العراق: «كرّ وفرّ» فوق الرمال المتحرّكة!

العراق

لم يشهد العراق تَشَظياً بهذا الحجم تَجَسَّدَ بانقسامٍ غير مسبوق بين الكتل السياسية المختلفة في نظامٍ برلماني يعتمد على التوافق بين الكتل البرلمانية الحاكمة.
وتلعب الولايات المتحدة – التي يبدو أنها تعلم بتفاصيل هذا الانقسام الذي تجلّى على سطح بلاد الرافدين ليعلم به القاصي والداني – دوراً مهماً لصبّ النفط على النار. النفط الذي أصبحت قيمتُه متدنيةً إلى حد أطاح بالاقتصاد العراقي الذي يعتمد 67 في المئة من ميزانيته عليه، ما يدفع العراق إلى مستوى الخطر الحقيقي في ظلّ تدهور المستوى المعيشي والبنية التحتية وفيروس كورونا المستجد وتداعياته الاقتصادية العالمية وانقسام الأحزاب التي تريد حصّتها في الحكومة العراقية التي تُنازِع لإبصار النور، وكل هذا يزيد مِن تدني مستوى الاستقرار.
والمثيرُ للاهتمام أن أميركا وضعتْ مكافأةً ماليةً لمَن «يُدْلي بمعلومات عن نشاط مسؤول «حزب الله» عن ملف العراق الشيخ محمد كوثراني وحلفائه وطريقة عمله»، ذلك لأنه الأجدر بالضغط على القوى العراقية الشيعية والسنية والكردية ليتوحّدوا ويسهّلوا اختيار الحكومة.
ويعود السبب إلى أن اتحاد القوى العراقية لا يصبّ أبداً في مصلحة أميركا التي تريد مَطالب متعددة، منها إبقاء قواتها في العراق. ولا تريد الانصياع لقرار البرلمان الذي صوّت بأكثرية المُجْتَمِعين بإخراج القوات الأميركية من العراق. وترغب واشنطن في ألا يجْتمع العراقيون على تَوافُقٍ حتى في رئاسة الوزراء وانتخاب الرئيس.

الخطر الأعظم الآتي من بلاد الرافدين: الصين والحشد وإيران وإلا…


وقد ظهر ذلك أيام نوري المالكي الذي رفضتْ أميركا تسليمَه الأسلحة التي دَفَعَ ثمنها العراق عام 2014 عندما هاجمه «داعش» وسيطر على ثلث البلاد. وبعد ذلك في حكومة عادل عبدالمهدي الذي أَفْشَلتْه واشنطن عندما ضربتْ «الحشد الشعبي» والشرطة الاتحادية والجيش في القائم وسمحت لإسرائيل بضرْب مخازن أسلحة للقوات الأمنية، واغتالت طائرات إسرائيلية من دون طيّار قائد في المنظومة الأمنية العراقية على الحدود العراقية. وآخِرها تَجَسَّدَ باغتيال نائب قائد «الحشد» أبو مهدي المهندس وقائد «فيلق القدس» اللواء قاسم سليماني في مطار بغداد.
وآخِر الأعمال الأميركية لضرب استقرار العراق حصل بعد إفشال انتخاب عدنان الزرفي المُوالي لواشنطن واختيار مصطفى الكاظمي، مدير المخابرات السابق الذي عيّنه رئيس الوزراء السابق الموالي لأميركا حيدر العبادي حينها. وقد استطاع الكاظمي أخْذ موافقة الأحزاب الشيعية على ألا تعترض على أسماء الوزراء الذين يختارهم، إلا أن السيد مقتدى الصدر يصرّ على حق الاعتراض على أسماء الوزراء الشيعة.

إقرأ أيضاً: لبنان في عيْن «العصْف السياسي»..والشارع يغْلي فوق الصفيح المالي!

أما حلفاء واشنطن من السنّة والأكراد، فقد رفضوا طلب الكاظمي وأصرّوا على حصصهم واختيار وزرائهم بأنفسهم، ما اعتبره الكاظمي رسالةَ عرْقلةٍ من واشنطن التي ترغب بضمانات قبل أن ترفع سيف اللا استقرار عن عنق العراق.
وتريد واشنطن أن تلغي بغداد الاتفاقات المبرمة مع الصين أولاً. وتطلب أن يُحلّ «الحشد» وتُسحب منه الأسلحة وتَتَشَرْذَم ألويته وتندمج ضمن الأجهزة القائمة. وتريد أن تطبّق العقوبات على إيران وتغلق الأبواب على «الجمهورية الإسلامية» لتُطْبِق الخناق عليها وتدْفعها في أحضان أميركا للاستجداء.
وأخيراً تريد من البرلمان العراقي أن يلغي قرارَه السابق بانسحاب القوات الأميركية، وهو القرار الذي اتُخذ بعد اغتيال المهندس وسليماني.
وتَعتمد أميركا على الخلاف السني – السني والخلاف الشيعي – الشيعي لأن الهوّة أصبحت عميقة بين الأطراف السياسية. وطلبت من عبد المهدي – الذي رفض رفضاً قاطعاً – أن يبقى في الحُكم إذا لبى مطالب واشنطن في ما يتعلّق ببقائها في العراق وإلغاء العقود مع الصين وإلغاء «الحشد» والانضمام لمعاقبة إيران.

تريد واشنطن أن تلغي بغداد الاتفاقات المبرمة مع الصين أولاً وتطلب أن يُحلّ «الحشد» وتُسحب منه الأسلحة وتَتَشَرْذَم ألويته وتندمج ضمن الأجهزة القائمة


وتقول بعض الأحزاب الشيعية إنها تستمع إلى نصائح المرجعية الدينية في النجف الأشرف التي أسقطت عبد المهدي وطلبت الاستماع للشارع، أي إلغاء المحاصصة الحزبية ودعم مطالب الشعب، بينما تريد الأحزاب السنية والكردية حصصها، باعتبار أن لا سلطة للمرجعية عليها.
وقد «انشقّ» صف السنّة بين رئيس البرلمان محمد الحلبوسي الذي يريد هو تعيين الوزراء السنّة الـ6 (11 للشيعة، 4 للأكراد و 2 للأقليات) وحليفه خميس خنجر العيساوي، رئيس حزب «المحور العربي».
وكذلك طلب مسعود بارزاني الإبقاء على فؤاد حسين كوزير للمالية علماُ أنه جرى التفاهم على عدم تعيين أي وزير من الحكومة السابقة في الحكومة الحالية.

السابق
لبنان في عيْن «العصْف السياسي»..والشارع يغْلي فوق الصفيح المالي!
التالي
«الكورونا» يتمدد في الشمال..إصابة سابعة في منطقة الضنية!