قلاع الجنوب: جبهت التاريخ… وأهملها الحاضر!

قلعة دوبيه

لو عدنا إلى تاريخ جبل عامل، وتجولنا في حاضرته اليوم، نلمس ولا شك العدد الكبير للحصون والقلاع التي تنتشر على قممه وسهوله.

والقلاع بعامة كان لها أدوار عدة، ففي حال السلم كانت تتحول إلى منتديات أدبية تحتضن الشعر والأدب والفقه، وفي حال الحرب كانت الموقع المتقدم الذي يحمي ربوع عامل، وفي كل الأوقات كانت تقوم بمراقبة أي خطر داهم، وتكون مراكز حكم العامليين.

اقرأ أيضاً: قرى تخلع أسماءها التاريخية… عيتا الزط “الجبل” مثالاً

ومثالاً، كانت قلعة تبنين – عاصمة ولاية جبل عامل في عهد الشيخ ناصيف النصار، وخليفته حمد بك المحمود وعلي بك الأٍعد من 1750 إلى 1864، وهي فترة هدوء واستقرار، أنتجت شعراء وعلماء أمثال: الشيخ علي سبيتي، الشيخ إبراهيم يحيى والعلامة الشاعر السيد عبد الله الأمين آل قشاقش، وشبيب باشا الأٍعد. من الشاعرات: زينب فواز، فاطمة الأسعد ودنيا التامر وغيرهن.

والقلاع اليوم أضحت أطلالاً، تحوي في بطونها مدفونات أثرية وتراث أجيال وحضارات تعاقبت عليها. ولا تزال هذه القلاع والحصون بعيدة من اهتمام مديرية الآثار بها لجهة ترميمها، وإدراجها كمناطق أثرية، إلى أن ألبسها النسيان عباءته.

وأشهر هذه القلاع “الحصون”: ديركيفا، ميس، راشيا، حاصبيا، قلعتا صيدا البحرية والبرية وقلعة صور الصليبية.

قلعة دوبيه

ولضيق المساحة، ننتقي قلعة دوبيه، وما يقال عنها يمكن أن يعمم على باقي الحصون، دون أن يعفينا هذا الكلام على بعض القلاع ضمن السياق. تقع هذه القلعة بين بلدات شقراء، حولا وميس الجبل، على مرتفع تحيط بها الجبال والوديان من جهاتها الثلاث، عدا الجهة الجنوبية التي تصلها ببلدة ميس الجبل. أما اسمها فنسبة إلى القائد الصليبي الذي حملت اسمه DEBOU وذلك العام 1109 م.

وأهمية هذه القلعة تكمن في موقعها الجغرافي في القريب من حدود فلسطين، سوريا ولبنان، فيما كانت تعد “شيكة” مرور من هذه المناطق وإليها، وقد اعتمدها الصليبيون منطلقاً لهجومهم على مدن الساحل السوري، وكانت تعد نقطة متقدمة لممتلكاتهم في بيت المقدس، وكذلك فعل صلاح الدين الأيوبي الذي جعلها واحدة من عدة قلاع للدفاع عن وجودهم في الديار الإسلامية.

ويقول المؤرخ سليمان ظاهر إن قلعة دوبيه مثل هونين وتبنين من أبنية الصليبيين، فيما قلعة الشقيف من المنشآت الرومانية. بينما يذهب آخرون إلى اعتبارها رومانية البناء، ودليلهم على ذلك ما يوجد حولها من مدافن شبيهة بالمدافن الرومانية المحفورة في الصخر.

يقول المؤرخ سليمان ظاهر إن قلعة دوبيه مثل هونين وتبنين من أبنية الصليبيين، فيما قلعة الشقيف من المنشآت الرومانية

تتألف القلعة من بناء ضخم طوله من الشمال إلى الجنوب مئة وخمسة عشر متراً، وعرضه خمسة وسبعون متراً، مؤلف من ثلاث طبقات يحيط به خندق بعمق ثلاثة أمتار من جهاته الثلاثة ما عدا الجهة الجنوبية. الطبقة الثالثة متهدمة والثانية نصفها متهدم. وفي الطبقتين الأولى والثانية ما يقارب من خمس وعشرين غرفة وحجرة، وعبارة عن أقبية مبنية من الحجر الصلد، وفي داخل القلعة وخارجها عدة آبار وصهاريج، وخارجها منقور في الصخر.

اقرأ أيضاً: خلع أسماء القرى والاستعاضة عنها بجديد فتون بحب السلطة والسلطان

تتالت على القلعة في أوقات متفاوتة عمليات ترميمها، فقد أادها إلى ما كانت، آل علي الصغير، وجدد البناء فيما بعد الشيخ ابن ناصر النصار، وجعلها لاحقاً على ما يروى الشيخ النصار الوائلي تحفة للناظرين.

ومن مآثر قلعة دوبيه بأن اختبأ فيها الأمير يونس المعني مع ولديه ملحم وحمدان فارّاً من وجه الكجك أحمد باشا وإلى صيدا. وأخيراً، الوصول إلى هذه القلعة الأثرية يتم من طرق شقراء أو حولا أو ميس الجبل، بعد أن شق مجلس الجنوب شبكة من الطرق بعد التحرير فوصلت ما انقطع بين هذه القرى الثلاث.

(مجلة شؤون جنوبية، العدد السادس تموز 2002)

السابق
فضيحة الفيول المغشوش تابع.. الجزائر تنفض يدها: طردنا الفاسدين فجنّسهم لبنان!
التالي
«كورونا» يواصل انتشاره.. الصليب الأحمر نقل 30 حالة مشتبه بإصابتها!