الأسير اللبناني المحرر أحمد اسماعيل: أم جبر هي فلسطين

احمد اسماعيل

كم خاطرا جبرته في لحظات الانكسار وأملا صنعته لمن أوشك يأسا على الضياع.. دقات قلبها وزعتها على الوطن وعشاقه، وبرسائلها الانسانية والوطنية عبرت حدود فلسطين لتستقر في قلوب أحبتها.. من منزلها في غزة الى معتقلات الاحتلال الاسرائيلي، مرورا بمعابره الشاقة.. أمومة فاضت واتسعت لأسرى شاءت أم جبر ان يكونوا ايضا أولادها.. عاطفة لا يدركها إلا قلب امرأة تشبهها في انسانيتها ونضالها من أجل وطنها.. أم جبر.. الهامة الفلسطينية التي لها باعها الطويل في بلسمة جراح الوطن والمظلومين على أرضه.. فمن ذا الذي يجرؤ على خدشها؟

صور أم جبر التي كشفت بعد نشرها تعرضها للاعتداء والضرب بسبب دفاعها عن بيتها الذي ارادت حماس هدم جزء منه أمس الأول كان لها وقعها على الضمائر الانسانية وكل محبيها داخل فلسطين وخارجها.

“أم جبر هي فلسطين”.. بهذه الكلمات يبدأ أحد اولادها الأسير اللبناني المحرر أحمد اسماعيل كلامه، مستنكرا بشدة ما شاهده من همجية تعرضت لها الوالدة الفلسطينية التي تبنته طيلة السنوات العشر التي قضاها في سجون الاحتلال.

إقرأ أيضاً: «الرفاق» الصينيون ينسِّقون مع «الشيطان»

ويضيف: سميتها فلسطين لأنها حملت قضية الشعب الفلسطيني والأسرى في سجون الاحتلال بمن فيهم التابعون لحركة حماس، كانت تعاني كثيرا معنا وبقلبها الواسع تلاحقنا من سجن الى آخر.. ليس هكذا تكافأ.. فالاحتلال لم يستطع فعل ذلك بأم جبر وقد فعلها أحد باسم المقاومة الفلسطينية.

يروي أحمد بداية قصته مع أم جبر التي بدأت بعد اعتقاله بأربعة شهور عام 1988 إثر عملية الطيبة دير سريان التي نفذتها المقاومة الوطنية اللبنانية ضد الاحتلال الاسرائيلي فيقول: زارتني في السجن للمرة الأولى وهي لا تعرفني مسبقا ولا أنا اعرفها.. وإذ عرفتني عن نفسها بأم الأسرى والمهتمة بشؤونهم، اخبرتني أنني سأكون مسجلا على اسمها بمثابة ابن لها لدى سلطات الاحتلال كي يتسنى لها زيارتي بانتظام، أذكر حينها انني شعرت بطمأنينة ان يكون لديّ أهل في فلسطين وأنا الذي لم أكن أعلم كم ستطول مدة اعتقالي.

وحقا كانت وما زالت أم جبر الأم التي تبنتني كما غيري وكانت تزورني كل 15 يوما وتؤمن لي كل ما احتاجه ومسموح ادخاله الى السجن، حتى انها كانت تترك لي مبلغا من المال في الأمانات لعلني احتجت شيئا في غيابها، ولا أنسى انها كانت تغلب زيارتي على زيارة ابنها جبر الذي كان معتقلا ايضا مبررة بالقول دائما: جبر زوجته تزوره وتطمئن عليه أما انتم فلا قريب لديكم هنا يهتم لحاجاتكم.

ويتابع أحمد بشغف حديثه عن أم جبر: كانت تأتي أحيانا لزيارة أولادها في السجون فتجد ان الاحتلال يعاقب المعتقلين بمنع الزيارة أو يدعي نقل الأسرى الذين ترعاهم الى سجن آخر، فتصر على المشاهدة وتعتصم بمفردها أمام بوابة السجن ولا تغادر حتى تنتزع من السجان مقابلتهم .. كانت تتابع قضايانا حتى من الخارج، فتتواصل مع الصليب الأحمر الدولي ونادي الأسير وكل الجهات التي تعنى بقضية الأسرى، لهذا قلت من البداية ان أم جبر هي فلسطين.

“أنا من هنا من عسقلان وهجرنا الى غزة اثر نكبة 1948”.. هي الكلمات التي كانت ترددها دائما لدى زيارتها لنا في سجن عسقلان.

كان الرئيس الراحل الشهيد ياسر عرفات يعرفها كما يعرف فلسطين بداخلها، اخبرتني يوما انها قالت له انها متبنية للبنانيين في سجون الاحتلال فأسعده ذلك كثيرا وصار يتابعنا ويرسل لنا رسائل الدعم عبرها .. ياسر عرفات كرم أم جبر مرارا لحملها قضايا الأسرى ولم يتوان عن أخذ قرار باعتبارنا أسرى فلسطينيين.

تعود الى مخيلة أحمد صور الاعتداء على أم الأسرى في غزة فيقول: لم أصدق عيناي.. فهذه أم جبر، جبل المحامل والأم الحنونة والمناضلة.. استطيع القول اليوم ان جرحها الذي يعود الى عام 1948 قد اعادت حركة حماس فتحه، واستطيع القول ايضا ان غزة التي قاومت الاحتلال 50 عاما لم تسلم بعده من القمع الحمساوي الذي لا يقل بشاعة.

ويتابع: أسيران فلسطينيان عاشا معا 10 سنوات في سجن واحد وعلى وجع واحد، بعد اطلاق سراحهما الى غزة، أوقف احدهما (المنتمي الى حركة حماس ويخدم في أمنها) الآخر وقال له: اعطني هويتك.. فبعد كل ما نراه ونسمعه بحسب احمد نتفهم اكثر ان حماس تمارس نهجا احتلاليا قمعيا على غزة وأهلها.

ومختتما برسالة الى أم جبر واصدقائه واخوته هناك بالقول: من قاوم المحتل ليعيش بكرامة لا يمكن ان يستسلم لحكم إمارة ، وأم جبر لمن يتناسى فنذكره انها كانت وتبقى أم الكل “التي لا تستحق أقل من الوفاء والتقدير..أم جبر هي فلسطين”.

السابق
«الرفاق» الصينيون ينسِّقون مع «الشيطان»
التالي
الربيع يودع لبنان بأمطار «خجولة»..طقس متقلب حتى المساء!