«شيكاغو».. شارع دمشقي يجمع الفن بالسياسة!

دمشق شارع قديم
في زحمة الإنتاج المشترك لدراما منفصلة عن الواقع، يرتقب السوريون مسلسلاً رمضانياً يسير على الخطوط الحمراء بروايته فترة صعود البعث للانقلاب على الدولة المدنية.

كيف يمكن لمشاهد سوري التخيّل أن بانتظاره مسلسل يروي فترة الستينات، نعم الستينات أي البعث المتسلق على شكل الدولة الديمقراطية في سوريا والتي ستنجرف في ذلك العقد الزمني نحو إمبراطورية يتسلمها حافظ الأسد ويقضي بها على كافة أشكال الحياة المدنية والتعددية الحزبية.

أو لربما خطر على ذهن القارىء كيف يمكن للدراما أن تروي سيرة المجتمع السوري في فترة زمنية حساسة دون أن تتقاطع الرواية بتعقيدات السياسة وفترة طغيان الشعارات القومية وخطف الدولة من كينونة حضورها الديمقراطي نحو غابة يتنازع عليها ذئاب متوحشة لا تعرف إلا الدم.

هل يسجن أحد أبطال الحكاية التلفزيونية مثلاً في سجن المزة العسكري أو يقتاد إلى تدمر حيث تنتظره سنوات قادمة تحت الأرض؟ أم يحسب على جماعة الإخوان المسلمين ويجرّم بالإرهاب ويحكم على عائلته وما سيليها من أجيال من النفي إلى الخارج؟!

هنا تكمن المشكلة الأولى في تقديم حكايا درامية وإكساءها ثوب الواقعية في صيغة توثيقية لفترة ما زال السوريون يدفعون ثمنها لأن النظام الذي صبغ تلك الفترة بمفاهيم وأيدولوجيا رثة موجود في السلطة حتى يومنا هذا!

“شارع شيكاغو” هو الاسم الذي انتقاه المخرج محمد عبد العزيز ليكرس رؤيته السينمائية في عمل تلفزيوني ثالث بعد تجربتي “ترجمان الأشواق” و”صانع الأحلام”، المخرج المعروف بفلسفته الإخراجية وطريقة تعبيره الرمزية تمكنّ أن تنال فرضيته الدرامية عبر ورشة شارك فيها ثلاثة كتاب سوريين شباب من الوصول إلى النور لكن مع المنتج محمد قبنض الذي تعرض لعداء كبير من الوسط الفني وهجوم غير مسبوق في السنوات الفائتة لأنه كان الأكثر تدميراً لبنية الصناعة الفنية في سوريا بعدما استفحل في الموالاة وحظي بمحاباة كاملة من النظام، فتملك عمليات البيع والشراء ضمن قناة الدراما الحكومية في سوريا وكسر سعر الحلقة التلفزيونية ما همش قيمة المسلسل السوري وخفض من الأجور بشكل مؤسف.

إقرأ أيضاً: بطل «باب الحارة» يرفع الصوت في وجه النظام: «لسنا بحاجة لسندويش فلافل»

فكيف يمكن لعمل درامي نخبوي جريء أن ينفذ برؤية منتج أميّ في الصناعة الفنية، قد يجيب قائل أن قبنض سبق وأنتج في باكورة أعماله مسلسل “لعنة الطين” للكاتب المعارض سامر رضوان وكسر كافة حدود الرقابة حين تجرأ وطرح مسلسل يروي فترة الثمانينات في سوريا، فلماذا لا تتكرر التجربة مرة ثانية مع محمد عبد العزيز وطيف واسع من النجوم مثل عباس النوري، سلاف فواخرجي، أمل عرفة، دريد لحام.

الاختلاف يكمن في عقلية النظام الذي أعاد إنتاج نفسه بشكل أكثر تشويهاً، فحاصر شركات الإنتاج ومارس رقابة سوداء على النصوص المطروحة وأعاق فكرة عودة المنتجين السوريين من الخارج للعمل في دمشق، وهو ما يعني أن قبنض بسطوته الكبيرة بات واجهة النظام الفعلية للدراما السورية بعد انكفاء رجلي الأعمال الشهيرين رامي مخلوف وسامر الفوز عن الواجهة.

فإذا جاء المسلسل في رمضان القادم ليصوّر نماذج اجتماعية من المجتمع السوري في شارع اعتبر أجنبياً لحداثة ما ضم من بارات وملاهي ليلية، فما الذي يضمن أن يحمل “شيكاغو” ملامح طريق حرستا الدولي المدّمر بشكل كامل أو تفاصيل الأسواق الأثرية المدمرة في حمص وحلب، ملامح آنية هي نتاج جراح ضربات النظام في وعي السوريين على مدى أربعة عقود متتالية، بدأت من الستينيات ذاتها أي من شوارع قد تشبه أو لا تشبه “شارع شيكاغو”.

السابق
بعد عدم منع الزيارات الدينية.. قبلان يستدرك: للتقليل من تجمعات المساجد والحسينيات!
التالي
«كورونا»..إرتفاع الوفيات في الصين وإيران وعداد المصابين يتزايد في اوروبا!