«قيصر» ينتصر لقصير.. ولبنان يسأل بأي ذنب يُقتل؟!

سمير قصير

في بداية هذا الشهر بدأ سريان مفعول  قانون “قيصر” الذي أصدره الكونغرس الأميركي في العام 2016 ووقعه الرئيس  دونالد ترامب في العام 2019 على أن تبدأ المرحلة الأولى منه في 17 حزيران الجاري لمعاقبة الأطراف التي دعمت وتدعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد عسكريا وإقتصاديا وذلك بفرض العقوبات عليها سواء كانت دولا أو كيانات أو أفراداً. وللتذكير فإن هذا القانون سمي قانون قيصر نسبة لإسم مستعار لمصور عسكري سوري منشق عن الشرطة العسكرية لنظام بشار الأسد، خرج من سوريا مع وثائق وصور تثبت تعذيب وتصفية حوالي 11 ألف معتقل في السجون والمعتقلات السورية.

اقرأ أيضاً: «قيصر» يحاصر الأسد.. إفلاتٌ محدود الأفق وسيطرة روسية كاملة!

وللمفارقة تتزامن بداية تطبيق هذا القانون مع إحياء لبنان الذي لطالما تأثر سلباً بالأحداث والتطورات في سوريا بسبب طبيعة النظام السوري العدوانية تجاهه ، للذكرى الخامسة عشرة لإغتيال الكاتب والمفكر اللبناني – الفلسطيني سمير قصير – لاحظ المفارقة أيضاً بين قصير وقيصر – الذي يعتبر بحق أول شهيد للثورة السورية التي إندلعت بعد إغتياله بأقل من 6 سنوات وهو القائل بأن ربيع العرب عندما يزهر في بيروت إنما يعلن أوان الورد في دمشق.

التأثير على لبنان

من هنا نقول بأنه لا داعي لشرح وتقديم الدلائل عن مدى تأثر لبنان هذه المرة أيضا بهذا القانون خاصة مع وجود فريق لبناني مسلح هو حزب الله يقاتل في سوريا مع ما يستدعيه هذا القتال من علاقات لوجستية وإقتصادية ومالية بين هذا الفريق الذي له اليد الطولى في تركيبة السلطة اللبنانية وبين النظام السوري المستهدف – نظرياً – على الأقل بالقانون  موضوع الحديث ، الأمر الذي يجعل التخوف من التداعيات على الوضع في لبنان أمرا طبيعيا ومنطقيا ومشروعا خاصة وأن النظام السوري الذي هو جزء لا يتجزأ من محور الممانعة في المنطقة الذي يضمه إلى جانب إيران وحلفاءها  وعلى رأسهم حزب الله أضعف من أن يُستهدف أو يواجه هكذا قانون بمفرده فيكون بالتالي المستهدف الحقيقي هو هذا المحور بمجمله وخاصة الأطراف ذات الحضور العسكري المباشر على الأرض السورية – وطبعا ليس المقصود هنا القوات الروسية أو التركية – بل وبالأخص الطرف الإيراني وأذرعته العسكرية من لبنانية وعراقية وغيرها بشكل يذكرنا بالقرار 1559 الخاص بلبنان الذي صدر عن مجلس الأمن الدولي في شهر أيلول من العام 2004 وقضى بخروج القوات الأجنبية من لبنان وحصرية حمل السلاح بالجيش اللبناني وإنتخاب رئيس جديد للبلاد بعيدا عن الضغوطات، وما جرى على لبنان صدور هذا القرار من تداعيات خطيرة ما زلنا نعيشها ونعاني من تبعاتها حتى اليوم جراء أخذ لبنان رهينة لهذا المحور منذ حوالي 30 عاما بدأت بالوصاية السورية وإستمرت بوصاية إيرانية مقنعة، هذا المحور بجناحيه السوري بداية ومن ثم الإيراني اليوم الذي عادة لا يواجه بالمباشر بل غالبا ما كان ولا يزال يواجه بالواسطة عبر أفرقاء لبنانيين وفلسطينيين وعراقيين، واجه يومها القرار 1559 في لبنان عبر التحدي بالتمديد للرئيس إميل لحود وهو التمديد الذي كان مرفوضا من شريحة كبيرة من اللبنانيين وأصدقاءهم في العالم، فكانت المواجهة التي بدأت بمحاولة إغتيال مروان حمادة ومن ثم إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري بعد أن أتهم بأنه من سعى لإقرار القرار 1559 وكان ما كان من أحداث وتطورات أودت بنا إلى ما نحن عليه اليوم من إنهيار إقتصادي ومالي وإفلاس وطني وفشل سياسي ودبلوماسي بحيث يبدو لبنان وكأنه بلد بات يعيش على هامش الأحداث الإقليمية والدولية ومن الذين يدفعون ثمن حروبها أو تسوياتها بعد أن بات بلدا ملحقا منزوع السيادة ومشلول الإرادة وهو ما يدفع للقول ما أشبه اليوم بالبارحة ويدفع للتوجس مما يحمله قادم الأيام إذا ما أضيف لقانون قيصر وتداعياته القرار الإتهامي المتوقع صدوره عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان قريبا أيضا، خاصة وأن شيطنة التحركات في الشارع التي إستعادت البعض من حيويتها قد بدأت وهو ما بدا واضحا من الإتهامات والتهديدات بحق مسيرة 6/6 المنتظرة، بذريعة أنها تستحضر وتدعو لتطبيق القرار 1559 وهو الأمر الذي يتماهى حسب زعمهم مع مقتضيات تطبيق قانون قيصر لما للأمرين من ترابط بحكم ترابط الساحات، وكذلك من الممارسات الأمنية القاسية ضد الناشطين بحجة التطاول على المقامات والقامات الوطنية والتهجم على بيوت السياسيين، والدعوات وكان أغربها بالأمس للنائب جميل السيد وهو من هو في حقبة القرار 1559 الذي دعا للتعامل مع المتظاهرين بإطلاق الرصاص عليهم من “الشباك” وعلى مسؤوليته بدعوى أن القانون يمنع التعرض للبيوت.

