إسرائيل و«حزب الله».. لا يموت «الخصم» ولا تفنى «العداوة»!.

علي الامين

ماذا يجري حقيقة بين إسرائيل و”حزب الله”؟ سؤال يستوقف المراقبين كثيراً، في ظل تسابق الأحداث الأمنية والعسكرية في لبنان وسوريا والعراق، والتي تدفع إلى خلاصات و استنتاجات حول هذا الصراع التاريخي وتوصيفه، كونه أقل من حرب مفتوحة وأكثر من هدنة مؤقتة، يسعى الطرفان خلالها إلى تثبيت الحد الأقصى من “قواعد الإشتباك”، والسير بعمليات “نظيفة الأهداف”، تستدعي ردود أفعال متوقعة ومدروسة وتستمر على هذا المنوال.. “إلى ما شاء الله”!

ماذا يجري بين إسرائيل و”حزب الله”؟

والشاهد على ذلك مجموعة من العمليات المتبادلة المتسلسلة، ففي الفيديو الذي يظهر عملية استهداف سيارة جيب تابعة لـ”حزب الله” في جديدة يابوس السورية، على مقربة من المعبر الحدودي باتجاه لبنان، والذي  نشرته وتداولته ماكينة الحزب الاعلامية عبر شبكات التواصل مرفقة بنص توضيحي، يبرر خروج العناصر من الجيب، بانهم تلقوا اشارة من قيادتهم في الحزب، بانهم سيتعرضون لاستهداف من طائرة مسيّرة، وفعلا هذا ماحصل كما يظهر الفيديو، بحيث كان من الواضح ان السيارة ذات الدفع الرباعي تلقت صاروخا، من دون ان تسقط اي ضحية.

اقرأ أيضاً: حزب الله يزعزع المنظومة المالية لاستكمال السيطرة على لبنان

على ان الفيديو الذي انتشر مع التوضيح، يلغي الرواية الاولى التي نشرها “حزب الله” كذلك عبر ماكينته الاعلامية وعبر مجموعات “الواتساب” التي يشرف عليها ويديرها، والتي اشارت الى ان الموجودين في السيارة نجوا بأعجوبة، بعدما لم يصب الصاروخ الأول السيارة، وهو ما سمح للعناصر بالخروج منها قبل ان تصاب بالصاروخ الثاني.

عشرات العمليات الاسرائيلية التي استهدفت قوافل او مراكز للحزب في سوريا، لم يقم حيالها بأي رد

الأرجح ان سيارة الدفع الرباعية الأميركية الصنع، جرى استهدافها من قبل طائرة مسيرة، ليس بغاية قتل من فيها، ذلك ان ما تظهره الكاميرا ان العناصر خرجوا منها مسرعين ثم عادو اليها بعد اقل من نصف دقيقة واخرجوا منها بعض الحقائب، وبعد ذلك باقل من دقيقة جرى استهدافها.

يذكر هذا المشهد، بما كان يجري من عمليات مشابهة قبل سنوات قليلة، من استهداف شاحنات تابعة لـ”حزب الله” قادمة من سوريا نحو لبنان، حيث كانت الطائرات الاسرائيلية توجه انذاراً قبل تدمير الموكب، بغاية تفجيره من دون سقوط أي ضحية.

وهو بطبيعة الحال لا يعكس جانبا انسانياً لدى الجيش الاسرائيلي، بقدر ما هو اجراء يندرج في اطار عدم خرق قواعد الاشتباك، بحيث ان عدم استهداف عناصر للحزب كان يضمن لاسرائيل عدم قيامه بالرد على هذه العمليات، وهذا ما يفسر كيف ان عشرات العمليات الاسرائيلية التي استهدفت قوافل او مراكز للحزب في سوريا، لم يقم حيالها بأي رد.

وما يؤكد الالتزام بهذه القواعد ايضاً، هو ان سقوط عنصرين لـ”حزب الله” في قصف صاروخي طال مقرا له في ضاحية دمشق مطلع الصيف الماضي، ادى الى ان يقوم الحزب بعملية رد طالت سيارة عسكرية اسرائيلية في مقابل بلدة مارون الراس الحدودية جنوب لبنان، عبر صاروخ موجه لم يؤد الى سقوط ضحايا وتبعه قصف اسرائيلي على خراج بلدتي يارون ومارون الراس من دون سقوط ضحايا ايضا.

