التحالف المدني البيئي عن خطة الحكومة الاصلاحية: مشكلة النفايات ليست تقنية إنما سياسية

النفايات

صدر عن التحالف المدني البيئي البيان التالي حول خطة الحكومة الاصلاحية وقرار مجلس الوزراء رقم ١٠ في ما يتعلق بإدارة النفايات الصلبة:

تنص الركيزة التاسعة للخطة الإصلاحية للحكومة، على “إصلاح بيئي واستراتيجية وطنية للتنمية المستدامة للحفاظ على الهوية البيئية للبلاد واستخدامها بشكل مستدام كمحرك اجتماعي اقتصادي”.

وفي الصفحتين 59 و60 تطرق النص إلى النفايات الصلبة بما حرفيته:

  • ستناط مسؤولية إدارة النفايات الصلبة بالبلديات على المستوى اللامركزي. ولهذه الغاية،
  • سيسن البرلمان قانوناً إطارياً يحدد آلية تطوير استراتيجيات وخطط متعلقة بالنفايات الصلبة.
  • إن القانون المقترح:
  1. يحدد إدارة متكاملة للنفايات الصلبة مع الأخذ في الاعتبار التطورات العلمية في هذا المجال
  2. يتبنى مبدأ “تحويل النفايات إلى طاقة”
  3. يحدد دور البلديات في إطار اللامركزية الإدارية لإدارة النفايات.

كذلك تتطرق الخطة الإصلاحية إلى أنه سيتم تطبيق مبدأ تفويض السلطة في إدارة النفايات الصلبة وفقاً لأحكام القانون رقم 80/2018 الذي يرعى قطاع النفايات الصلبة – بما في ذلك النفايات الخطرة. وسيتم تحقيق أربعة أهداف متكاملة: (1) البيئة: ترشيد توليد النفايات؛ دفع عجلة الانتعاش الاقتصادي والمسؤول؛ ضمان التخلص الآمن والمستدام من النفايات (من خلال وقف إلقاء النفايات والحرق في الهواء الطلق؛ تقليص طمر النفايات إلى أدنى حد ممكن)؛ (2) الإدارية: اعتماد النظام الأساسي للوكالة الوطنية للنفايات الصلبة؛ (3) المالية: وضع نظام تدريجي ومناسب لاسترداد التكاليف؛ (4) اقتصادية: تعزيز مشاركة واستثمار القطاع الخاص.

وكأن الحكومة لا تعرف أن القانون 80/2018 صدر قبل إقرار الاستراتيجيات التي تنص عليها الخطة، بل صار نقاش أول حول مسودة استراتيجية لا ترقى إلىالمستوى الذي يترجم التوجهات الإصلاحية التي تشير إليها الورقة.

والحكومة كانت قد أطلقت مناقصة مشروع لحماية بحيرة القرعون من التلوث ممول من البنك الدولي، بغية إجراء دراسة تقييم بيئي استراتيجي بناءً لاستراتيجية نوقشت في اجتماعين ولم تُقرّ وهي كانت موضع إعتراض كبير من ممثلي المجتمع المدني الذين شاركوا يومها وقدموا الكثير من الملاحظات عليها. وهذه الملاحظات تزداد يوماً بعد يوم، عندما نرى أن المراوحة وعدم المسك بزمام الأمور يتجه في المنحى السليم.

حتى أن الحكومة لم تراجع تعليقات البنك الدولي على مشاريع إدارة النفايات التي قدّمتها الحكومة اللبنانيّة في مؤتمر سيدر، وكانت تلك التعليقات معارِضة لاستخدام ثلاثة محارق. وأوصت بأن تبدأ الحكومة بواحدة فقط، في حين أننا لا نرى أي جدوى إقتصادية أو بيئية من هكذا حلول، فالمحارق والوقود البديل يشكلان وجهان لعملة واحدة.

