بالحقوق”، ومضيفًا أن “موقفنا واضح جدًّا منذ ما قبل ثلاثة عقود منذ بداية محادثات السلام في تسعينيات القرن العشرين، وهو أن حقنا هو أرضنا. المسألة بسيطة جدًّا”.

اقرأ أيضا: بين صراع المفاوضات و«تدوير زوايا» الحدود!

وأوضح الأسد أن عقد محادثات لهذا الهدف ممكن “عندما تكون إسرائيل مستعدة لإعادة الأرض”، لكنه عقَّب بالقول: “ولكنها ليست كذلك، ولم تكن مستعدة أبدًا، فنحن لم نر أي مسؤول إسرائيلي مستعد للتقدم خطوة واحدة نحو السلام. نظريًّا نعم، لكن عمليًّا الجواب هو لا حتى الآن”. ونفى الرئيس السوري في مقابلة مع قناة روسية أخرى هي “روسيا سيفودنيا”، أن تكون سوريا تجري أي مفاوضات سرية مع إسرائيل “على الإطلاق”، بعد تسريبات لصحيفة خليجية شهيرة عن وجودها عقب التطبيع الرسمي بين دولتين خليجيتين وبين تل أبيب.

بيع القضية بثمن بخس هو هضبة


هكذا… صمت الأسد دهرًا ونطق هجرًا. هضبة صغيرة هي ثمن التطبيع وإعطاء الشرعية لمن قام باغتصاب فلسطين وأولى القبلتين وتقتيل أهلها وتشريدهم في أصقاع المعمورة. إنها بكل بساطة مفاوضات عقارية أيها السادة، بالأمس مع بري واليوم مع الأسد وغدًا فمن؟؟؟ مفاوضات كاذبة لا تمس وجود إسرائيل، عوراء عن شعب لطالما تاجروا بادعاء النضال لأجله وها هم اليوم يتجاهلون ذكر قضيته أو حلها من قريب أو بعيد. لقد أُريد لعقاريات جنوب لبنان أن تتشابك بعقاريات جنوب سوريا لتشكِّلا معًا قوقعة تتموضع إيران داخلها وتعمل من بيتها المظلم الجديد على استبدال عنوان استرجاعها بعناوين الشرف السامية التي لطالما رفعتها زورًا وبهتانًا ثم أسقطتها نهائيًّا، كعناوين “تحرير فلسطين” و”تحرير القدس”، وغيرهما.

إنها بكل بساطة مفاوضات عقارية أيها السادة، بالأمس مع بري واليوم مع الأسد وغدًا فمن؟؟؟

خاضت سوريا وإسرائيل منذ إنشاء دولة إسرائيل ثلاث حروب: الحرب العربية الإسرائيلية (1948)، حرب الأيام الستة (1967)، وحرب تشرين (1973)، وشهدا مواجهات محدودة خلال الحرب الأهلية اللبنانية (اندلعت في 1975) واجتياح لبنان (1982). أما حدود البلدين عند الجولان السوري المحتل، وبعد الاشتباكات الأكثر سخونة في حرب تشرين 1973، فبقيت مدة طويلة جدًّا تقارب الـ39 سنة (منذ اتفاق فك الاشتباك السوري- الإسرائيلي عام 1974 إلى عام 2013، بعد سنتين من اندلاع الثورة السورية في 2011) جبهةً “مجمَّدة” نجح النظام السوري في حفظ ستاتيكو التهدئة على جانبيها، وهي مدة تخللتها جهود دولية برعاية أميركية لتحقيق السلام بين البلدين في إطار السلام الشامل بين إسرائيل والدول العربية لكنها لم تتكلل بالنجاح، كما لم يؤثر ضم حكومة مناحيم بيغن الهضبة إلى إسرائيل في العام 1981 (بمعنى اعتبارها من الأراضي الإسرائيلية) والاعتراف الأميركي بسيادة إسرائيل عليها في 25 من آذار 2020، في التوصيف الرسمي للأمم المتحدة إياها بـ”المحتلة”.

