زيارة ماكرون «إنسانية» شكلاً و«تأنيبية» مضموناً.. «اللبنانيون على دين ملوكهم»!

ماكرون بيروت
يتردد صدى زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والتي لم تتجاوز الثماني ساعات، في كل لبنان سواء على الصعيد الشعبي أو السياسي، لم تنزل "بردا وسلاما" على صدور المسؤولين السياسيين بالتأكيد، لكنها لم تعف الشعب اللبناني من مسؤولياته أيضا، فماكرون الذي أتى ليترجم حرص "الأم الحنون" فرنسا على لبنان، لم يتوان عن القول للبنانيين أن "ما تحصدونه اليوم هو نتاج تمسككم بطبقة سياسية أجلستموها أنتم على كراسي السلطة عبر الانتخابات".

هذه الزيارة الخاطفة و”الانسانية” والمباشرة  ولّدت سجالا داخليا ليس فقط لدى اللبنانيين الذين وجدوا في ماكرون ضالتهم، وعبروا له عن كل ما يختلج صدورهم من غضب ضد أهل السلطة، بل أيضا بين الطبقة السياسية نفسها إذ لم يتوان العديد من النواب ومنهم النائب أنور الخليل عن التعبير عن إستهجانه “لعدم تفقد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لأحوال الناس المنكوبة، و هذا ما فعله ماكرون حين مشى بين منكوبي الجميزة من دون قفازات و لا كمامة”.

لم يأت ماكرون ليتحدث بإسم فرنسا فقط، بل حمل رسائل مزدوجة إلى الطبقة السياسية والشعب اللبناني أيضا بإسم المجتمع الدولي، بالرغم من أنه لم يحجب تعاطفه الانساني مع الشعب المنكوب (حرصه على تبدأ زيارته من تفقد الناس في الشارع)، إلا أنه كان صريحا معهم بأن التغيير يبدأ من عندهم، كان قاسيا وشديد اللهجة مع القوى السياسية الذين إلتقاهم، لم يفرق بين أحد منهم بل جمعهم على طاولة واحدة، عارضا عليهم طوق النجاة الوحيد “عقد سياسي جديد في لبنان” أي حياة سياسية جديدة وإصلاحات، واعدا إياهم بأن زيارته إلى لبنان في1 ايلول ذكرى “تأسيس لبنان الكبير” ستكون بمثابة فحص أخير لمدى صدقيتهم وإرادتهم الطيبة في إنقاذ لبنان واللبنانيين من براثن التلاشي والاختفاء عن إنظار وإهتمام الدول، فكيف ستصرف مفاعيل هذه الزيارة في الحسابات الداخلية اللبنانية، وهل سيفتح 1 ايلول آفاقا جديدة سياسيا وإقتصاديا أمام لبنان المتهالك ؟

توافق دولي 

الاجابة على هذا السؤال تتطلب النظر إلى الوضع اللبناني من زوايا متعددة ، وليس فقط من الزاوية الداخلية، وهذا ما يوافق عليه السفير لبنان السابق في فرنسا ناجي أبي عاصي  ل “جنوبية” بأن “كلام الرئيس الفرنسي في ما يتعلق بالاصلاحات ليس جديدا بل يقال منذ 4 سنوات مضت، والصحيح أيضا أن دولا عديدة حريصة على عدم إنهيار لبنان، و ليس فرنسا فقط، بل أيضا إيطاليا وإلمانيا”.

أبي عاصي لـ”جنوبية”: العقد السياسي الجديد يحتاج الى توافق إقليمي دولي 

يضيف:”الواضح من خلال كلام ماكرون في المؤتمر الصحفي أن فرنسا ليست وحدها، بل هناك مصالح إيرانية وسعودية وأميركية، وإذا لم يجر ماكرون حوارا على هذا المستوى من الدول لإعطاء لبنان دور أو حماية معينة فإننا سنبقى في هذه الدوامة، حين يكون هناك مصالح كبرى لا يكفي رغبة و إرادة فرنسا في حماية لبنان، والامثلة على ذلك كثيرة منها أنه حين بعث البابا يوحنا بولس الثاني برسالة إلى الرئيس الاميركي جورج بوش يطلب فيها عدم دخول القوات الاميركية إلى العراق، يومها لم يفتح بوش الرسالة و لو من باب اللياقة، و هذا يعني أن مصالح الدول هي التي تقرر سلوكها تجاه الدول الاخرى و ليس التمنيات”.

ابي عاصي

يرى أبي عاصي أنه “لا يكفي تحرك ماكرون تجاه المسؤولين اللبنانيين، لابد لفرنسا أن تقوم بحوار مع كل من روسيا وإيران والولايات المتحدة لوضع مداميك عقد سياسي جديد في لبنان، يجب أن يحصل توافق إقليمي دولي على هذا العقد السياسي الذي دعا إليه ماكرون وإلا لا يمكن تنفيذه “.