علماً أن البلدان الناميةالمشابهة للبنان من حيث مستوى الدخل وتكوين النفايات، لا تعتمد المحارق للتخلص من نفاياتها. كما ويشير تقرير البنك الدولي رداً على برنامج الحكومة للاستثمار المقترح للنفايات الصلبة في مؤتمر سيدر إلى أنه لم يتم إجراء دراسة السوق للمشاريع المخطط لها على مدى 25 عاماً وأن لبنان يقيد نفسه في حرق النفايات،دون معالجتها، مع تركيز محدود على إعادة تدويرها والتخفيف من إنتاجها.

إقرأ أيضاً: أزمة النفايات تابع.. وزني يوقّع مشاريع المراسيم المتعلقة بالجمع والكنس!

إن اعتماد الحرق في البلدان ذات الدخل المرتفع كان خياراً أساسيّاً في نظام إدارة النفايات لتخفيف الكمية التي يجب التخلص منها، بحسب تركيبة نفاياتهم. ومع ذلك، يبقى الحرق في أسفل التسلسل الهرمي لإدارة النفايات، في حين يتوجه العالم إلى التحول من حرق النفايات إلى إعادة تدويرها بعد تخفيف إنتاجها عبر اعتماد الاقتصاد الدائري. أما في لبنان، فسيجعل البرنامج المقترح، لبنان أسيراً لحرق النفايات لعقود. ويؤكد تقرير البنك الدولي أن هناك نقصاً في الدراسات والتقييمات الخاصة بتبني المحارق في لبنان، ونحن نعلم أن اختيار المحارق، التي نعارضها، لم يتم استناداً إلى تقييم استراتيجي بيئياً واجتماعياً واقتصادياً، بل لمنافع مالية.
صدر أيضاً قرار مجلس الوزراء رقم 10 تاريخ 5/5/2020 الذي تضمن بعض الإجراءات الآنية وأخرى على المدى الطويل بالنسبة للإجراءات الطارئة التي تضمنت توسعة مطمر الجديدة عمودياًبعلو 1.5 متر وتحويل 200 طن من النفايات التي تُجمَع في قضاء كسروان إلى معمل المعالجة في غوسطا، دون التدقيق في وسائل المعالجة المعتمدة وسلامتها البيئية، وسداد 25% من الحوافز المستحقة للبلديات واتحادات التي تستضيف المطامر على أرضها بالإضافة إلى تحديد موقع مطمر يخدم منطقة الشوف وعاليه والجزء الأعلى من قضاء بعبدا بهدف تأمين التوازن بين مطمري الكوستابرافا والجديدة خلال 60 يوماً.

أما بالنسبة للإجراءات على المدى الطويل فتضمنت إعطاء الأولوية للبلديات واتحاداتها في إدارة ملف النفايات، انطلاقاً من مبدأ اللامركزية الإدارية واستكمال خارطة الطريق 2020-2025 للإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة وإشراك هيئات المجتمع المدني والمواطنين كافة في عمليات الفرز وإعادة التدوير والتسبيخ والتأكيد على البلديات كافة واتحاداتها وجوب التقيد بمبادئ السلم الهرمي لتوزيع معالجة النفايات.
يود التحالف المدني البيئي بكل مكوناته وخاصة إئتلاف إدارة النفايات بتخصصيته، الإضاءة على أن الحكومة لا زالت تعتمد الخطط الطارئة التي ما برحت تُعتمد،منذ العام 1997،بشكل مؤقت وبأكلاف عالية، وهم لايزالوا يطمرون النفايات بنسبة 90% دون معالجة وبعيداً عن كل ما حصل من تطور علمي في هذا المجال، كما ذكروه في خطتهم.

وهكذا قررت الحكومة توسعة مطمر جديدة البحري دون وجود أية دراسة تقييم أثر بيئي أو تقييم أثره، بعد إنشائه،وهذا لم يحصل في أي من المطامر البحرية الأخرى التي تنبعث منها الروائح ويعاني منها سكان الجوار إضافة إلى تلوث البحر بسببها.

لذلك، يُطالب التحالف، قبل كل شيء، بتقييمالخطط الطارئة التي نُفذت، قبل المضي بخطط جديدة مشابهة، ومساءلة ومحاسبة القيمين على هذا الملف في كل من القطاعين العام والخاص.

