إيران تُسدد الضربة القاضية ولبنان يخرُّ صريعاً

علي الامين

ابحث عن إيران. عبارة تختصر ما آل إليه لبنان من انهيار مالي وسياسي وأخلاقي، وتحوّله إلى دولة منقوصة السيادة مستباحة الحدود، يديرها “محور الشر” الذي تتزعمه إيران عبر ذراعها الأقوى حزب الله، الذي انتهى به شعباً منهكا يتآكله الجوع ويذهب عرق جبينه ومدخراته جراء الاستبداد السلطوي والمالي، ومؤسسات مهترئة ينخرها الفساد والسرقة والمحاصصة والزبائنية حتى العظم، إلى أن وصل إلى انتفاضة استنفرت السلطة الكيدية الفاشلة لتطويقها، والتنصل من مسؤوليتها عبر اختراع خصم ترمي عليه تبعات تقصيرها في كل واجباتها، باستثناء النهب المنظم لمقدرات الدولة.

إذا، وعلى الرغم من فاجعة جائحة كورونا في لبنان، إلا أنها لم تعد القضية الأولى التي تشغل بال اللبنانيين، بل ثمة ما هو أكثر أهمية وأشدّ وطأة على نفوس اللبنانيين وعيشهم، هي الأزمة المعيشية والاقتصادية، بما هي عنوان متصل بالأزمة السياسية التي فجرتها انتفاضة 17 أكتوبر التي أظهرت حجم الغضب الشعبي من السلطة السياسية ومعادلة الحكم التي أفضت إلى لبنان آخر، أي دولة مستلبة ومسلوبة، وسلطة تبني نفوذها وقوتها بنظام مصالح مناقض للشعب، والمؤسسات الدستورية، ويستبيح الحدود والمعابر للتهريب ولإنعاش نظام مافيوي، تحت مظلة حلف الممانعة الذي يشرف عليه ويديره الحرس الثوري في امتداد ما يسمى “الهلال الشيعي”.

الدخول الأميركي الحذر على خط الأزمة، لا يخلّ بسياسة المراقبة الأميركية وعدم الانخراط في المواجهة الداخلية، وهو موقف لا يزال يرتكز على حماية مواقع رئيسية في الدولة اللبنانية 

لبنان هو الدولة النموذج في المحور الإيراني كما تُنبئ المسؤوليات التي يوكلها الحرس الثوري الإيراني لدرة تاجه في المنطقة، أي حزب الله، سواء في العراق من خلال المساهمة في معالجة الخلافات بين الفصائل العراقية ولاسيما الحشد الشعبي، وهو ما يفسر القرار الأميركي الأخير، برصد عشرة ملايين دولار أميركي لمن يقدم معلومات عن ممثل حزب الله في العراق محمد كوثراني، أو من خلال الدور المستمر في سوريا الذي يجعل من الحزب أحد أبرز أعمدة النفوذ الإيراني، كلما اقترب الحديث عن التسويات الدولية والإقليمية في سوريا، والتي تجعل إيران أكثر القلقين من أن تدفع ثمن هذه التسوية، وهذا ما يفسر جانبا من الزيارة الوحيدة إلى خارج إيران منذ أشهر، التي قام بها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى دمشق للقاء بشار الأسد، في أعقاب رسائل التوبيخ الروسية للأسد.

لبنان دفع وما زال يدفع فاتورة إيران، هذا باختصار جوهر الأزمة التي يعاني منها البلد من خلال أمرين، الدفع من رصيد علاقاته العربية ومن رصيده العالمي، بعدما تحول إلى مجرد قاعدة نفوذ إيراني، وإلى دولة فاشلة، عاجزة عن إيجاد أي حلول للأزمات المتفاقمة على كل المستويات، ونفوذ بات يتعامل مع لبنان وشعبه باعتباره رهينة للابتزاز عربيا ودوليا هذا أولاً، وثانيا من خلال ترسيخ منظومة حكم أو إدارة يقوم وجودها ويستمر بقوة الفساد والمحاصصة على حساب نظام المصلحة الوطنية اللبنانية، إذ يشكل حزب الله القوة الحامية والمستفيدة من استمرار نظام المحاصصة وضعف القضاء، وتسيب المرافق العامة، ومرافئ الدولة ومعابرها.

