«حزب الله» الإقليمي يهدّئ «اللعبة» وعيْنه… على صندوق النقد

صندوق النقد الدولي

«هَلَع» رسمي وتَخَبُّطٌ وزاري في ملاقاة الموجة الثانية من فيروس كورونا المستجد، توازيه لا مبالاةٌ شعبية تغذّيها أوضاع معيشية مأسوية في ظلال الانهيار المالي، وتضارب مصالح داخل البيت الحكومي على تخوم استحقاقاتٍ دستورية مؤجَّلة استدرجتْ «حروباً مبكّرة» يُخشى أن تصيب تشظياتُها موقعَ لبنان وصورته في المفاوضات المُضْنِية التي انطلقتْ مع صندوق النقد الدولي حول برنامجِ تمويلٍ على خمس سنوات يشكّل «دينامو» مسار الإنقاذ من الورطة المالية – الاقتصادية – المصرفية – النقدية.

هكذا يمكن وصْف المشهدِ في بيروت الذي تَقاسَمَتْه «ثلاثيةٌ» عكستْ حجم التعقيدات ومستوى المخاطر العالية التي تتحكّم بالواقع اللبناني وقوامها: أولاً، تدعيمُ الحكومة «حائط الصدّ» الدفاعي بوجه «كورونا» وعودته الشرسة عبر إقفالٍ تام يمتدّ من مساء اليوم وحتى صباح الاثنين لإجراء مسْحٍ يتيح تحديد حجم العدوى المجتمعية في ضوء استعادة الإصابات منحاها المثير للقلق.

إقرأ أيضاً: لبنان إلى مفاوضات شاقة مع صندوق النقد وسط «تهشيمٍ» لخطة الإنقاذ!

وثانياً، الاستعدادات لبدءِ محادثاتٍ تفصيلية غداً مع الـIMF بعد الاجتماع الاستطلاعي الذي عُقد أول من أمس، تحت سقف طلب المساعدة الرسمي الذي تقدّمت به حكومة الرئيس حسان دياب إلى الصندوق بناء على خطة الإصلاح التي أقرّتْها.

وثالثاً، مغازي الهجوم الذي شنّه زعيم «تيار المردة» سليمان فرنجية على الرئيس ميشال عون والتيار الوطني الحر، والارتدادات المحتملة لانقطاع آخِر الجسور في علاقة الطرفين الحليفيْن لـ«حزب الله» على الحكومة وتضامُنها ولا سيما بعدما بدت هذه المعركة بمثابة إشارة انطلاق السباق إلى رئاسة الجمهورية والذي يُعتبر رئيس «التيار الحر» جبران باسيل وفرنجية، من بين أبرز «أحصنته».

ورغم سير الحكومة في اجتماعها أمس، بالإقفال التام لأربعة أيام لزوم التدقيق الميداني في لوحة الإصابات بعد صدمة ارتفاع عدّاد الأرقام وتسجيل حالات في مناطق لم يسبق ان اخترقها «كورونا»، فإنّ أوساطاً مراقبة لاحظتْ أن هذا الاستنفار لم يترافق مع سدّ «الدفرسوار» الذي يشكّله المضي بعملية إجلاء المغتربين التي تُعتبر مرحلتها الثالثة التي تنطلق غداً، الأكبر وتشمل نحو 12 ألفا سيعودون في عشرة أيام، ولا سيما بعدما جاء «إنزال» كوفيد – 19 خلف «خطوط التحصين» الرسمية على متن رحلات العودة في المرحلة السابقة وعدم وجود ضوابط لمتابعة الالتزام بالحجر المنزلي الإلزامي.

وتزامن قرارُ الإقفال التام مع تسجيل 11 إصابة جديدة أمس (الإجمالي 870) أي بتراجُع 3 حالات عن الاثنين و25 عن الأحد، ومع مشاهد مُرْعِبة لحالات تفلُّت من إجراءات الوقاية في مناطق عدة، ما أثار خشية من آتٍ أعظم يراهَن على «رباعية» الإقفال لمنْع الوصول إليه.

