«حزب الله» يحثّ على «الحصائد» وهو يغني القصائد!

الزراعة

لم يأت حساب حقل “حزب الله” على حساب بيدر الجنوب والبقاع. وما لم يزرعه منذ زمن “مقاومته” لن يستلحق اليوم في الزمن التخلي عنها بمجرد دعوة اللبنانيين عموماً والجنوبيين خصوصاً، إلى أن “يخشوشنوا” ويعودوا الى الزراعة لمواجهة الفاجعة الإقتصادية والمالية الأخيرة التي ألمت بهم. وبالتالي ثمة سؤال كبير يوجهه المعدومين إلى الحزب عن جدوى التوقيت، إذ أن الجوع لا ينتظر حصاداً لم يزرع بعد حتى الساعة، وجلّ ما يفعله هو تلاوة دعوات لا تزرع ولا تسمن من جوع!

اقرأ أيضاً: «حزب الله».. «والي ولاية» الإيديولوجيا والمال في لبنان!

العودة إلى الزراعة

فالدعوات لضرورة العودة الى الزراعة والعمل على اعادة تنشيط الانتاج المحلي، في سياق الرد على الأزمة الاقتصادية والمالية والمعيشية التي تصيب لبنان، صدرت عن عدة شخصيات قيادية ومؤثرة في مسار الدولة اللبنانية، كان أمين عام “حزب الله” أوّل من دعا اليها، واخيراً تحدث رئيس التيار الوطني الحر مكرراً على طريقته نفس الدعوة الى نفس التوجه، واضاف اليها ما ينم على ان اللبنانيين كانوا في ترف العيش ويجب ان يعودوا الى اعتماد نظام غذائي قوامه الخضار وليس الكافيار على سبيل المثال لا الحصر.

‏زمن الانتصار الذي روّج له “حزب الله” بعد التحرير عام 2000 وبعد حرب 2006 كان الوسيلة لتحويل المجتمع الى مجرد كتل بشرية، ورجال الدين الى عناصر حزبية

 ‏تذكر هذه الدعوات بالمرحلة التي تلت ايام التحرير في العام 2000 في حينه، اعدت خطط تنموية لاعادة تأهيل المناطق المحتلة، وابدت جهات دولية اهتماماً باعادة الاعمار، وتمويل وتنفيذ مشاريع تنموية، وقد قام بنك التنمية الكويتي بتقديم هبة وقرض ميسّر لاستكمال مشروع الليطاني، وابدى الكثير من رجال الاعمال استعدادهم لتنفيذ مشاريع تنموية في هذه المناطق والجنوب عموماً في سبيل تعويضه ما دفعه من خسائر بسبب الاحتلال.

 ‏كل هذه الخطوات والاستعدادات لم تلق حماسة ولا تبنّياً من قبل القوى الفاعلة في هذه المنطقة ولا سيما “حزب الله”، الذي تعامل مع كل هذه المشاريع باعتبارها تقويض لمسيرة التحرير وضرباً لروح المقاومة.

خاصرة رخوة

 ‏منذ العام 2000 درجت نظرية استند اليها “حزب الله”ووفياً لتطبيقها، في أنّ ايّ تنمية و ازدهار في مناطق الجنوب سيجعل لبنان عرضة لابتزاز اسرائيلي، بحيث ان حصول تنمية حقيقية وقيام مشاريع استثمارية زراعية وصناعية سوف يؤدي الى تحول هذه المنطقة الى خاصرة رخوة تتيح لاسرائيل التهديد بضربها، لذا لم يخرج الحزب يوما ليطالب الدولة فعليا بالقيام بواجباتها على هذا الصعيد، ولم يحُثّ ايّ من المتمولين الشيعة الى الانخراط في مشاريع استثمارية ولم يحفز اي مستثمر على الاستثمار جنوباً، همّ تحصيل التبرعات والإتاوات المقنّعة باسم دعم العمل الجهادي والمقاومة، هو الهاجس لتصيّد اي مغترب او متموّل. وتعامل مع هذه المنطقة الجنوبية باعتبارها منطلق لحرب عسكرية مقبلة مع اسرائيل. لا لاستثمارات انتاجية اسوة بمناطق الجليل في فلسطين المحتلة.

