«مقاطع» من حكومة «الفوتوشوب» ورئيسها «البدل عن ضائع»!

وزير الصحة وحسان دياب

لم تكن صورة وزير الصحة المعدلة التي إنتشرت الأسبوع الماضي على وسائل التواصل الإجتماعي وأحدثت ضجة هائلة بين الناس أظهرت للأسف كم أن الناس بحاجة إلى إنجازات ولو بسيطة، إلا صورة صادقة وحقيقية عن حال هذه الحكومة وممارساتها بحيث عبَّرت وعن غير قصد طبعا أحسن تعبير عن واقع الحال.

في الشكل أظهرت ردود فعل الناس على الصورة فضلا عن عطشها وتوقها للأفعال، بأننا لا زلنا أيضا نبحث في كل مسؤول عن صورة “البطل” وهي ثقافة غير صحية وسلبية وهي أحد أسباب معاناتنا في هذا الشرق عموماً، فالمسؤول هنا يقوم بواجبه الذي أنتدب لأجل القيام به وهو بمعنى آخر موظف برتبة مسؤول له حقوق وعليه واجبات بالمقابل فإذا نجح نال إستحسان الناس وتأييدها الذي قد يترجم في صناديق الإقتراع، وإذا فشل ذهب في حال سبيله، هذه هي الطريقة المثلى للتعامل مع المسؤول دون إفراط بالمديح ولا تفريط بحيث نبخس الناس حقوقها.

اقرأ أيضاً: 20 ثانية لغسل اليدين من النهب.. والكورونا!

حتى اليوم لم نرَ أي قانون قد صُدِّق أو رؤية يجري العمل بموجبها لنصل إلى نتيجة

حكومة “الفوتوشوب”

أما في المضمون فهذه الحكومة بممارساتها و”إنجازاتها” أقرب ما تكون إلى حكومة “الفوتوشوب” السياسي بحيث تتلاعب بصور المراحل السياسية السابقة خاصة فترة ما يسمى “الحريرية السياسية” وتنسب إليها ممارسات 30 عاما من حكم لبنان في تجاهل واضح وفاضح لمرحلة ما بعد وصول إميل لحود إلى سدة الرئاسة وهي المرحلة التي لم يعد فيها للحريرية السياسية اليد الطولى في تقرير مصير البلد، لتجعل منها صورة بشعة في تضليل صريح ومقصود لتغطية فشلها في إيجاد الحلول المنتظرة منها، ومن ناحية أخرى تتلاعب بصورتها هي اليوم لتجعل منها صورة مثالية ونقية من المثالب والأخطاء بحيث يشعر المرء وكأنه في حضرة “قديسين” يضحون براحتهم وحياتهم الطبيعية في سبيل الوطن والشعب على طريقة الأنظمة التوتاليتارية التي ترى في كل عمل طبيعي على أنه إنجاز يستحق التطبيل والتزمير والتهليل لـ”الأب القائد” والزعيم الملهم. لا نقول هذا بهدف التقليل من مجهودات أحد خاصة وزير الصحة النشيط ولا شك في هذه الظروف العصيبة، بل لنقول أن الإستعراضات اليومية السخيفة لبعض المسؤولين العملية منها والإعلامية لم تعد تنطلي على أحد، فالناس ملت وهي بحاجة لإنجازات ملموسة في واقعها اليومي الصعب.

بدل عن ضائع

قد يقول قائل من حواريي هذه الحكومة بأنها لم تكمل بعد شهرها الثالث في السلطة وعلينا إعطاءها فرصة لتظهر مفاعيل ممارستها على الأرض، قد يكون هذا صحيحا لو أن الحكومة قد بدأت عملها إنطلاقا من رؤية واضحة لديها لمعالجة الأمور، ولكن هل بدأت هذه الحكومة بوضع الأسس للإصلاح المنشود الذي جاءت بإسمه إلى السلطة ؟ حتى اليوم لم نرَ أي قانون قد صُدِّق أو رؤية يجري العمل بموجبها لنصل إلى نتيجة، كل ما نراه هو تخبط وعشوائية وتسريبات لمشاريع قوانين هدفها جس نبض الشارع والأطراف السياسية ما يؤكد بأن لا رؤية ولا مشروع واضح لهذه الحكومة ما جعل الشعب اللبناني في وضعية حقل التجارب الذي يُرمى فيه كل يوم بتجربة جديدة في الوقت الذي لم يعد قادرا على تحمل التجارب وبات بحاجة فعلية وسريعة لتدخل جراحي ولو موضعي في البداية كي يستطيع متابعة مشوار العلاج الذي نعرف بأنه طويل، لكن الواقع لا يشي بشيء من هذا للأسف بل العكس هو الصحيح، فما نراه حتى اليوم ما هو سوى صورة طبق الأصل عن ممارسات الحكومات السابقة بتغيير في العنوان فقط بحيث يبدو الرئيس حسان دياب كبدل عن ضائع ينتظر الجميع عودته رغم كل جرعات الدعم المعنوي المعطاة له والتي كانت ممنوعة على من سبقه، وتبدو ممارسات الحكومة – ولو عن غير قصد ربما إن نحن أحسنا الظن – وكأنها تقوم على المقايضة وتبادل الخدمات بين أطراف التحالف الحكومي التي تأتي في سياقها الطبيعي ولو بدون تفاهم مسبق وبهدف حفظ التوازنات وتنفيس الإحتقانات كمثل أن نغض الطرف في موضوع وقف الرحلات من إيران في بداية أزمة كورونا مقابل موقفكم المهادن معنا في قضية الفاخوري مثلا، وتعطونا الضوء الأخضر للتعامل مع صندوق النقد الدولي مقابل تسوية حقوق صغار المودعين وسحب مشروع الكابيتال كونترول – مع أنه قيد التنفيذ الفعلي – وكذلك التعيينات من التداول، ونعطيكم في قضية المغتربين مقابل السماح لنا بإدانة قصف الرياض، وهكذا تبدو الأمور وكأنها مجاملات سياسية الهدف منها هو حفظ التوازن الدقيق بين الحلفاء وتفادي الأسوأ من جهة، وتمرير الوقت خاصة مع أزمة فايروس كورونا التي ضربت العالم بأسره وتنبىء بتغيرات في التعامل مع الأزمات من جهة أخرى، وهو ما بدأت تظهر بوادره في الإتفاق على رئيس حكومة في العراق مع إعادة إنتشار قوات التحالف الدولي برغم تصاعد التهديدات بين أميركا وإيران عبر أجنحتها العراقية، وفي اليمن عبر إتفاق لوقف إطلاق النار الأمر الذي ولا شك سيكون له إنعكاساته على المنطقة ومن ضمنها لبنان طبعا نظرا لإرتباطه الدائم بمشاكل المنطقة وتطوراتها سلبا كانت أم إيجاباً.

