«لبنان الأسود» بعيون خارجية: الدولة الأولى في التضخم المفرط شرق أوسطياً!

التضخم
بعد سنوات من السياسات المالية الخاطئة، انتهت لعبة المصرف المركزي والحكومات اللبنانية، ليدخل لبنان مرحلة «التضخم المفرط»، في يوم أسود سيذكره التاريخ.

يشهد لبنان أسوأ انهيار اقتصادي في تاريخه، يتزامن مع شحّ الدولار وفقدان العملة المحلية أكثر من 80% من قيمتها، عدا عن ارتفاع معدل التضخم، ما جعل قرابة نصف السكان تحت خط الفقر.
ويوما بعد يوم تتفاقم الأزمات الاقتصادية والمالية حتى بات لبنان يسير بسرعة قياسية نحو هاوية لا قعر لها، ليصبح اول دولة في الشرق الاوسط تعاني من التضخم المفرط “Hyperinflation”.

اقرأ أيضاً: احتياطي «المركزي» يتآكل.. مارديني لـ«جنوبية»: ضخ الدولار لا يوقف الإنهيار!

يوم أسود في تاريخ لبنان.. لبنان الدولة الأولى والوحيدة في الشرق الاوسط تعاني من التضخم المفرط

وتحت عنوان “Lebanon Hyperinflate“، كتب الخبير الاقتصادي العالمي ستيف هانكي، يوم أمس (الخميس) في مجلة “ناشيونال ريفيو” الأميركية، ان “التاريخ سيذكر يوم الأربعاء كيوم أسود في تاريخ لبنان، وهو يوم دخلت البلاد في جدول هانكي كروس العالمي للتضخم”.
وأشار هانكي في تقرير ترجمه موقع “جنوبية” انه “عندما قمت بقياس معدل التضخم في لبنان بالأمس، كان قد بلغ معدل 52.6 بالمئة شهريا، وكان ذلك اليوم الثلاثين على التوالي الذي تجاوز فيه معدل التضخم الشهري في لبنان الـ50 بالمائة. تبعا لذلك وفي نهار الأربعاء (الثاني والعشرون من تموز 2020) دخل لبنان بأسى كتب التاريخ لتسجيله الحالة الـ 62 من التضخم المفرط في العالم، والحالة الأولى والوحيدة في الشرق الاوسط. مشيرا انه يوجد اليوم حالتان مستمرّتان من التضخم المفرط في العالم وهما لبنان، حيث يعادل التضخّم السنوي الحالي الـ 462% وفنزويلا، حيث يحلّق التضخم المفرط على مستوى 2219% سنويا!

كيف وجد لبنان نفسه في مثل هذا الموقف المخزي؟

سرد هانكي السياسات المالية الخاطئة التي أوصلت لبنان الى هذا الوقف المخزي، قائلا انه “لسنوات، لعبت كل من الحكومة اللبنانية والمصرف المركزي والمودعون لعبة. أنفقت فيها الحكومة أكثر مما جنته من الضرائب ومولت عجزها من خلال دفع فوائد باهظة للمودعين على السندات التي أصدرتها، بينما قام البنك المركزي بصرف هذه الأموال للحفاظ على سعر الصرف على الـ1500 ليرة للدولار الواحد.

تويت

ولفت هانكي ان تثبيت سعر الصرف استُخدم كضمانة لمن يشترى ديون الدولة على أنها ستحافظ على قيمتها الشرائية بالدولار الأمريكي عند استحقاقها. قدمت المصارف التي كانت أيضا طرفا في اللّعبة فوائد مرتفعة نسبيا لمودعيها. وبشكل مذهل استمرّت اللّعبة مدة طويلة من الزمن واستمر استقدام أموال المدّخرين المحليين والمغتربين والمستثمرين الأجانب. وتابع “كانوا جميعًا راغبين بالعائدات المرتفعة غير آبهين بقوانين اللّعبة”.

