الذكرى المئوية لولادة «لبنان الكبير»(4): الشيعة..من معركة التهميش إلى نضال الإنتماء

لبنان
كان طبيعياً أن يرفض الشيعة والمسلمون عامة مشروع الكيان اللبناني القادم والذي أعلنه الجنرال غورو المفوض السامي الفرنسي في أول أيلول عام 1920، خاصة عقب معركة ميسلون واحتلال دمشق من قبل القوات الفرنسية في 24 تموز من العام نفسه، لذلك فقد برز النضال الوطني ضد المنتدب المحتل الغريب.

اذن فقد كان بديهياً أن رفض انفصال لبنان عن الوطن السوري الكبير من قبل المسلمين هو شكل من أشكال هذا النضال إلى أن بدأ التحول يظهر بشكل عام في المنطقة بعد معاهدة 1936 السورية والتي اعترف بموجبها الوطنيون السوريون بالحدود الحالية لسوريا في قبول ضمني لدولة لبنان بحدودها الحالية والمستقلة، وكان طبيعياً أن يتحول الوطنيون اللبنانيون أيضاً بعد تلاشي آمال العودة إلى الحضن العربي الأكبر وبدأ حلم الوطن الكبير يتبخر لصالح الوطن الصغير اللبناني والذي أضحى تبنيه من قبلهم خياراً عقلانياً لا بد منه بفعل الجغرافية من جهة والمصلحة العليا للوطن من جهة ثانية، وقد بدأ المزاج الشيعي اللبناني يميل لصالح تلك المستجدات وأصبحت المصلحة العليا للطائفة تقتضي اختيار سياسة الواقعية وانتقاء الأفضل بما فيه خير الأجيال القادمة. 

اقرأ أيضاً: الذكرى المئوية لولادة «لبنان الكبير»(1): المارونية السياسية والحرمان الشيعي

رسوخ فكرة الوطن  

النخب الدينية والزمنية التي كانت مهيمنة على الحياة الاجتماعية في منطقتنا في الجنوب والبقاع وبعض أنحاء بيروت بدأت بالانخراط في المشروع الوطني ابتداءً من هذا التاريخ أي منتصف الثلاثينات من القرن الفائت، وليس أدل على ذلك إلا الكتابات والأدبيات التي سادت في تلك المرحلة من خلال ما طالعناه في العرفان ومما كتبه رواد النهضة العاملية العلمية والأدبية آنذاك كالشيخ أحمد عارف الزين، والشيخ سليمان ظاهر، والشيخ أحمد رضا، ومحمد جابر آل صفا وغيرهم ما كوّن لدينا قناعة أن اهتمامهم آنذاك بدأ ينصب على النضال في سبيل استقلال لبنان عن الانتداب الفرنسي والقبول بمشروع الوطن اللبناني ككيان نهائي ضمنه الأراضي التي سُلخت عن سوريا (البقاع وطرابلس وجنوب لبنان)، فلم يطل عام 1943 وهو عام الإستقلال حتى كانت فكرة الوطن اللبناني أضحت راسخة في عقول المسلمين سنة وشيعة وفي عواطفهم وبرز العصب الوطني الذي بدأ يشحن النضال والجهاد ضد المستعمر الفرنسي الذي ما لبث أن وحد جميع اللبنانيين في طوائفهم المختلفة في سبيل العمل على تحرير البلاد من نير هذا الاستعمار فكان لهم ما أرادوا في 11 وقد قدم الشيعة في معركة الاستقلال الوطني شهيد العلم اللبناني حسن عبد الساتر، كما قدموا قبل عقود في معركة التحرر من الاحتلال التركي الشهيد عبد الكريم الخليل ورفاقه. 

مشروع بناء الدولة لم يلحظ مشاركة كل اللبنانيين إذ بقيت مجموعة من أبناء طائفة كبرى وهي الطائفة المارونية المسيحية مهيمنة على مقدرات الدولة وعرفت (بالمارونية السياسية)

معضلة الطائفية 

لقد فرض النظام السياسي الجديد بعد الاستقلال على اللبنانيين دخولاً طائفياً إلى الدولة خاصة عقب عقد الميثاق الوطني عام 1943 بين الزعماء المسلمين والمسيحيين والذي يوزع المناصب في الدولة بشكل طائفي، ويقول المرحوم الحقوقي جوزيف مغيزل أن الدولة لم تعترف بالمواطن جزءاً منها بل فرضت عليه الانتماء الطائفي، واعتبرت علاقة المواطن بالدولة ومؤسساتها غير مباشرة أي تمر بجسم وسيط وهو الطائفة  وزعيمها. 

مشروع بناء الدولة لم يلحظ مشاركة كل اللبنانيين إذ بقيت مجموعة من أبناء طائفة كبرى وهي الطائفة المارونية المسيحية مهيمنة على مقدرات الدولة وعرفت (بالمارونية السياسية) والتي طبعت الحياة السياسية في لبنان بطابعها حتى بداية الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975 والتي انتهت بعد خمسة عشرة عاماً بعقد اتفاق الطائف الذي أنهى هذا الدور المهيمن بشكل نهائي. 

اقرأ أيضاً: الذكرى المئوية لولادة «لبنان الكبير»(3): الشيعة يقارعون الإنتداب.. الأمن مقابل الحقوق!

وفي هذا الإطار يمكن أن نشير أن دور الطائفة الشيعية بدأ مهمشاً رغم بعض المحاولات الفردية كمثل ما قام به النائب الراحل رشيد بيضون من بناء صرحٍ تعليمي هو العاملية ومسجد في حرم هذه الثانوية كان الأول لهم في بيروت، غير أن هذه المحاولة الفردية وغيرها من المحاولات بدت محدودة لحين مجيء الامام السيد موسى الصدر من ايران عام 1960. مع العلم وكما سنرى لاحقا، فان الشيعة رفضوا الانتظام في احزاب طائفية حتى ثمانينات القرن الفائت مع بروز حركة امل ثم حزب الله.

وقد انعكست الطائفية السياسية من خلال الإنماء غير المتوازن في المناطق، فالإنماء طال بشكل رئيسي بيروت والجبل ولم يصل إلى سائر المناطق اللبنانية. 

السابق
شياطين الظلام وتصفية حسابات.. كيف علّق جنبلاط على اشكال طريق جديدة؟
التالي
بالصّور: الداخلية تعدل توقيت فتح وإقفال المؤسّسات.. وهذا توقيت منع التجوّل!