أما بالنسبة لتطبيق اللامركزية الإدارية، فتجدر الإشارة إلى أننجاح تطبيق اللامركزية بشكلها السليم يتطلب وجود دولة مركزية قوية تعرف ماذا تريد، وبيدها استراتيجية مركزية واضحة ومدروسة مبنية على مبادئ الاقتصاد الدائري. ففي بلد صغير مثل لبنان يبلغ عدد البلديات رقماً قياسياً بالمقارنة مع البلدان الأخرى (1108 بلديات في لبنان لخدمة خمسة ملايين نسمة في حين تقوم بالمهمة ذاتها مئة بلدية في الأردن لخدمة 9.7 مليون نسمة). وهذا الواقع غير سليم، بل يستنزف الموارد ويهدر المال فقط لتحقيق محاصصات سياسية.

إن الشراكة مع القطاع الخاص، يتطلب اعتماد تدابير حكومية تساعد البلديات على تطبيق قانون هذا النوع من الشراكة بين القطاعين العام والخاص بعد بروز عوائق عدة في التجارب السابقة، بسبب الشروط والقيود والقدرات المحدودة للبلديات بسبب عدم حصولها على أموالها المستحقة لدى الصندوق البلدي المستقل وتراكم الديون عليها للتسديد للشركة المعتمدة مركزياً واقتطاع نسبة تصل إلى 40% من عائدات بلديات بيروت وجبل لبنان، لإدارة نفاياتها الصلبة، وهي ليست إدارة بل جمع وطمر.

لكي تدير البلديات ملف إدارة النفايات كما يجب، هناك العديد من المقومات التي يجب أن تتوفر لها:

  •   تحديد حجم الوحدة اللامركزية لتأمين جدوى اقتصادية للمشاريع والحاجة للمساحات والأراضي لإدارة النفايات.
  • تأمين التمويل اللازم وتطبيق اللامركزية على المستوى المالي، وهذا يحصل عبر تحرير البلديات التي أرهقهتها ديون ملف النفايات، وإعطاء البلديات كل مستحقاتها.
  • توفير دعم سياسي قوي ومستدام، مرتكز على الاستراتيجية المركزية، ورفض كل استنساب أوحلول جزئية.
  • تأمين محفزات اقتصادية للبلديات التي تتعاون بين بعضها لإدارة النفايات.
  • تطبيق مبدأ التشاركية وتوضيح آليات تطبيقها.بما فيها تحديد الوسائل المسموحة بيئياً للمعالجة وإلغاء فكرة الحرق بكل أشكاله ولو إندرج في بعض الأحيان تحت مسمى الوقود البديل، كما يبدو واضحاً في معمل غوسطا.
  • التشدد في تطبيق القوانين والمحاسبة والمساءلة، وعدم السماح بالاستهتار بحياة الناس وبيئتهم في غياب المبادئ.

إن المواطن اللبناني، وخاصة في بيروت وجبل لبنان، يدفع حالياً أعلى كلفة مالية وبيئية في ملف يتحول من إدارة النفايات ومعالجتها إلى التخلص منها دون معالجة، وهو يحصل على أسوأ خدمة ممكنة في هذا المجال.

فبعد انتهاء العقد المركزي مع شركة سوكلين تم تلزيم عقد جديد بالطريقة ذاتها بحيث كان من المفترض كسر الاحتكار في إدارة هذا الملف في هذه المناطق وما يترتب عليها من دفع أكلاف عالية لخدمات غير متوفرة. وهكذا أصبح لدينا الآن ستة عقود جديدة للعمليات وستة للإشراف على الأعمال، دون ان تجري، للأسف، أية عمليات تقييم وإعادة الهيكلة، بل لم يتغير الأداء والنهج في ما كان يجب أن يكون: “إدارة النفايات”. من هنا يجب التنبه إلى عملية إشراك القطاع الخاص في إدارة النفايات تحت ضوابط حازمة، لجهة التسعير بالعملة الوطنية والابتعاد عن الأعمال التي تدمر مفاعيل الشراكة المنضبطة والتي تتلاقى مع التشدد في وضع معايير لكل المراحل والمهمات، وتطبيقها، كما الشروط الفنية التي يجب أن تحكم الملف، كل ذلك بعد دراسة الظروف والشروط التي تحكم مشاركة القطاع الخاص وتحديد نوع وشكل الشراكة التي تؤدي إلى تحسين الوضع. فهناك توازن واجب يجب توفيره لضمان حسن تطبيق الشراكة وتكافؤ الفرص في الحقوق والواجبات بين الجميع وتوفير منافسة شفافة لتحقيق النجاح وحماية البيئة.