 ‏لقد تمّ التعامل مع هذه المناطق وحتى البقاع، باعتبارها مخزناً لمقاتلين غبّ الطلب في لبنان وسوريا لاحقا وغيرهما، بحيث ان “حزب الله” حرص على ان يثبت واقع انه هو فرصة العمل المتاحة والممكنة، بل ربّ العمل الاكبر، وهذا ما ادى الى ان تشهد تلك المناطق بعد العام 2000 وصولا الى السنوات الاخيرة، انكفاء العديد من المزارعين عن الزراعة، واغلقت العديد من المؤسسات الحرفية، وتراجع اليدّ العاملة اللبنانية لتتقدم اليد العاملة الاجنبية والسورية على وجه التحديد، وبرزت ظاهرة بطالة مقنعة تحت مسمى “التفرغ بالحزب”.

 ‏وتفاقمت هذه الظاهرة بعد حرب العام 2006 حيث عمد حزب الله الى استيعاب عشرات الاف الشباب في الجنوب والبقاع والضاحية كجنود للقتال او القمع وللمشاركة غبّ الطلب في التظاهرات التي نشطت في تلك المرحلة.

حصر مفهوم المقاومة بالسلاح

 لم تكن التنمية او تنشيط الانتاج وتحقيق الازدهار الاقتصادي، يشكل مجالا لاهتمام “حزب الله”، بحيث ان استراتيجية الحزب  تقوم على ربط نظام المصالح في الجنوب والبقاع به مباشرة، ولايران ويجب ان يبقى هو رب العمل لعمل واحد سماه المقاومة، ولكن في جوهره كان عمل يعكس مشروع العطالة والبطالة المقنعة والاستجابة لأمر الرابط الممثل لولي الفقيه وواجب الطاعة في هذه القرية او تلك البلدة.

‏منذ العام 2000 درجت نظرية استند اليها “حزب الله”ووفياً لتطبيقها، في أنّ ايّ تنمية وازدهار في مناطق الجنوب سوف يؤدي الى تحول هذه المنطقة الى خاصرة رخوة تتيح لاسرائيل التهديد بضربها

 ‏لطالما حرص “حزب الله” على حصر مفهوم المقاومة في السلاح الذي يقع تحت امرته حصراً، واستهزأ بكل معنى للمقاومة يرتبط بالتنمية الوطنية، او بالاستثمارات الانتاجية، او بالتعددية السياسية والديمقراطية، او بتعزيز مشروع الدولة والعدالة فيها، بل حرص على تحويل المجتمع الى مجتمع خاضع له، فاقد لأي حيوية داخلية خارج الولاء والطاعة له، والدولة التي كان شريكا مقررا فيها الى مشروع خاسر وانتماء الضرورة، لذا يمكن القول بثقة عالية ان مرحلة ما بعد العام 2000 الى اليوم تشكل اكثر حقبة فيها من الفقر الثقافي والسياسي والفكري والاجتماعي في تاريخ الشيعة الحديث في لبنان، حقبة تمّ الغاء وقمع كل مساحات التنوع والاختلاف على هذا الصعيد.

اقرأ أيضاً: «حزب الله» يهرب من أزمات الداخل بقرع طبول حروب الخارج!

 ‏زمن الانتصار الذي روّج له “حزب الله” بعد التحرير عام 2000 وبعد حرب 2006 كان الوسيلة لتحويل المجتمع الى مجرد كتل بشرية، ورجال الدين الى عناصر حزبية، والثقافة الى مجال لتبجيل السلطان، والافكار الى رجس من عمل الشيطان، والابداع الى بدع وكل بدعة ضلال.

 ‏الخواء والفقر الاجتماعي والسياسي والثقافي والتنموي والفقر الوطني والدولتي، كان مقدمة لنتيجة حتمية تُعاش اليوم، ربما وعي نصرالله الى ان المقاومة ليست صواريخ دقيقة ولا جيش من الشهداء ولا مقاتلين غب الطلب اينما كان ولا جماهير تفدي حذاء الزعيم.. من بزرع الرياح لا يحصد إلا العاصفة!

السابق
مؤتمر بعبدا أمام تحدي غياب الميثاقية السنية
التالي
بعد مرور سنوات.. اعتقال خاطف راهبات معلولا: أبو مالك التلي بقبضة الجولاني!