ولم تحرف هبّة «كورونا» الأنظار عن السخونة السياسية على جبهة «المردة» – التيار الحر، والتي بدا أنها في إطار «حرب موْضعية» بين أطراف الائتلاف الحاكم، وسط تراجُع مناخاتِ الاستقطاب على خط الانقسام الكبير بين السلطة وخصومها تحت سقف عنوان مكافحة الفساد.

في هذا الإطار، ولأن لبنان محكومٌ بـ«الأوعية المتّصلة» مع مَداره الإقليمي على وهج الصراعِ الدائر في المنطقة بين المعسكريْن الأميركي – العربي من جهة وإيران وأذرعها من جهة أخرى، لاحظت أوساط مطلعة أن تعديلاً طرأ على طبيعة المواجهة في «بلاد الأرز» على النحو الذي فرْمل اندفاعةَ السلطة لـ«تأديب» خصومها عبر سياسةٍ عنوانها مكافحة الفساد.

وقالت الأوساط لـ«الراي» إن مَن يدقق في المشهد العام في المنطقة، ولا سيما ما يجري في العراق وسورية والإشارات المتزايدة عن المرونة التي تُبْديها إيران، يكتشف سرّ تَراجُع حدة المواجهة السياسية في لبنان خطوةً أو ربما خطوات إلى الوراء.

وفي رأي هذه الأوساط أن «حزب الله» المُمْسِك بخيوط اللعبة في لبنان غالباً ما يعيد ترتيب أولوياته في ضوء مقتضياتِ مشروعه الإقليمي، وتالياً فإنه الطرف الوحيد القادر على تعديل اتجاهاتِ الريح بما يملكه من قوة «تَحَكُّمٍ وسيطرة».

وتعتقد أن الحزب، الذي كان يدْفع من الخلف لإحداث تغييرٍ جذري في التوازنات الداخلية عبر ضخّ فائضٍ من القوة في عضلاتِ العهد وحكومته اضطُرّ بـ«براغماتيته» المعتادة إلى تعديل قواعد الاشتباك لأسباب إقليمية بالدرجة الأولى ولأسباب داخلية لا تقلّ أهمية.

ورأت هذه الأوساط أن رئيس البرلمان نبيه بري (شريك «حزب الله» في الثنائية الشيعية) الذي يلعب دور «ضابط الإيقاع» في حماية التوازنات، أَفْسَدَ إلى حدّ بعيد محاولةَ استخدام «سيف الفساد» للإطاحة بخصوم العهد وعرْقلة أي انقلاب سياسي على الوقائع الراسخة في البلاد.

وهناك مَن رأى، في هذا السياق، أن تَراجُع «حزب الله» إلى مربّع «الواقعية» لا يعني فشلاً على الإطلاق، بدليل أن موازين القوى ما زالت تُمَكِّنُه من لعب دور «المرجعية» التي يحتاج إليها الجميع… فهو السنَدَ القويّ لعون والشريك الذي لا مفرّ منه لبري، والجهة التي يَطْمَئنّ إلى ضماناتها الرئيس سعد الحريري والزعيم الدرزي وليد جنبلاط، والطرف الذي يرغب بمهادنته الدكتور سمير جعجع.

وثمة معلوماتٌ عن أن جلّ ما يريده «حزب الله» في هذه المرحلة، هو تثبيت مكانة حكومة دياب وحمايتها على النحو الذي يتيح له قيادة المرحلة المقبلة المفتوحة على مقايضاتٍ كبيرة تشكل المفاوضات مع صندوق النقد الدولي مفتاحَ التحكم بها، خصوصاً في المسائل المرتبطة بمصير الحدود البرية مع سورية وبترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، وهي الملفات التي يحتكر الحزب كلمة الفصل فيها وتُعتبر من المفاصل السياسية «المُلْحَقة» بالمفاوضات مع الـIMF والتي تطلّ على الجغرافيا الإقليمية وترسيمات النفوذ فيها.

السابق
مع إرتفاع عدّاد «الكورونا».. ما نتيجة الفحوصات في صربا – النبطية؟
التالي
جريمة خطف مروّعة في زحلة.. اختطاف أم وطفلها!