من قتل «صائد العملاء في «حزب الله»؟

حزب الله

أُبلغنا من طهران، وعبر وكالات الأنباء الإيرانية، أن قيادي حزب الله، علي يونس، الذي قتل في وادي زوطر في جنوب لبنان عصر السبت الماضي، هو مسؤول مكلف بمتابعة ملف العملاء لإسرائيل. لا نعرف عن الرجل شيئا كثيراً قبل ذلك، بيد أن الكشف عنه بالصفة التي أُطلقت من إيران لا يمكن إلا أن تكون مرتبطةً بحدثين لافتين على علاقة بملف العملاء لإسرائيل الذي أعيد فتحه من جديد منذ قضية عامر الفاخوري أولا ثم مقتل مساعد له هو أنطوان الحايك ثانيا.
قبل ذلك، ومنذ الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان عام 2000، انتهج حزب الله سلوكاً يترك للقضاء اللبناني التعامل مع الحالات الفردية لشريحة غير قليلة من اللبنانيين، لا سيما الجنوبيين منهم، ممن تورطوا خلال سنوات الاحتلال الإسرائيلي بالعمالة لإسرائيل مباشرة، أو بالانخراط داخل الميليشيات اللبنانية الموالية لإسرائيل التي كانت تعرف باسم “جيش لبنان الجنوبي” الذي قاده الرائد سعد حداد ثم قاده بعد وفاته عام 1984 الجنرال انطوان لحد.
وفيما بدت أحكام القضاء اللبناني خفيفة مقارنة بالجرم الذي ارتكبه العملاء، بقيت قضية عودة المسيحيين الذين هربوا نحو إسرائيل بعد انسحابها من لبنان، وهم عائلات لمقاتلين عملوا في “جيش لبنان الجنوبي”، مسار جدل سياسي، لم يستطع القضاء اللبناني الحسم به، كما بقيت قضيتهم “قضية وطنية” لا حرمة في الدفاع عنها، طالما أنها من الأعلام التي يلوّح بها التيار الوطني الحر (حليف حزب الله) الذي تزعمه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، من ضمن خطابه المدافع عن حقوق المسيحيين في لبنان.
وللمفارقة فإن ملف العملاء لم يشغل حزب الله كثيراً، لا سيما منذ اغتيال رفيق الحريري عام 2005، من حيث رغبة الحزب في عدم حشد جمهوره بهذا الاتجاه، ودفعه باتجاه مشروع الهيمنة الكاملة على البلد، مع ما يتطلبه ذلك من حاجة لتجييش مذهبي شيعي سني يجاري الرياح التي أطلقتها جمهورية الولي الفقيه في إيران باتجاه المنطقة، لا سيما العراق وسوريا ثم لبنان.

إقرأ أيضاً: تعميم سلامة يلاقي صداه في «عودة»..طلب لإستفادة الزبائن!

والمفارقة أيضا أن ملف العملاء بات محرجا لحزب الله بسبب فضيحة اكتشاف شبكات ناشطة، ليس فقط داخل البيئة الشيعية المفترض أنها حاضنة للحزب، بل داخل صفوف الحزب نفسه وخطوطه القيادية الأولى.
بات أمر هذا الملف محرجاً أيضا بسبب ارتباط العمالة لإسرائيل بالدوائر المقربة من التيار العوني، لا سيما بعد اكتشاف الأجهزة اللبنانية عام 2010 ارتباط العميد المتقاعد فايز كرم بالموساد الإسرائيلي، علماً أن كرم كان مقربا من عون نفسه إلى حد أنه حضر اجتماعا واحدا على الأقل ضم عون بأمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله. وبات محرجاً أيضا بعد تمكن العميل الإسرائيلي عامر الفاخوري من دخول لبنان مؤخرا (بتسهيلات من مقربين من عون)، ثم الحكم ببراءته، ثم إخراجه من البلد بمروحية أميركية أقلته من مبنى السفارة الأميركية في عوكر قرب وزارة الدفاع اللبنانية.
لم تستطع تبريرات نصر الله إقناع اللبنانيين بأن حزب الله، الذي سبق أن سكت عن فضيحة فايز كرم وفضائح العملاء في صفوفه، لم يكن على علم بفضيحة الفاخوري. قيل إن الحرج أمام “جمهور المقاومة” كان كبيراً، وأن عملية قتل مساعد الفاخوري العميل انطوان الحايك في متجره في منطقة المية ومية بعد أيام على مغادرة الفاخوري لبنان (حديث عن أن لعلي يونس يد في عملية القتل)، كانت محاولة من الحزب لاسترضاء جمهوره عبر الإيحاء بأن قواه الضاربة ستسترجع هذا الملف من القضاء اللبناني.
مقتل علي يونس، بالرواية التي أعلنتها طهران وتم التصديق عليها لاحقا من قبل حزب الله في بيروت، يراد لها أن توحي أن الأمر جرى وفق قواعد صراع الحزب مع الموساد. بيد أن في حيثيات عملية القتل ما قد يفتح أسئلة جديدة حول صراع داخلي ما يتجاوز نسخة طهران الخبرية، ذلك أن العملية جرت بوقاحة وجرأة داخل منطقة عسكرية يهيمن عليها الحزب على نحو لن يقنع اللبنانيين برواية صدرت في طهران ويسعى الحزب لابتكار مخارج لها. ثم إن الرجل الذي كان مكلفا ملف العملاء قتل “غيلة” وفق بيان حزب الله الذي يكاد يعترف بأن القتل جاء غدراً من “داخل البيت”، وأنه جرت ترقية القتيل إلى رتبة مسؤول يتولى صيد العملاء، ذلك أنه زعم يتسق مع أبجديات المرحلة منذ نجاة الفاخوري وذرائعية نصر الله ومقتل الحايك في متجره.

السابق
تعميم سلامة يلاقي صداه في «عودة»..طلب لإستفادة الزبائن!
التالي
قضية الحلاق تتفاعل دولياً..مفوضية اللاجئين تداعيات حجر «كورونا» تطال النازحين!