«الإدارة المدنية» بنسختها المعيشية «الكورونية»..نُزوع نحو «ميني فدرالية»!

الثورة اللبنانية لن تتوقف
خفت وهج الاحزاب الطائفية بعد ثورة 17 تشرين الاول، لكنها تحاول العودة اليوم عبر الركوب على ظهرها، وتستغل جائحة "كورونا" لإطلاق إدارة مدنية غذائية تتقوقع في مناطقها لتشكل تحت ستار منع الجوع "ميني فدرالية" طوائفية ومذهبية.

بقدر ما نزعت ثورة 17 تشرين الاول 2019 المشروعية الشعبية عن سلطة فاسدة وعاثت تخريباً بالبلد 30 عاماً خلت ونهبت كل مقدراته، أعاد وهج جائحة “كورونا” بعضاً من حضور بعض الاحزاب الصدئة في مناطقها.

فمنهم من ركب موجة الثورة وليلحق بشارعه، كما فعل النائب السابق وليد جنبلاط والدكتور سمير جعجع. بينما يمعن “حزب الله” و”حركة امل” في خنق الجنوبيين وحصارهم داخل مناطقهم. تارة بالتخويف من عدوان اسرائيلي، وتارة اخرى بضرورة التصدي للحصار الاميركي على اعتاب صيدا (بوابة الجنوب) حتى بوابة فاطمة !

أزمة خانقة خارج السيطرة!

الأزمة الاقتصادية الحادة والمالية والمعيشية التي باتت خارج السيطرة بالكامل وخارج اي حدود او منطق، حرّكت الغريزة الطائفية للاحزاب والطوائف وفاعليات المناطق تحت ذريعة منع المجاعة وضبط “الرِجل الغريبة” في المنطقة ومنع بيع اي منتج غذائي مع اي منطقة اخرى.

إقرأ أيضاً: «دولة الثنائي» تُرسّم «حدودها» بقاعاً وجنوباً..وغليان شيعي ضد مافيا المولدات!

وكشفت أزمة تفشي وباء “كورونا” ضعف تأثير القرارات المركزية للدولة مقابل القرارات اللامركزية، ففي وقت كان للحكومة قراراتها المركزية وإدارتها للأزمة، وبرزت إدارات مناطقية وفرعية للأزمة وكأن الوباء فرض “فيدراليته” وفق خصوصيات المناطق والمكونات الطائفية والحزبية، إذ تلجأ هيئات “محلية”  واحزاب بعيداً من القوى الشرعية، إلى تدابير فردية وجماعية لحماية نفسها من الوباء وتعزز تحت هذه الحجة ميني فدراليتها” الخاصة في مواجهة “الغريب” اللبناني الآخر!

ولجأ عدد من القرى والبلدات الى قرار العزل الذاتي عن محيطه، وبعضها الآخر حصر حركة الدخول والخروج عبر معبر وحيد وتحت مراقبة الإدارة المحلية، في حين تولى بعض الأحزاب النافذة القيام بمهام إدارة الأزمة بكل جوانبها، ما أدى في بعض الأحيان إلى تصادم بينها وبين البلديات.

تجربة “حزب الله”: زراعة وصناعة “مقدستان”

“حزب الله” منذ ثورة 17 تشرين الاول، احكم قبضته الامنية والعسكرية على تحركات الجنوبيين فيما اوكل الى “حركة امل” التنكيل بالثائرين الجنوبيين والتهويل عليهم وصولاً الى منع اي اعتصام او قطع طرق في المناطق الاساسية ومفاصلها، بينما غصّ “الثنائي” وبعد جهد جهيد بخيمتي الاعتصام في صور والنبطية.

ورغم القمع والبطش الامني، لا زال الثوار الجنوبيين تواقين الى التحرر من هذه القبضة واليوم ومن بوابة الجوع والعوز والفاقة التي سببها “كورونا”، يتحركون حتى تحقيق المطالب المعيشية والسياسية برحيل الحكومة ومحاسبة الفاسدين داخل الحكومة وخارجها.

الأزمة الاقتصادية الحادة والمالية والمعيشية حرّكت الغريزة الطائفية للاحزاب والطوائف تحت ذريعة منع المجاعة وضبط “الرِِجل الغريبة” في المنطقة

وشكل الهلع من الجوع لدى الطائفة الشيعية في الجنوب والضاحية والبقاع وبعد توقف تحويلات المغتربين والسطو على اموال المودعين وتفاقم الحصار الاميركي على الشخصيات الشيعية ورجال الاعمال في افريقيا خصوصاً، “بقعة ضوء” لينفذ “حزب الله” منها لاعادة “إحتضان” جمهوره او المستفيد منه.

