الفقه العاشورائي في الزمن الكوروني.. «إلا ما اضطررتم»

ما زالت إشكالية إقامة مجالس عاشوراء لسنة 1442 هجرية قمرية تأخذ مداها من الجدل العلمي والفقهي في الوسط الشيعي في مختلف بلدان العالم ، وذلك في ظل استمرار تفشِّي جائحة ڤايروس كورونا التاجي المستجد، مما يستدعي وقفة فقهية لبيان التكليف الشرعي أمام هذا الحدث، فكان هذا اللقاء مع الدكتور الشيخ إبراهيم خازم العاملي ليطرح ما في جعبته مما فهمه من فتاوى مراجع الشيعة المعاصرين .

بالنسبة  للتصنيف الفقهي لحكم إقامة مجالس ليالي عاشوراء العشر ، يقول الدكتور الشيخ ابراهيم خازم العاملي انه يخضع للحكم الشرعي العام الذي قرره فقهاء الإمامية بالنسبة لإقامة المجالس الحسينية  عموماً والمشتملة على رثاء سيد الشهداء عليه السلام وذكر ما جرى عليه وعلى عياله وأهل بيته وأصحابه من المصائب في أرض كربلاء في يوم عاشوراء وما قبله وما بعده.  

 وهذا الحكم الفقهي العام في العنوان الفقهي الأولي هو الاستحباب المؤكد بالنسبة لكل مُكلَّف، فليس لازماً حصر ممارسة قراءة العزاء بالمتخصصين من أهل هذا الفن الديني ، بل يمكن أن يقوم كل مكلف قادر على القراءة بممارسة هذا المستحب المؤكد ، ولو في داره لعياله وأولاده كما كان مشهوراً في القرن الماضي في جبل عامل حيث كان أكثر الناس يتلون السيرة الحسينية من السفينة وهو كتاب : ” سفينة النجاة ” لأشهر الخطباء الحسينيين الجنوبيين في القرن الماضي الخطيب الحسيني فضيلة السيد عبد الحسين إبراهيم رحمه الله .  

 وقد أطبقت عبائر فقهاء ومراجع الشيعة على الإفتاء بالاستحباب المؤكد لإقامة مجالس العزاء الحسيني بالصيغة المذكور في عاشوراء وفي غير عاشوراء ، هذا بالنسبة للحكم الفقهي الأولي بالعنوان الأولي .  

حكم اقامة المجالس في زمن كورونا  

أما بالنسبة  للحكم الفقهي لإقامة المجالس الحسينية في ظل جائحة كورونا، فبرأي الدكتور الشيخ العاملي، انه في ظل جائحة فايروس كورونا التاجي المستجد لم يقل أحد من مراجع الشيعة بحرمة الخروج من البيت مطلقاً، ولا بحرمة المخالطة مطلقاً، ولا بحرمة التجمعات مطلقاً، ولا بحرمة الدخول إلى المساجد والحسينيات والمراكز الدينية مطلقاً، بل قيد فقهاء الشيعة الحرمة بقيود، منها فيما لو كان نظام البلد العام يمنع من ذل ، فحينها يجب التزام مقررات نظام البلد الذي يقيم فيه المرء من باب وجوب حفظ النظام العام الذي هو حكم إجماعي عند فقهاء الشيعة .

فلو قررت الدولة منع الخروج من البيت أو المخالطة أو التجمعات أو دخول المساجد والحسينيات والمراكز الدينية فيجب حينها التزام مقرراتها من باب وجوب حفظ النظام العام الذي هو حكم إجماعي بين الفقهاء  وقد يبرر فقهياً حينها المنع من دخول المساجد والحسينيات والمراكز الدينية بقاعدة قوله تعالى : ” إلا ما اضطررتم ” ، وقاعدة : “الضرورات تبيح المحظورات “، وقاعدة : ” ما من شيء حرمه الله إلا وأحله لمن اضطر إليه “، وما شاكل، فإن الأصل الفقهي الثابت هو حرمة حبس الأوقاف عن الانتفاع بها بالوجوه التي وقفها لأجلها الواقف، ففي الأصل لا يجوز المنع من دخول المساجد والحسينيات والمراكز الدينية الموقوفة لأغراض الصلاة والوعظ وإقامة الشعائر الدينية وتعليم العقائد والحلال والحرام وما شاكل، وحينها يكون الالتزام بمنع الحكومة من الانتفاع بها بالوجوه المذكورة الموقوفة لأجلها، يكون هذا الالتزام من باب الضرورات التي تبيح المحظورات كما هو حال إجراءات بعض الأنظمة لمواجهة تفشي الجائحة والحد من انتشارها ولمحاصرة الوباء لحفظ النفوس الذي هو من أوجب الواجبات في الشريعة، فلو توقف حفظ النفوس على هذه الإجراءات فيجب حينها على المكلفين الامتثال لهذه الإجراءات بالعناوين المذكورة .   

حرمة التقارب والاكتظاظ في المجالس 

ويلفت الشيخ العاملي ان الحكومات لو لم تمنع كل ما تقدم فحينها يكون الخروج من البيوت والمخالطة والتجمع ودخول المسجد والحسينية والمركز الديني غير ممنوع منه فقهياً – وهذا يتبع الپروتوكولات العلاجية التي تعتمدها الدول – طبعاً مع مراعاة الوقاية الصحية من العدوى في ظل جائحة كورونا ، وهذا هو رأي مراجع الشيعة المعاصرين ، فهم لم يمنعوا من إقامة مجالس عاشوراء بهذه الشروط المذكورة .   

وبالنهاية يرى الدكتور الشيخ ابراهيم خازم العاملي يحرم الاكتظاظ والتقارب في المجالس الحسينية إلا بالمقادير التي حددها خبراء الأمراض المعدية، كون الضرر محتمل من الاكتظاظ والتقارب الجسدي، وهذا الضرر المحتمل يجب دفعه بإجماع فقهاء الشيعة، ولا يكون دفعه إلا بتقليل عدد الأفراد المشاركين في المجلس الحسيني والمأتم بحيث يكون العدد دون الاعتيادي الذي جرت عليه العادة في كل عام، كما يكون دفعه بالتباعد الجسدي أكثر من مترين بين الفرد والآخر كما قرر خبراء الأمراض المعدية، مضافاً إلى اعتماد بقية الأساليب الوقائية الصحية من إلزام كل فرد من الحضور بلبس الكمامة والاحتياط لزوماً بلبس واقي الوجه، وتعقيم اليدين بالمعقمات النافعة ، وتبخير الثياب بالكلور، وعدم الدخول بالحذاء إلى مكان عقد المجلس ، وترك المصافحة وما شاكل، فهذه الإجراءات تصبح واجبة شرعاً وفقهاً لدفع الضرر المحتمل من العدوى بالنسبة للمشاركين في المجالس العاشورائية هذا العام .  

الشيخ ابراهيم خازم العاملي
السابق
«أموالكم» ليست لكم!
التالي
المطاعم تتمرّد على السلطة: لن نُقفل أبوابنا.. وعون يتذرّع بصحة اللبنانيين!