انتهت اللعبة ومعها الثقة بسعر الصرف الرسمي

في النهاية، أصبح واضحا للجميع أن ديون الدولة المتراكمة، وبالأخص الديون الممنوحة بالعملة الصعبة، أصبحت أكبر مما يعقل تسديده بالكامل. كما أصبح من الواضح أن الحكومة لا يمكنها حتى سداد الجزء المقوم باللّيرة اللبنانية ما لم يتم تخفيض قيمة اللّيرة رسمياً. نتيجة لذلك في التاسع من آذار اضطرّت الحكومة للتخلّف عن سداد سندات المودعين بالعملات الأجنبية في ظل اضراب تام من المستثمرين والمودعين الجدد. وأثار هذا التخلف عن انخفاض حاد في اللّيرة في السوق السوداء وارتفاع حاد في التضخم، بحسب هانكي.
واكّد هانكي ان اللعبة انتهت ومعها الثقة بسعر الصرف الرسمي. كل هؤلاء الذين استفادوا من اللعبة لسنوات توجهوا هلعا نحو المخارج، وانهارت أمام أعينهم في السّوق السوداء. خسرت اللّيرة اللّبنانية منذ كانون الثاني قرابة 82% من قيمتها أمام الّدولار في السّوق السوداء. أما عن سعر الصرف الرسمي فيجدر باللّبنانيين نسيانه على حدّ قول هانكي. مدخراتهم أصبحت مجمدة في المصارف اللبنانية. لا تملك المصارف دولارا للتداول كما فرضت ضوابط على السحوبات لتجنّب الانهيار. الصورة لم تعد جميلة.

أصبح من الواضح أن الحكومة لا يمكنها حتى سداد الجزء المقوم باللّيرة اللبنانية ما لم يتم تخفيض قيمة اللّيرة رسمياً

ما الذي يمكن فعله لإنهاء أزمة العملة اللبنانية؟

رأى هانكي انه يجب على لبنان أن يفعل بالضبط كما فعل بنفسه في بلغاريا عام 1997، عندما شغر منصب رئيس المستشارين للرئيس بيتار ستويانوف. اذ بلغ التضخم في حينها الـ242ـ% شهريا، وعندها صمم نظاما لمجلس عملات (Currency Board) تمّ تقديمه في حينها من قبل الحكومة البلغارية لصندوق النقد الدّولي. وقد وافق صندوق النقد الدولي الاقتراح على الفور وتم إنشاءه في 1 تموز 1997. وتم القضاء حينها على التضخم وازداد الاستقرار يوما بعد يوم.
وأوضح هانكي ان مجلس نظام العملة “Currency Board” هو مؤسسة نقدية (أو مجموعة من القوانين التي تَحكم البنك المركزي) تصدر عملة محلية قابلة للصرف بسعر صرف ثابت تمامًا بعملة ثابتة أجنبية. فلذلك وبموجب مجلس العملات، لا يوجد ضوابط على حرية تحرّك الأموال. العملة المحلية التي يصدرها مجلس العملة تكون مدعومة بنسبة 100٪ باحتياطي العملة الصعبة. لذا مع وجود مجلس للعملة تصبح العملة المحلية ببساطة نسخة عن نظيرتها الأجنبية.

اقرأ أيضاً: ودائع صغار المودعين «تطير» و«الهيركات» يتكفل بالبقية!

الـ”Currency Board” خلاص لبنان

وختم هانكي بالقول انه على مرّ أكثر من 170 عاما، تمتّع نظام مجلس العملات (Currency Board) بسجل مثالي في اعادة الثقة بالعملات والحفاظ عليها. وقد طبّت هذه المنظومة أكثر من 70 مرة. واليوم أكبر وأبرز مجلس العملات مجود في هونغ كونغ.
ورأى هانكي انه قد يكون لبنان مكانا مثاليا لإنشاء مجلسا للعملات. مجلس عملات لبناني يمكنه أن يعيد الثقة والاستقرار على الفور. قد لا يكون الاستقرار أهمّ شيء، ولكن لا شيء يعود دون استقرار.

السابق
جنبلاط يُعلّق على زيارة لودريان.. وسرّ غريب بملف الكهرباء!
التالي
شروط لعودة اللبنانيين من سوريا .. اليكم بيان الأمن العام!