إقرأ أيضاً: حكومة دياب «تُضحّي» باللبنانيين.. و«الثنائي» يتربص بمعارضيه جنوباً!

فعمد الى الضغط على البلديات التابعة له لتأمين مواد غذائية وطحين وحليب اطفال وكذلك مساعدات عينية مادية من صناديق البلديات بالاضافة الى مساعدات مالية قدمتها الحكومة عبر الجيش واستفاد منها جنوباً المحازبون لـ”حزب الله” و”حركة امل” فقط وهم لا يمثلون عملياً اكثر من 30 في المئة من اجمال عدد الشيعة فيما ترك 70 في المئة من الطائفة لقدرهم وفي عين عاصفة الجائحة وبراثنها التي فتكت بهم صحياً ومعيشياً ومالياً.

اوهام زراعية من كيس “اليونيفيل”

في مقابل توزيع الاموال والمساعدات الغذائية على محازبيه فقط، تؤكد مصادر متابعة لما يقوم به “حزب الله” جنوباً لموقع “جنوبية”، ان بعض الجمعيات التي تدور في فلك “حزب الله”، قد تمكنت من الحصول على هبة مالية من “اليونيفيل” لتمويل انشاء مساكب زراعية بيئية وهي طريقة متطورة لتحسين وتعزيز الانتاج الزراعي وقد اختار “حزب الله” بـ”طريقته” الخاصة من كل قرية ما يقارب العشرين عائلة  مقربة منه او لديها عناصر منه، وقد قدمت لها الامكانات الضرورية لانشاء مسكبتين، كل واحد منها بطول 20 متراً وعرض متر واحد، كما قدمت البذور والشتول والاسمدة واجرة اليد العاملة.

مشاريع زراعية مناطقية
مشاريع زراعية مناطقية

في المقابل تقوم جمعية “جهاد للبناء” التابعة للحزب بييع الشتول والمواد الزراعية وحبوب الزراعة ولا تقدمها هبة كما يزعم المقربون منها. وبذلك يبيع “حزب الله” الجنوبيين وهم “الزراعة  المقدسة”، وجهاده الزراعي والصناعي من كيسهم وجيوبهم.

وهو ليس الا بروباغندا اعلامية وشعبوية لا غير، وهي مبادرات عقيمة. لان ليس بالزراعة تحل الازمة المعيشية والمالية ويؤتى برغيف الخبز وحليب الاطفال ومياه الشفة ومازوت المولدات.

بعض الجمعيات المقربة من “حزب الله” حصلت على هبة مالية من “اليونيفيل” لتمويل انشاء مساكب زراعية بيئية استفاد منها فقط المحاسيب والمحازبون!

واخيراً وبعد لجوء مزارعي بعض القرى الجنوبية الى بيع ما زاد من محاصيل القمح والذرة والشعير وكذلك زيت الزيتون الى بعض القرى المجاورة في حاصبيا، اطلق “حزب الله” العنان لجيوشه الالكترونية عبر تطبيقات “الفايسبوك” و”الواتس اب” و”تويتر” للتخويف من بيع المحاصيل وللترويج لمبادرة نصرالله، من الخصوم كجنبلاط  بعد اتهام محازبي ومسؤولين في “الحزب الاشتراكي” بشراء محاصيل القمح والمواشي الجنوبية.

وتؤكد المصادر لـ”جنوبية” ان العديد من تجار المواشي في الجنوب ولا سيما في قرى الشريط الحدودي السابق قد تم تهديدهم من قبل الجهاز الامني لـ”حزب الله”. كما تم تنبيه المزارعين من ضرورة عدم بيع اي سلعة في الجنوب لاي “غريب” وبأي ثمن كان تحت طائلة التضييق على العائلة والموظفين فيها وغير من اساليب الضغط الاخرى.      

تجربة جنبلاط ليس جديدة

وليست هي المرة الاولى التي يحذر فيها رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط من المجاعة ومن المصير الاسود الذي ينتظر لبنان، وآخر تحذيراته من المجاعة والتي اثارت الذعر بين الناس كانت خلال لقائه مشايخ من الطائفة الدرزية.

هذه التحذيرات “الجنبلاطية” من مجاعة آتية، انعكست تهافتاً  درزياً على شراء المواشي وزيت الزيتون والقمح اخيراً من مناطق متعددة في الجنوب.