الحدود البحرية
الحدود البحرية

نجح النظام السوري في جعل حدوده مع إسرائيل جبهةً “مجمَّدة” مدة طويلة جدًّا

إسرائيل إلى «الضربات الجراحية» مجدّدًا


عادت جبهة الجولان إلى السخونة منذ 2013 مع دخول مسلحين أجانب من جميع أقطار الأرض إلى سوريا خلال ثورة شعبها ضد نظامهم، ومن ضمنهم حزب الله اللبناني، فبدأت إسرائيل توجيه الضربات المتتالية إلى الجولان وإلى داخل العمق السوري ضد مواقع تابعة للنظام وأخرى تسيطر عليها الميليشيات الشيعية وعلى رأسها حزب الله وفيلق القدس الإيراني، وعندما تلمّست خطر اقتراب حزب الله من حدودها وقراره بناء قواعد ومصانع لتصنيع الصواريخ الإيرانية داخل الأراضي السورية، قررت اتباع استراتيجية “الضربات الجراحية” التي هدفت إلى فرض خطوط حمراء على تخطي حزب الله مسافة 40 كيلومترًا من الحدود، ومنع إنتاجه الأسلحة ونقلها، فكثّفت الضربات، التي لا تزال مستمرة حتى يومنا هذا، على مواقع الصورايخ أرض- جو وبطاريات الدفاع الجوي، ومخازن الذخيرة، وأماكن الاشتباه بوجود أسلحة كيماوية، والقوافل التي يشتبه في حملها سلاحًا إيرانيًّا متطورًا يخص حزب الله، ومراكز الأبحاث، وقواعد المخابرات، وحتى مطار دمشق الدولي… والأهم من كل هذا مراكز تصنيع الصورايخ، وهو ما كشفه الأمين العام لـ”حزب لله” حسن نصر الله للمرة الأولى في كلمة له في 13 أيار 2020، معترفًا بأن عمليات تل أبيب في سوريا تستهدف مهاجمة “كل ما يرتبط بتصنيع الصواريخ”.

مقبرة مسؤولي الممانعة

وكانت الساحة السورية مقبرة لمسؤولين كبار في محور الممانعة بأياد إسرائيلية- أميركية، ففي 12 شباط 2008، لقي قائد العمليات الدولية في “حزب الله” عماد مغنية (المتورط في تفجير السفارتين الأميركية في بيروت في 18 ابريل 1983 والإسرائيلية في بيونس آيرس في 17 مارس 1992) حتفه على الفور في أحد شوارع دمشق بتفجير إسرائيل الإطار الاحتياطي لسيارة رباعية كان يمر إلى جانبها، بالتعاون مع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية “سي آي إيه” التي كانت مهمتها رصد تحركات مغنية على الأرض وإعطاء إحداثياتها إلى الإسرائيليين في تل أبيب الذين تولّوا عن بُعد الضغط على زر تفجير القنبلة الأميركية الصنع.

وقتل جهاد مغنية (ابن عماد مغنية) مع خمسة أعضاء من حزب الله من بينهم القيادي محمد أحمد عيسى في غارة إسرائيلية على موكب لهم في القنيطرة في كانون الثاني 2015.

عماد مغنية
عمد مغنية

وفي 19 كانون الأول/ ديسمبر2015، قتل سمير القنطار الذي سجن لفترة طويلة في إسرائيل، في غارة على ضواحي دمشق، بحسب حزب الله الذي اتهم إسرائيل باغتياله.

وأعلن بيان عن حزب الله في 13 مايو/أيار 2016 عن مقتل القائد مصطفى بدر الدين، رجل الظل في الحزب ومستودع أسراره والمشارك في عملية اغتيال رفيق الحريري، وهو شقيق زوجة عماد مغنية، وذلك “في تفجير قرب مطار دمشق” وفق بيان الحزب، بينما تتحدث مصادر عن مقتله على يد المعارضة السورية في خان طومان بحلب… بالإضافة إلى أسماء عدة أخرى لمن وصفهم الحزب بـ”القادة” ولم تكن أسماؤهم معروفة للناس قبلها.

