لبنان: سر الهجوم الدولي الكاسح!

صورة جوية لمرفأ بيروت بعد الانفجار

قاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون انقلابا دوليا شاملا في آليات التعامل مع لبنان إثر الكارثة التي ضربت عاصمته بيروت.

فاجأت زيارة الرجل العاجلة كل الطبقة السياسية اللبنانية، المعارضة والموالية، على نحو أخرس أي أصوات حول التدخل في شؤون لبنان، وفرض على النظام السياسي الحاكم، برئاسة ميشال عون، السكوت عن المواقف التي أطلقها في التضامن مع الغضب الشعبي العارم وغمزه من قناة سلطة لا تحظى بثقة الناس.

والواضح أن لبنان، الذي عانى عزلة عربية دولية غير مسبوقة في تاريخه، بات مضطرا لإحداث تغيير ما في واجهاته السياسية كما في أداء سلطته. لم يأت ماكرون فقط بناء على رد فعل عاطفي تفرضه مأساة لم يشهدها العالم منذ هيروشيما وناكازاغي قديما وتشرنوبيل حديثا، بل جاء متسلحاً بمزاج دولي مستجد، شجعت واشنطن عليه، قضي بالتسليم له بقيادة تحرك دولي لفرض تسوية جديدة في لبنان.

اقرأ أيضاً: اللبنانيون يحولون «محنة» دمار بيروت الى «منحة» لإسقاط «سلطة الإذلال»!

على هذا ممكن أن نفهم سرّ القوة الخارقة التي امتلكها ماكرون لتأنيب الطبقة السياسية برمتها دون أن يلقى مقاومة حتى من قبل حزب الله. وعلى هذا نستنتج قدرة الرجل على إقناع دول العالم المعنية، بما في ذلك الولايات المتحدة، وبحضور الرئيس الأميركي دونالد ترامب شخصيا، بالانضمام إلى المؤتمر الإنقاذي الذي قادته باريس لمساعدة لبنان.

ولئن كان العامل الإنساني وهول الحدث الذي صدم الكوكب برمته يقف وراء “تسونامي” المساعدات العربية والدولية التي تدفقت على لبنان كما الانعقاد السريع لمؤتمر باريس، إلا أن الأمر يتجاوز بعده الخيري ليدخل في صلب تحول سياسي دولي في مقاربة شؤون لبنان، بما يفسّر أعراض التحولات الراهنة. والظاهر أن ترامب ينتهج مع ماكرون مقاربة جديدة -انضمت إليها الدوائر الغربية والعربية الحليفة- تقضي بعدم ترك لبنان فريسة لنفوذ إيران وحزبها المسلح. والظاهر أيضاً أن الترهل الذي أصاب حزب الله، رغم خطاب المكابرة الذي يردده زعيمه، يجعله أقل مقاومة للهجوم الإنساني السياسي الدولي الجارف باتجاه لبنان.

تكشف سلسلة الاستقالات من حكومة حسان دياب، كما دعوة دياب نفسه لتوافق الطبقة السياسية (وفق “إملاءات” ماكرون)، كما اقتراحه إجراء انتخابات تشريعية مبكرة، أعراض التحولات/التنازلات التي طرأت على “حكومة حزب الله” والتي قد تقود إلى سقوطها. وتفصح هذه التطورات، لا سيما بعد تصاعد التحرك الشعبي في الشوارع، عن أن الداخل اللبناني يتموضع تدريجيا وفق تسوية تدبرها العواصم المعنية في أوروبا والولايات المتحدة كما لدى دول الخليج (لاسيما السعودية والإمارات)، وليست طهران بعيدة عنها.

تقضي التسوية بمنع البلد الذي يستضيف 1.5 مليون لاجئ سوري من الانهيار النهائي الكبير. وتقضي التسوية بالاهتداء إلى فترة انتقالية يتعايش داخلها أمر الواقع الإيراني في لبنان مع أمر الواقع العربي الدولي الهائل الجديد. تقضي التسوية بحماية لبنان من الأعراض الجانبية للصراع الأميركي مع إيران، وبالتالي منع طهران من فائض الإمساك بالورقة اللبنانية بانتظار المفاوضات المقبلة بين إيران وإدارة الرئيس الأميركي المقبل. وتقضي التسوية أيضا بالعمل على غلق ملفات عالقة تمنع وصل لبنان بالمنظومات السياسية والاقتصادية في العالم.

في أعراض التسوية تراجع واشنطن عن إرسال ديفيد شنكر مساعد وزير الخارجية المعروف بتصلبه إلى بيروت، واستبداله بإرسال وكيل وزارة الخارجية ديفيد هيل المعروف بأنه مهندس التسويات الكبرى. في جعبة الرجل إشارات أرسلتها المنظومة السياسية اللبنانية (المسيطر عليها من قبل حزب الله) بالجهوزية لإبرام اتفاق حول النزاع الحدودي مع إسرائيل، وهو أمر كان رئيس مجلس النواب اللبناني حليف الحزب نبيه بري قد “بشر” به قبل أيام في التأكيد أن “المحادثات مع الأميركيين حول هذا الملف في خواتيمها”.

سيحدد إيقاع التحولات ما هو ممكن وما هو مستحيل وما هو من المستحب تأجيله في ما يطالب به المجتمع الدولي (بما في ذلك الصين وروسيا). تبحث العواصم إمكانات تطوير عمل قوات اليونيفل في جنوب لبنان، وتبحث آليات إغلاق المنافذ غير الشرعية مع سوريا شرقا كما السيطرة على المعابر الشرعية بعيدا عن سلطة حزب الله. وتضعط العواصم باتجاه محاصرة ظاهرة حزب الله العابر للحدود والقبول به جزءا من اللعبة السياسية المحلية المتسقة مع المطالب الدولية في تفعيل الإصلاحات المطلوبة ورفع الغطاء عن منظومة الفساد. 

خاب ظن أهل السلطة. تخيل عون أن العالم فك العزلة عن نظامه. شدد مؤتمر باريس على أن مساعداته الإنسانية ستمر من خلال الأمم المتحدة بما وجه رسالة تخوين لمؤسسات الدولة. وفي هذا يبدو الحزب مرتبكا مصعوقا من هول غضب دولي داهم لم يحسب له حسابا، خصوصا أن سيف التحقيق الدولي حول انفجار مرفأ بيروت ما زال مسلطا. وفي هذا تلقى الحزب صفعة يحاول جاهدا التخفيف من وقعها لدى جمهوره الذي لم يحمل له زعيمه قبل أيام إلا رجاء يائساً: لا تقلقوا.

السابق
ديما صادق رداً على نصرالله: «بسيطة فدا اجرك»!
التالي
عون وبري ممتعضان من دياب.. وجلسة حكومية قبيل الاستقالة!