وتؤكد معلومات لـ”جنوبية” ان منذ فترة شهدت قرى جنوبية في منطقة النبطية، حضور افراد من الطائفة الدرزية، وهم يتجولون في البيادر اي حقول القمح وحيث يتم “درس” القمح اي فصل القشور عن الحبوب بعد قطفها. وعرضوا بعد اكثر من زيارة للمنطقة شراء كل محاصيل القمح بمبالغ مغرية . ولكن بعد التدقيق لم تحصل عملية  البيع تلك كما ان عمليات شراء محاصيل القمح فردية ومحدودة وليست بالحجم الكبير وقد ضخمت كثيراً من اعلام وجماهير “حزب الله” للتضخيم والتهويل ولتصوير ان “حزب الله” هو الملاك المنقذ غذائياً للجنوبيين.

شراء المواشي ناشط في كل لبنان
شراء المواشي ناشط في كل لبنان

وتكشف الفاعليات عن حادثة مماثلة لكنها كانت متعلقة بزيت الزيتون حيث حضرت ايضاً شخصيات درزية وبينهم مشاريخ من حاصبيا وقاموا بشراء كل زيت الزيتون المعروض للبيع في منطقة بنت جبيل اذ اشترى احدهم من منزل واحد في الغندورية حوالي 50 تنكة من الزيت.

وقبل شراء الزيت ايضاً بأشهر عدة، اشترى “اشتراكيون” بتكليف من جنبلاط مئات رؤوس الاغنام والابقار من الجنوب والبقاع وتم توزيعها على قرى في الجبل والشوف.

“حزب الله” منع بالتهديد تجار المواشي والمزارعين في قرى الشريط الحدودي السابق من بيع اي من انتاجهم او مواشيهم لغير الجنوبيين!

ويؤكد مصدر في “الاشتراكي” لـ”جنوبية”، ان القمح يزرع بالجبل، ولا احد يمنع احد من شراء او بيع اي محصول والتجار يشترون حيث تعرض بضاعة او قمح او اي صنف آخر.

إقرأ أيضاً: «الإخضاع الحكومي» مستمر: عطش وعتمة ومحروقات..وعزل قرى بقاعية!

ويستبعد المصدر ان تكون عمليات شراء القمح كبيرة ومنظمة، حيث تزرع مناطق في الشوف بالقمح ولا تكليف من جنبلاط لاحد بشراء القمح.

تجربة “القوات”

وعلى طريقة “حزب الله” و”الاشتراكي” في عزل المناطق واعتماد سياسة “التخويف” من الآخر، لجأت “القوات” اللبنانية الى الامر نفسه في منطقة بشري. فطالب الدكتور سمير جعجع المغتربين المؤيدين له بتبرع كل واحد منهم بـ200 دولار لاعالة المقيمين من اهلهم واهالي المنطقة كما شجع على الزراعة واستصلاح الاراضي كما تلقى مساعدات مالية وغذائية من دول الخليج لا سيما من الامارات والسعودية.

كما منعت “القوات” بيع اي من المحاصيل الزراعية لاي “غريب” عن المنطقة.

جبور وحل ازمة الدولة اولاً!

ويؤكد مسؤول الاعلام والتواصل في القوات اللبنانية شارل جبور لـ”جنوبية”: ان القوات تعاملت ومنذ اللحظة الاولى للازمة المالية والاجتماعية والصحية مع الموضوع انطلاقاً من ثلاثة عناوين اساسية:

العنوان الاساسي لـ”القوات” هو الدولة ولا يمكن لأي حزب مهما كبر شأنه ان يحل محل الدولة لانها الملاذ والامان والحاضنة والرافعة. وعندما نعالج المسألة الاساس المتصلة بالدولة نستطيع ان نعالج كل المشاكل الاخرى. واي مساعدات اخرى تبقى موضعية وصغيرة ولا تفي بالحاجة المطلوبة وهي فقط من اجل منع الجوع عن اي عائلة او انسان.

شارل جبور لـ”جنوبية” : امام هول الازمة الاجتماعية والاقتصادية، رفعت “القوات” شعاراً انه ليس مسموحاً ان يجوع اي لبناني!

الهدف الاساس هو الانتظام في مالية الدولة، والقوات اعطت الحكومة الفرصة رغم انها لم تسم دياب ولم تمنح الثقة الحكومة والقوات عارضت ورفع صوتها وسقفها.