هذا البنيان الهشّ اقتصاديا ومؤسساتيا للدولة اللبنانية وصل إلى مأزقه اليوم، وكانت انتفاضة 17 أكتوبر بمثابة إعلان شعبي ووطني شامل وعابر لكل المكونات، برفض استمرار هذه الهشاشة التي تهدد وجود الكيان، وتجعل من اللبناني بلا نظام حماية وطني، ويفتقد أي قدرة على مساءلة الحاكم والسلطة التي أودت به إلى مهالك الفقر، والعوز وعرّته من الكرامة الإنسانية فضلا عن الوطنية.

وقف حزب الله ولا يزال يقف بقوة في مواجهة إرادة التغيير التي يعبر عنها اللبنانيون على وجه العموم، ويستخدم اليوم حكومة الرئيس حسان دياب كوسيلة لتصفية حسابات سياسية داخلية، عبر نقل المواجهة إلى مساحة تتيح له التحكم والسيطرة، من خلال إعادة استنفار العصبيات المذهبية والطائفية من جهة، ومحاولة إظهار أن المشكلة في لبنان ليست في دوره ونفوذه غير الشرعي والدستوري، بل في نظام المحاصصة الطائفي الذي يحول دون قيام دولة ويعطل المحاسبة ويشرع الفساد من جهة أخرى.

إقرأ أيضاً: «متصرفية الصيارفة والمصارف» تحكم.. و«ثورة الجياع» تفضح «حكومة التعبئة»!

وفي جانب آخر وإزاء الانهيار المالي الذي جعل العملة الوطنية في حال من الانهيار غير المسبوق والمشابه لما هو الحال في إيران، أطلق حزب الله عبر حكومة حسان دياب حملة على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، متهما إياه والمصارف بالتسبب بهذا الانهيار وبحجز أموال المودعين في المصارف، ولئن كان ذلك فيه شيء من الصحة، إلا أن الأصح هو أن سلامة ليس إلا موظفا كان ينفذ سياسات رسمتها السلطة، ولم يكن إلا الحاكم بأمر السلطة. وبالتالي فإن المسؤولية هي سياسية بالدرجة الأولى.

انهيار مالي وسياسي وأخلاقي

على أن اللافت في هذا السياق، كان الدخول الأميركي على خط مواجهة هذه الهجمة، أو محاولة تلبيس حاكم مصرف لبنان مسؤولية الانهيار، فبحسب المعلومات أن السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا، أبلغت في رسالة مباشرة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، أن واشنطن لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء استهداف سلامة، ورأت أن ذلك سيدفع واشنطن إلى اتخاذ إجراءات عقابية ضد بعض الشخصيات السياسية، ودائما بحسب المعلومات التي جرى تسريبها من أكثر من مصدر، من بينها مصادر رئيس البرلمان نبيه بري.

وفي السياق نفسه، برزت تلك الرسائل الأمنية من خلال تفجيرات طالت بعض فروع المصارف في صيدا وفي صور في جنوب لبنان، وهي رسائل لا تخلو من توجيه سياسي، ومن ضمن منهج اعتبار أن المعركة هي بين القطاع المصرفي وحاكم مصرف لبنان من جهة، والسلطة اللبنانية من جهة ثانية، وهو افتعال لانقسام غير قائم خاصة مع العلم أن جلّ القطاع المصرفي إما هو ملك لعائلات سياسية لبنانية، أو هو محصلة شراكة مالية – سياسية – سلطوية بحيث لا يمكن الحديث عن قطاع مصرفي خارج السلطة ونظام المحاصصة.

الدخول الأميركي الحذر على خط الأزمة، لا يخلّ بسياسة المراقبة الأميركية وعدم الانخراط في المواجهة الداخلية، وهو موقف لا يزال يرتكز على حماية مواقع رئيسية في الدولة اللبنانية، كالجيش والقوى الأمنية، والأهم النظام الاقتصادي الحر الذي لا يزال مطلباً لبنانياً لم يذهب أحد إلى طرح بديل له، إلا الخيار التخريبي الذي تمثله الفوضى التي تشكل عنصر القوة لحزب الله حتى الآن.

السابق
«متصرفية الصيارفة والمصارف» تحكم.. و«ثورة الجياع» تفضح «حكومة التعبئة»!
التالي
“حزب الله” يتظلم لدى الفرنسيين: أميركا تجوعنا.. ولن نقف نتفرج!