كما يشدد التحالف على ضرورة مشاركة العامة في اتخاذ القرار عبر مشاركتهم بالتشاور خلال إعداد دراسات تقييم الأثر البيئي والإجتماعي لمختلف المشاريع المرتبطة بإدارة النفايات، وكذلك في المراقبة، وتقييم جودة الخدمة، وأيضاً في التحضير لمشاركة مؤسسات القطاع الخاص في خدمات إدارة النفايات الصلبة.

كما يدعو التحالف إلى :

·         وضع إطار قانوني يسمح بإشراك القطاع غير الرسمي في جمع النفايات وغالباً ما يكون أقل كلفة من غيره من الخيارات. ومن المؤكد ان هذا النوع من العمل يؤدي إلى خدمة اجتماعية عبر توفير فرص عمل وكسب العيش للكثير من الأشخاص. كما ويساعد هذا القطاع غير الرسمي على استرداد كميات كبيرة من النفايات.

·         تنظيم حكيم لإدارة الهبات الممنوحة لهذا القطاع والاستفادة منها بأفضل السبل وصرفها بكفاءة وحسب الحاجة.

·         استخدام الأدوات الاقتصادية والمالية الرادعة، للتخفيف من إنتاج النفايات واسترداد أكبر نسبة ممكنة منها وتطبيق مبدأ مسؤولية المنتج والمستورد الممتدة (التسلسل) وخفض نسبة النفايات التي تذهب إلى الطمر.

·         تحديد كلفة إدارة النفايات، استناداً إلى معطيات وأرقام حقيقية، وتأمين مصادر التمويل على أن تأخذ الأدوات المعتمدة بالاعتبار قدرة الناس على تحمل الإنفاق (Affordability)، استرداد الكلفة واستعداد الناس للدفع.

·         عند احتساب الكلفة يجب إحتساب كلفة الاستثمار والتشغيل وأكلاف الآثار البيئية الخارجية (Externalities).

بحسب كل ما ذكرناه، يمكن الاستخلاص أن الحكومة الحالية لا زالت تنتهج النهج الذي اعتمدته سابقاتها، وتغرق في الوحول ذاتها، بلا رؤية أو استراتيجية واضحة. كما يبدو  أنها لم تطلع على الملف بالشكل المناسب لتحدد فعلاً كيفية التعاطي مع هذا الملف وإدارة القطاع بما يتفق مع واقع البلد ونوعية نفاياته وقدراته المالية والتقنية والإدارية وغيرها، مع الحفاظ الكامل على الحقوق البيئية للمواطنين.

يدعو التحالف إلى مراجعة خارطة الطريق العشوائية لإدارة النفايات والانتقال إلى الحلول المستدامة بعيداً عن المصالح السياسية والطائفية والانتخابية. وهو بذلك يشدد على إلتزام المعايير العلمية المتقدمة في هذا المجال بدءاً بتصحيح الأرقام وتقييم المرحلة السابقة وتثقيف المجتمع والإنطلاق في ورشة مسؤولة تعيد للبنان بيئة نظيفة وحركة إقتصاد دائري نموذجي يساعد في رفد الواقع الإقتصادي المتردي في جزء من النهوض المطلوب وخلق فرص عمل جديدة وحماية الشباب من الهجرة القسرية.

إن مشكلة النفايات المستدامة ليست مشكلة تقنية إنما هي مشكلة سياسية ومشكلة حوكمة بالجوهر.

السابق
احتجاجا على عدم اقرار العفو العام .. قطع طرقات في بريتال وطرابلس
التالي
واشنطن ترصد 3 ملايين دولار مقابل رأس وزير إعلام داعش