وامام هول الازمة الاجتماعية والاقتصادية، رفعت “القوات” شعاراً انه ليس مسموحاً ان يجوع اي انسان او ان تنام عائلة بلا مأكل ومشرب.

وينفي جبور ان تكون “القوات” وزعت اية مساعدات علناً، وكل ما قيل عن ذلك غير صحيح.

التهافت على المواد الغذائية بات عادة لبنانية!
التهافت على المواد الغذائية بات عادة لبنانية!

ولكن خارج الاعلام وزعت “القوات” من خلال نوابها ومنسقي المناطق، ورفعت لوائح محددة بعدد العائلات الاكثر حاجة. ووزعت حصصاً غذائية و”مرموقة”، ولكنها لم تُصّور احداً ولم تستعرض امام الكاميرات ولم تقم بأي حملات الاعلانية.    

مصدر في “الاشتراكي” لـ”جنوبية”: القمح يزرع بالجبل والتجار يشترون حيث تعرض بضاعة او قمح او اي صنف آخر

واستعنا بالاغتراب اللبناني وأمنا المال من المغتربين لشراء الحصص ومن خلال الوجود “القواتي” في الانتشار والخارج.

ويرفض جبور بشدة وضع ما تقوم به “القوات” في خانة الممارسات التي كانت سائدة قبل الطائف، ويؤكد اننا متمسكون بالدولة والجيش ونرفض اي تقسيم او فدرلة.  

“التيار” يواكب مبادرة نصرالله الزراعية!

وتقول مصادر “التيار الوطني الحر” لـ”جنوبية”، ان “التيار” عمد إلى تجهيز 30 مكانا للحجر الصحي تضم نحو 400 غرفة في مختلف المناطق.

كما ساهم متطوعو “التيار” في حملات تعقيم، ووزعوا مساعدات للعائلات المحتاجة، وأنه جرى تخصيص منصة إلكترونية لمساعدة نحو 2300 طالب بالتعلم عن بعد.

ومواكبة لخطة امين عام “حزب الله” السيد حسن نصرالله الزراعية، تشير المصادر الى ان “التيار، وضع خطة لتحفيز الإنتاج الزراعي والصناعات المحلية وتبادل المنتوجات بين الأقضية، مشيرةً إلى أن الخطة تتضمن ربط المستهلك بمصادر الإنتاج المحلية لضمان الاستفادة للمنتج والمستهلك والتقليل من الاستيراد الخارجي.

وتشدد على ان “خطة العمل تهدف إلى تمكين الناس من مواجهة الأزمة وليس على تقديم معونة أو مساعدة قد تكون كافية آنياً ولكن غير مستدامة”.

يتمسك “تيار المستقبل” وفق مصادره لـ”جنوبية” بدعم خطط البلديات في المدن والقرى لدعم الأسر الأكثر فقراً

وتقول ان “التيار” وزع مساعدات غذائية لمئات العائلات كما يساهم بمبالغ من الاغتراب وناشطي “التيار” في بلاد الانتشار لدعم الاسر الفقيرة والبلديات.  

“الكتائب” و”المستقبل”

وفي حين يغيب حزب “الكتائب” عن المشهدية اعلامياً وسياسياً واغاثياً وفي العلن عن المشهد لاسباب غير معروفة، يتمسك “تيار المستقبل” وفق مصادره لـ”جنوبية” بدعم خطط البلديات في المدن والقرى لدعم الأسر الأكثر فقراً.

وتشير الى ان بلدية صيدا وطرابلس وشخصيات ونواب عكاريين ساهموا الى حد ما في تتخفيف الاذى والحاجة الكوورنية. 

التجرية الدينية واراضي الوقف

كما قامت المرجعيات الدينية وخصوصاً المسيحية بالسماح بزراعة اهالي المنطقة المجاورة لاراضي الكنيسة او الوقف كما حذر البطريرك الماروني بشارة الراعي اكثر من مرة من شبح المجاعة ووزعت البطريركية المارونية تبرعات مالية وغذائية من رجال اعمال تابعين لها دينياً وتم توزيعها في المناطق التابعة لها.

السوق السوداء باتت تحكم تجارة الدولار مقابل الليرة
السوق السوداء باتت تحكم تجارة الدولار مقابل الليرة
السابق
«دولة الثنائي» تُرسّم «حدودها» بقاعاً وجنوباً..وغليان شيعي ضد مافيا المولدات!
التالي
دياب يفرّط في الدعم الفرنسي والأوروبيون يشكون انقلابه على قراراته!