ويرى أبي عاصي أنه “سواء أكان حاصلا على ضمانة أو لا فإن ماكرون يقوم بمحاولاته مع الدول المعنية بالملف اللبناني ، وهذه الدول أيضا لها مصالح مع دول أخرى وبالتالي هناك ما يشبه “كل متكامل أو سلسلة  مصالح وحسابات مترابطة و معقدة”، مشيرا إلى أن “فرنسا لديها إهتمام تاريخي بلبنان منذ قيام دولة لبنان الكبير، كما تهتم به ثقافيا وإجتماعيا لأن لغته الرسمية هي الفرنسية وأكبر عدد من المتكلمين لهذه اللغة  في المنطقة هم في لبنان”، لافتا إلى أنه “صحيح أن هناك إهتماما أميركيا وبريطانيا بالسياسة والثقافة اللبنانية، إلا أن فرنسا لا تزال تعتبر أن لبنان هو إمتدادها الفرنكوفوني و السياسي في المنطقة”. 

ويذكّر بأن “ترجمة هذا الاهتمام تم من خلال محطات طويلة، فكل القرارات الدولية التي أراد لبنان تقديمها إلى مجلس الامن الدولي فإن ذلك كان يتم عبر فرنسا ، وهذا ما حصل بالنسبة للقرار 425، وفي العام 1996 فإن وزير الخارجية الفرنسية  إيرفيه دو شاريت هو من قدّم إتفاق نيسان إلى مجلس الامن و تم تأسيس اللجنة الثلاثية، وإقتصاديا فرنسا هي من ساهمت بشكل أساسي في تنظيم مؤتمرات باريس 1 و2 و3 و سيدر، وكما أن تأليف مجموعة الدعم الدولية للبنان صحيح أنه كان إقتراح لبنان لكن تقديم الطلب في مجلس الامن كان على يد الفرنسيين، ناهيك عن دعم تربوي  وبيئي كبير (حرش بيروت) كل هذا دليل على حرص فلرنسي على متابعة التفاصيل اللبنانية”. 

ويختم:”صحيح أن هناك العلاقات اللبنانية – الفرنسية لا تحوز دوما على رضى كل الاطراف اللبنانية  نتيجة العلاقات الفرنسية- الاميركية، إلا أن إهتمام فرنسا بلبنان مستقل عن إعتبارات أميركية ، فحين طلب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إجراء إصلاحات إقتصادية ليس لأن الاميركيين يريدون ذلك، بل لأن الشرط الاساسي للحصول على الدعم الدولي المتمثل عبر سيدر هو من خلال تنفيذ الاصلاحات”.

رجل الدولة المفقود

على ضفة القوى السياسية فتقييم وتحديد مفاعيل زيارة ماكرون تنطلق من إعتبارات متعددة تحكمها تحالفاتهم الخاصة ومشاركتهم في الحكومة، إذ يرى عضو كتلة “الجمهورية القوية النائب جورج عقيص لـ”جنوبية” أن زيارة الرئيس ماكرون لم تكن موضع ترحاب ضمني للعديد من المسؤولين السياسيين لجهة نتائجها و لجهة التلقف الشعبي الكبير لمبادرة الرئيس الفرنسي”، لافتا إلى أن “زيارة ماكرون أظهرت مدى حاجة الشعب اللبناني إلى مسؤولين قريبين منه ، وهم رأوا في الرئيس الفرنسي صورة عن رجل الدولة المفقود لديهم “.

عقيص لـ”جنوبية”: التحرك الفرنسي لحماية الشعب من السلطة 

يضيف:”المطالبة بإعادة الوصاية أو الانتداب هو في إطار المبالغة في الغضب لكنه غضب محق ومبرر، ما طرحه الرئيس ماكرون يحتاج إلى أيام لإكتشاف مفاعيله وآثاره وأعتقد أن زيارته لا بد من قراءتها مع زيارته المرتقبة في أول أيلول بمعنى أنه سيأتي ليشرف على مدى جدية المسؤولين اللبنانيين في الاخذ بالنصائح التي طرحها للخروج من الكارثة والازمة”.

النائب جورج عقيص
عقيص

ويختم:”هذا يدلل على مدى إنعدام المجتمع الدولي بالسلطة الحالية في لبنان، حين يعلن ماكرون أنه سيأتي ليعرف مدى التقدم في الأمور التي طرحها للحل، هذا يعني أنه لم يعد هناك أي ثقة بهؤلاء المسؤولين وأن التحرك الفرنسي يندرج في إطار حماية الشعب اللبناني من السلطة التي تحكمه” .

إصلاحات ووحدة وطنية 

ينظر عضو كتلة التنمية والتحرير النائب ميشال موسى إلى ما قصده الرئيس الفرنسي من زاوية مختلفة، ويقول لـ”جنوبية”: أعتقد ما قصده الرئيس ماكرون من خلال العقد الاجتماعي الجديد هو طريقة عمل جديدة على المستوى السياسي، أي الذهاب إلى المزيد من الاصلاحات والوحدة الوطنية وهذا ما يمكن إستشفافه من كلامه إذ لا يمكن للبنان أن يخطو خطوات جدية في الفترة الفاصلة بين اليوم والاول من أيلول إلا في موضوع إتخاذ خطوات جدية  بالاصلاحات، أما تعديل النظام اللبناني فهذا أمر يجب طرحه داخليا ويستلزم وقتا طويلا ونقاشا واسعا بين المكونات اللبنانية “.