يجب العمل على بلورة مشروع موحد وخارطة طريق بين مختلف فئات الحراك لمواجهة عجز السلطة المتمادي وليكون بديلا تركن إليه الناس لإستعادة حقوقها المنهوبة

عجز السلطة المتمادي

في الإنتظار يجد الشعب اللبناني نفسه تائها وسط المشاكل بحيث جاءت أزمة كورونا لتزيد الطين بلة ولتستغلها المصارف للتضييق أكثر على الناس، وكذلك السلطة التي وجدت فيها متنفسا لها يقيها ضغط الشارع والناس وهو ما سارعت إلى إستغلاله وإقتلعت خيم الحراك من بيروت وطرابلس في محاولة لوأد الإنتفاضة التي ولا شك ستعطيها هذه الظروف الصعبة التي تمر بها الناس وقودا للإنطلاقة من جديد بعد جلاء غيمة كورونا، ولكن السؤال هو في مقابل تخبط الحكومة وعدم وجود مشروع واضح لها، ما هو مشروع الحراك أو الإنتفاضة للمرحلة القادمة؟

اقرأ أيضاً: خليل ريحان لـ«جنوبية»: التقاعس يؤدي إلى الإنفجار.. والحراك راجع

وهل يجري العمل في هذه الفسحة على بلورة مشروع موحد وخارطة طريق بين مختلف فئات الحراك لمواجهة عجز السلطة المتمادي وليكون بديلا تركن إليه الناس لإستعادة حقوقها المنهوبة وحقها بأن يكون لها كلمتها في تحديد مستقبلها، أم أن الأمر سيستمر على ما كان عليه من حراك بلا أفق واضح وبعناوين عريضة عامة غير مدعومة بآلية عمل واضحة وشفافة متفق عليها من الأغلبية، وبذلك تكون قد قضت على نفسها بنفسها وباتت تمثل الوجه الآخر للسلطة بعجزها مع الفرق بأن للسلطة إمكانياتها وأساليبها وتحالفاتها الخبيثة التي تستطيع عبرها الصمود بعكس الحراك أو الثورة التي إذا لم يكن لديها مشروعها المتفق عليه والمدعوم من الناس لا تستطيع الصمود والإستمرار .من هنا وكما هو مطلوب من السلطة والحكومة بلورة رؤية واضحة لمشروع الحل، كذلك هو مطلوب من ممثلي الحراك والإنتفاضة وإلا نكون كمن يدور في حلقة مفرغة فالوضع لم يعد يحتمل أنصاف الحلول والمماطلة فكل يوم يمر تزداد الهوة بين الطبقات وتضمر الطبقة الوسطى التي لطالما كانت وستبقى صمام الأمان لأي مجتمع سليم وصلة الوصل بين الطبقات الأخرى بحيث إذا ذابت تجد الطبقات الأخرى نفسها وجها لوجه ويقع الصدام الحتمي الذي لن يكون في صالح المجتمع وسيطيح بما تبقى من مظاهر الدولة التي تقوم على التكامل بين كل مكونات المجتمع بكل أطيافه السياسية والإجتماعية، ونكون عندها قد دخلنا نفق طويل لا يسهل الخروج منه بعدها.

السابق
جولة للجنة الصحة النيابية في المطار.. وعراجي: هناك إمكانية للاستمرار بعملية الاجلاء!
التالي
بلقيس شرارة في رثاء زوجها المهندس رفعة الجادرجي: «لحظة رحيله وفراقه قاتمة سوداء»!