يُذكر أن الغالبية العظمى، إن لم نقل كل الضربات الإسرائيلية المتكررة، سواء على القوات الإيرانية أو قوات حلفائها، والتي بقيت من دون أي رد في الغالبية العظمى منها، اللهم سوى عملية الرد على مقتل جهاد مغنية من “حزب الله” في مزارع شبعا التي أودت بجنديين إسرائيليين وكانت أشبه بالسيناريو المتفق عليه بين الطرفين، كانت تتم إما من داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة أو باختراق الطائرات الإسرائيلية أحيانًا الأجواء السورية، ما كان يعرِّض حركة الملاحة المدنية أحيانًا للخطر، كما حدث في 7 شباط 2020، حين اتهمت روسيا إسرائيل باتخاذ طائراتها المغيرة طائرة مدنية في أجواء دمشق درعًا، وأنها كادت تتعرض لنيران الدفاعات الجوية السورية المتصدية للغارة

كل الضربات الإسرائيلية على إيران وحلفائها بقيت من دون رد باستثناء الرد على مقتل مغنية

الاعتراف بإسرائيل متأصل في النظام


كان الاستعداد للاعتراف بحق إسرائيل في الوجود على أرض فلسطين موجودًا حتى في نظام حافظ الأسد الأب، الذي حاول استرداد مرتفعات الجولان عن طريق الحرب في تشرين 1973 ولم تفلح قواته سوى بتحرير جزء صغير منها، فحاول تحقيق الهدف بالمفاوضات مع حكومات إسرائيلية عدة، بدءًا من مدريد في تشرين الثاني 1991، انتقالًا إلى شبردزتاون بفرجينيا في كانون الأول 1999، ثم إعلان انهيار المفاوضات في كانون الثاني 2000 مع رفض إسرائيل الانسحاب الكامل إلى خط 4 حزيران 1967 كما ينص قرار مجلس الأمن رقم 242، وإعلانها الرغبة في الاحتفاظ بمساحات قرب بحيرة طبريا.

بشار الاسد


ومع فتح الإمارات “المطبِّعة حديثًا” سفارتها في دمشق عام 2018، وجهودها لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية، ومحاولاتها (وفق الصحافة الإسرائيلية) إقناع إسرائيل ببقاء بشار في منصبه خلال أي تسوية في سوريا، إرضاء لحليف الأسد الأكبر روسيا، التي ذكر وزير خارجيتها سيرغي لافروف في مقابلة مع وكالة الأنباء الأرمينية “ميديماكس” في 9 تشرين الثاني 2019، وفي ما يشبه الابتزاز، أن “قضية استعادة عضوية سوريا في جامعة الدول العربية جزء لا يتجزأ من التسوية السورية”، وأنها “قد نضجت منذ وقت طويل بعد مناقشتها في المنتدى الوزاري الروسي- العربي”… يبدو أن دوائر القرار في تل ابيب بدأت تنحو صوب القبول بمقايضة مصير نظام الأسد بسيادتها على الجولان، بصرف النظر عن محتوى المفاوضات الماراثونية غير المباشرة بين حكومة إيهود أولمرت وسوريا في 2008 بوساطة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والتي تضمنت عرضًا إسرائيليًّا بالانسحاب من هضبة الجولان مقابل توقيع معاهدة سلام مع سوريا، ثم توقفت بعد ذلك بسبب اندلاع حرب غزة واتجاه أولمرت نحو الاستقالة.

ومن منطلق أن السياسة هي المصالح، فإن مقايضة الأسد مصلحته بركوب القطار الإسرائيلي لحماية نفسه ونظامه من الجرائم الفظيعة ضد الإنسانية التي ارتكبها بالمصلحة الإسرائيلية بالسيادة الدائمة على الجولان مرجَّحة بقوة، وسيمتلك التطبيق الحقيقي واللوجستي لرغبة مناحيم بيغن في رؤية الجولان جزءًا لا يتجزأ من الأراضي الإسرائيلية حيِّزًا ضمن معادلة جديدة يكرسها بنيامين نتنياهو هي “بقاء النظام مقابل السلام” بدلًا من “الأرض مقابل السلام”، مستغلًّا حالة الضعف الشديد للدولة السورية واستلابها من قبل الروس والإيرانيين التي أوصلها إليه نظامها المجرم… وإن غدًا لناظره قريب.

السابق
بعد تجاوزه «الخطوط الحمر»..«حزب الله» يُلملم خلاف عشيرتي شمص وجعفر!
التالي
قرارا جديد من وزير التربية… بدء العام الدراسي لهذه الصفوف الاثنين المقبل