المفارقة أيضاً بين قصير وقيصر – الذي يعتبر بحق أول شهيد للثورة السورية وهو القائل بأن ربيع العرب عندما يزهر في بيروت إنما يعلن أوان الورد في دمشق.

كل هذه التطورات معطوفة على الوضع السياسي المحتقن داخليا جراء تخبط الحكومة وضعفها نتيجة غياب مكون سياسي وطائفي أساسي ومهم عنها وكذلك عجزها عن ممارسة دورها بسبب الخلافات بين مكوناتها وهو ما تجلى في طريقة معالجة قضية معمل سلعاتا والإرجاء المتكرر للتعيينات الإدارية، كل هذا ينبئ بأننا قد نشهد صيفا ساخنا على كل المستويات وهو طبعا ما سيترك آثاره على المحادثات مع صندوق النقد الدولي التي بدأت أصلا بأرقام متضاربة ما بين الحكومة ومصرف لبنان وهي بداية بالقطع غير مشجعة.

اقرأ أيضاً: محمود درويش حين رثى سمير قصير

هل بقي للبنان ما يدفعه؟

في هذه الأجواء وإذا كان من شبه المؤكد بأن لبنان كالعادة سيدفع ثمن القرارات والقوانين والإتفاقيات في المنطقة، لكن السؤال المطروح هل بقي للبنان ما يدفعه بعد أن دفع الأثمان غالية من أمنه وحريته وإقتصاده وسيادته وإستقلاله؟ إذ لم يبق من لبنان إلا نظامه السياسي المتمثل بإتفاق الطائف الذي على علاته كفيل بحماية لبنان ووحدته إذا ما تم إحترام بنوده والعمل على حُسن تنفيذها بعيدا عن الدعوات المتطرفة والمشبوهة في أهدافها وتوقيتها تارة بالدعوة لنسف النظام من أساسه، وأخرى بالحديث عن المثالثة، وثالثة بطرح حديث الفيدرالية التي أطلت برأسها من جديد، وكلها مشاريع فتنة سواء عن قصد أو عن غير قصد ما يطرح شكوكا حول الخلفيات، أولاً لأن هذا ليس أوان طرحها وثانيا لأن الكيفية التي طرحت بها غير كفيلة بوصولها إلى مبتغاها فهل المقصود هو تهيئة الأرضية والنفوس لما هو قادم؟ بينما المطلوب أولا لملمة الصفوف والإلتزام بالطائف نصا وروحا ولا يمنع هذا أن يكون هناك بعدها حوار جدي من ضمن المؤسسات بروية وهدوء بعيدا عن الإستفزاز والتلطي وراء فائض القوة لفرض الرأي لأن الحديث بهكذا مشاريع في ظل الوضع المعيشي والإقتصادي والإجتماعي الصعب الذي يعيشه البلد والشعب، وفي ظل إعادة رسم الخرائط في المنطقة الذي يتطلب أقصى درجات التضامن والتماسك، هو كالخلاف على جنس الملائكة بينما البلد على شفير الهاوية، عندها يصح فينا المثل القائل “يطعمكم الحجة والناس راجعة”، فهل يعود الوعي للبعض المغامر ويعود قبل فوات الأوان إلى حضن الوطن لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وللبعض الآخر في الداخل ليتحرر من نزقه وشوفينيته، أم أن الثمن هذه المرة سيكون لبنان نفسه الذي عرفناه بنظامه ووحدته بحيث نشهد موته في ذكرى مئويته؟            

السابق
قيادات لبنانية وعربية تنعي ابراهيم.. وهذه تفاصيل مراسم التشييع
التالي
كان السينمائي يمنح إشارته إلى فيلم لبناني.. بعد إصدار القائمة الكاملة