ما يمكن استنتاجه ان سقوط ضحايا يشكل خرقاً لقواعد الاشتباك ويبرر للطرف الآخر الرد، وكان امين عام حزب الله اكد في اكثر من خطاب ان تجاوز اسرائيل لقواعد الاشتباك سيؤدي الى ان يقوم الحزب بالردّ بضرب اسرائيل مباشرة، معتبرا ان استهداف اي عنصر للحزب في سوريا سيدفعه الى الرد من الاراضي اللبنانية على اسرائيل.

واذا كانت هذه هي القاعدة التي يعتمدها “حزب الله” في اي ردّ عسكري باتجاه اسرائيل، فانه يمكن ان يُقاس  على ذلك احداثاً مرت خلال السنوات الماضية ولا سيما بعض عمليات الاغتيال لعناصر او قياديين في الحزب، فاغتيال القيادي مصطفى بدر الدين في دمشق لم يحظى بأي ردّ عسكري من قبل “حزب الله” ضد اسرائيل، كما حظي اغتيال هذين العنصرين  من ردّ، الأمر الذي يدفع الى الاستنتاج ان اغتيال بدرالدين لم يكن مصدره اسرائيل؟ 

وكما جرى قبل يومين في جديدة يابوس، تلاه حدث على الحدود قرب بلدة العديسة، حيث قام الجيش الاسرائيلي بالاستنفار، على اثر اكتشاف عملية قصّ سياج على الحدود، وقام باطلاق عشرات القنابل المضيئة في سماء المنطقة، وهو ما فسرته مصادر متابعة، انها رسالة رد من “حزب الله” على عملية جديدة يابوس المصورة.

اقرأ أيضاً: إسرائيل تضرب «حزب الله» في سوريا كما العراق..غارات موضعية موجعة!

قواعد الاشتباك بين “حزب الله” واسرائيل

وفي التحليل هذا ما يجر الى ما جرى نهاية اذار، اثر مقتل عنصر من “حزب الله” علي يونس من بلدة جبشيت في خراج بلدة زوطر الغربية وعلى مشارف بلدة قعقعية الجسر، والذي روج الحزب له  على انه عملية قام بها “الموساد”، بالتأكيد الترويج هنا لا يعني بيانا رسميا، بقدر ماهو رسالة الى الجمهور يتم نشرها من خلال شبكات “الواتساب” التي تدار من قبل “حزب الله”. غير ان اللافت في هذه القضية هو نشر “الوكالة الوطنية للاعلام” خبرا عن الجريمة قبل ان يعلن “حزب الله” ان المستهدف هو احد عناصره، يفيد ان المغدور كان برفقة رجل اخر من بلدة كفركلا، اشارت الى الأحرف الاولى من اسمه. لاحقا اختفى هذا الاسم من الاعلام، ولم يعد متداولا من دون ان يعرف مصيره، بطبيعة الحال الاجهزة الرسمية الامنية وحتى القضائية لم تظهر اي اهتمام بالموضوع من قبيل متابعة التحقيق او اصدار اي بيان يشير الى هذه الجريمة.

هل هناك اختراق ما حصل داخل “حزب الله”، ام ان ما جرى تصفية حسابات داخلية بخلفيات شخصية؟ 

الجريمة هذه لم يتبعها اي رد على اسرائيل او سواها، وهذا انطلاقا مما سبق يرجح ان الاغتيال لم يكن اسرائيليا، فهل هناك اختراق ما حصل داخل “حزب الله”، ام ان ما جرى تصفية حسابات داخلية بخلفيات شخصية؟ 

في كل الأحوال ورغم هذه التطورات الأمنية، فان الثابت ان “حزب الله” واسرائيل يحافظان على قواعد الاشتباك، ويحرصان على عدم الانجرار الى مواجهة عسكرية، فالحزب  الذي يدرك ان ظروف اي مواجهة لن تكون في صالحه، يحرص على المحافظة على استقرار الحدود مع اسرائيل، والأخيرة تتفادى المواجهة المباشرة، فيما تراقب التداعيات التي سببتها وتسببها الأزمة المالية والاقتصادية على لبنان ومن ضمنه “حزب الله”، والتي تدفع الحزب نحو المزيد من التسليم بقواعد اللعبة الدولية وشروطها، للمحافظة على نفوذه ودوره السياسي في لبنان، ولو على حساب تحرير القدس وقتال اسرائيل كما كان يردد في سنوات سابقة وباتت مهمشة في زمن الانهيار المالي والاقتصادي والكورونا.

السابق
سقوط الدولة فى لبنان
التالي
جمهور «حزب الله» إتَّهم حركة أمل بالفساد فكَذَّبته عقارات وفيق صفا و نجله