رسالة إلى القيادة الإيرانية عبر سفارتكم حصراً: ماذا تفعلون في لبنان؟

فيروس كورونا في ايران

اخترعت المخيلة اليونانية تراجيديا قتل الإبن لأبيه. قتل أوديب لأبيه. لكن المخيلة التاريخية الفارسية اخترعت تراجيديا قتل الأب(رستم) لابنه (سوهراب).
أحاول أن أتأمل إلى أي تراجيديا تنتمي رمزياً التراجيديا اللبنانية اليوم؟
أين تقع هذه التراجيديااللبنانية الجارية بين تلك الأسطورتين العقدتين. لن يقتل لبنان “أباه” الفرنسي الذي أنجبه قبل مائة عام وعاد إليه لينقذه في عمر المائة لأن الإبن بات يرغب في علاقة سوية بل وصائية مع الأب الفرنسي، وهو الأب المتوفِّر !، لكن الأرجح أننا سنكون أقرب إلى التراجيديا الفارسية عندما سيقتل (النظام الديني) الإيراني “ابنه” الذي يدّعيه نَسَباً أو يرغمه بأشكال “رضائية” مختلفة على الانتساب إليه (الشيعة اللبنانيون)… سيقتله في الإصرار على قيادة هؤلاء الشيعة في مغامرة سياسية عسكرية تودي بهم إلى نوع من الانتحار الأكيد أمام الأفق المسدود المحلي الإقليمي الدولي الذي تأخذهم إليه وتأخذ معهم بقية اللبنانيين؟ سؤال الرئيس الفرنسي هو، وليس بالصدفة، سؤال الكثيرين من اللبنانيين والكثيرين من داخل الطائفة الشيعية منذ فترة طويلة: إلى أين تأخذون الشيعة؟ وهو، أي الرئيس الفرنسي، كان صارما مع كل فساد الطبقة السياسية كما كشف أيضا تجاوزات الطبقة المصرفية وتهريبها الأموال خارج لبنان.

اقرأ أيضاً: عندما تغتال «الثنائية» الشيعية الوطنية.. وتسير في «تشييعها»! 

لا يمكن استمرار التوتير والضغط على اللبنانيين ( واللبنانيين الشيعة ضمنهم) إلى ما لانهاية.
بعيدا عن الأيديولوجيا والخطاب التعبوي بلغ السيلُ الزبى في رهن لبنان ضمن سياسة الصراع مع الولايات المتحدة الأميركية وجزء كبير من العرب وإسرائيل. والآن تُضمّ فرنسا إلى مسلسل غامض من استهدافات الضغط التي يشكّل اللبنانيون مادتها والشيعة منهم حصانها السهل.
انفجار مرفأ بيروت الذي دمّر جزءا كبيرا من العاصمة بيروت ولاسيما في شرقها ووسطها المطلَّيْن مباشرة على المرفأ في 4 آب، هو نقطة تحوّل في مدى ما يستطيع لبنان أن يتحمّل من نتائج هذا الرهن الإيراني لحاضره وبالتالي لمستقبله. إنها نقطة تحوّل يجب أن تكون في الدرجة الأولى أخلاقية بالنسبة للقيادة في طهران وهي تدير سياستها “اللبنانية” على مسافة ألف وخمسمائة كيلومتر تفصلها عن بيروت وباتت في الواقع طريقاً من ألف وخمسمائة كيلومتر من الحروب الأهلية والفلتان والجيوش الغازية والقبائل والطوائف المتذاهلة الرعب والمتناهبة النفط والغاز والدول المنهارة.
ليس لديّ ما يحمّل طهران مسؤولية الانفجار المباشرة، لديّ مثل الكثيرين غيري شكوك في كون تخزين هذه المادة المنفجرة كل هذه السنين له صلة ما بشبكة الخروج على القانون التي أصبحت الدولة اللبنانية تحت أسرها، وفيها من هم زبائن لإيران وفيها من هم أخصام لكم أيضا. مع العلم أن الشكوك الأهم تدور حول التخزين لاالتفجير، الأدق القول التخزين الذي سمح بالتفجير أياً يكن المفجِّر فاسدا أو عدوا أو غبياً.
المسألة المطروحة على القيادة الإيرانية هنا هي ضرورة أخذ مبادرة جادة للتخفيف على اللبنانيين، والشيعة من ضمنهم، من عبء حضور إيران السياسي والأمني والتعبوي والعسكري والمالي، هذا الحضور الذي تخطّى منذ زمن طويل كونه أحد عناصر تنوع لبنان ليصبح تنظيما ورموزا ومشروعا ما يمكن اعتباره، ولا أبالغ، خروجا أكيدًا عن النسيج اللبناني الذي هو رغم هشاشاته نسيج حقيقي بمحصلات سوسيولوجية وسياسية ونمطية.
لسان حال أي مخاطبة لصانعي السياسة الإيرانية أنهم يجب أن يُصدّقوا ويصْدقوا هذا النوع من الكلام. هذا ليس كلام ضعف لأن اللبنانيين بمختلف مناطقهم وطوائفهم ودياسبوراهم بما تعنيه من مهاجرهم القديمة والجديدة، والشيعة اللبنانيون من ضمنهم من النجف إلى واشنطن، لديهم طاقات فردية وجماعية على استيعاب مخاطر القسر أكان تغييرا داخليا أو إحلالاً داخليا أو احتلالا خارجيا. الإيرانيون في مزيج حضورهم الأمني الثقافي الذي نقل إلينا خبرات إرث هضبة آسيا الوسطى في التنظيم السري وكفاءاته يمثًّلون اليوم نوعاً من الإحلال الذي لا يزال يجعل من الذراع الأهم لديهم في لبنان تنظيما سريا بالمعنى الكامل للسرية حتى لو كان يقوم بمهمات علنية، إلا أن الفلسفة الإيرانية للعلنية تعتبر هذه العلنية حقلا من الغموض الذي تتداخل فيه تقاليد عريقة ومتنوعة في القِدَم.
النسيج اللبناني الهجراوي المركنتيلي الجبلي المطل على البحر المتوسطي والسهلي العربي المفتوح على مرافئ صحراوية ، والشيعة من ضمنه، والمبني على شبكة من المؤثِّرات الثقافية التي لم تعد تدور على نفسها منذ وضَعَنا الفرنسيون ونخبة تعليمية اقتصادية من المسيحيين الشرقيين في بوتقة اندماج صراعي، هذا التركيب حتى وقد وجدت السياسة الإيرانية مظاهر قاعدة اجتماعية واسعة داخله، هي مظاهر مقبوضٌ عليها ويجري تجديدها يوميا لأنها خارج النسيج الطبيعي للأشياء والاجتماع المتوسطي.

السابق
مطالبات بإلغاء عقوبة الإعدام بحق مغنٍ نيجري بسبب تقديم أغنية وصِفت بالمسيئة!
التالي
الشيخ العاملي ينعي أمير الكويت: صفحة ناصعة في حياة الأمتين العربية والإسلامية