موسى لـ”جنوبية”: المطلوب هو الاصلاحات وتعديل النظام

يضيف:”ما طلبه هو شد الازر الداخلي لمواجهة الكارثة التي حصلت وهي غير مسبوقة ومخيفة بكل مفاهيمها، علما أننا أيضا كنا ولا زلنا نتخبط بأزمة إقتصادية عميقة وضخمة،  ولذلك لا بد من أن يكون هناك وضعية إصلاح وخطة للخروج من في الوضع المأساوي الذي حصل ومن أزمتنا، لأن ما حدث كبير جدا ولا بد من توضيح التفاصيل ومحاسبة المسؤول عما حدث في 4 آب”.

ميشال موسى
موسى

يوافق عضو اللقاء الديمقراطي النائب هنري حلو على كلام موسى، ويقول لـ”جنوبية” أن “المؤتمر الصحافي للرئيس ماكرون أظهر إطلاعه على كل الوضع اللبناني، ووضع خارطة طريق وأعتقد أن المعادلة الدولية تجاه لبنان لا تزال هي نفسها منذ أشهر وهي ضرورة تطبيق الاصلاحات لتأمين المساعدات و الحصول على مساندة المجتمع الدولي”.

حلو لـ”جنوبية”: هناك مقاربة جديدة للواقع السياسي 

يضيف: “هناك مقاربة جديدة للواقع السياسي اللبناني، لكن هناك شعب لبناني يعاني الامرين ويجب التدخل لوقف هذه المأساة، وبالنسبة لي المطلوب هو تطبيق الاصلاحات ولا يمكننا الإكمال على هذه الطريقة هناك رئيس حكومة يدعي أن حكومته نفذت 79 بالمئة من برنامجها الاصلاحي، أين هو هذا الاصلاح و أتعجب كيف أن الشعب اللبناني لا يزال صابرا علينا نحن السياسيين و لم يدخلوا إلى بيوتنا بعد”. 

هنري الحلو
الحلو

رسائل قاسية 

يوّصف عضو تكتل”لبنان  القوي” النائب آلان عون لـ”جنوبية” بأن” أن الرسائل الفرنسية التي حملها الرئيس ماكرون الى سياسييّ لبنان أتت بدرجة كبيرة من الصراحة والقساوة بما فيها تحذيرات تصعيدية للمرحلة القادمة فيما لم تتوصل القوى السياسية الى التغيير المنشود، حتى لو حاذر بالتعبير و وازن بين إحترام سيادة لبنان وعدم فرض رأيه عليه وبين تقديمه النصيحة من صديق وحريص وممثل للمجتمع دولي الذي يحتاج لبنان اليه ويطرق أبوابه”.

آلان عون لـ”جنوبية”: ماكرون حمل رسائل تحذيرية

ويلفت إلى أن “زيارة ماكرون أتت بشكل أساسي على أثر نكبة بيروت ولم تكن تحديداً لتكرار ما سبق وأتى به وزير الخارجية الفرنسي لو دريان الذي وضع الحكّام اللبنانين أمام مسؤولياتهم فيما لو أرادوا فعلاً المساعدات المالية الدولية للخروج من الأزمة الإقتصادية المالية الغير مسبوقة التي يتخبّط فيها لبنان”، مشددا على أن “ماكرون أعاد التأكيد على الموقف الفرنسي الدولي الذي يشترط على لبنان إلتزام كلّي برزمة إصلاحات وفصله بين المساعدات الدولية التي ستأتي من كل بلدان العالم لمساعدة اللبنانيين على مسح تداعيات الكارثة التي وقعت في بيروت وبين خارطة الطريق التي ما زالت مفروضة على لبنان لكسب المساعدات الدولية لأزمته المالية ولن تعدّل بها كل مشاعر الحزن والتضامن مع مآساة بيروت”.

النائب آلان عون
عون

ويختم:”لا شكّ أنّ مبادرة الرئيس ماكرون للمجيء الى لبنان والوقوف الى جانب الشعب اللبناني في هذه اللحظات الصعبة وهذه المحنة القاسية، لاقت ترحيباً شعبياً عارماً خاصة بعد رواج شعور منذ فترة لدى معظم اللبنانيين بالعزلة وتركهم وحيدين لقدرهم وأزمتهم”.

السابق
جُنبلاط يُشكك بكلام نصرالله: لستُ مقتنعاً بروايته.. وعلاقة غامضة تربط الحزب بالدولة
التالي
الفلسطينيون يهبّون لإغاثة بيروت.. صلاح لـ«جنوبية»: دماء «غزّة» لم تصل بعد!