كورونا يعيد روسيا إلى طاولة أوبك

مصطفى فحص

من دون تردد أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن بلاده مستعدة للتعاون مع الولايات المتحدة بشأن أسواق الطاقة. وأقر بوتين دون مواربة أن اجتماع الإثنين المقبل للدول المنتجة للطاقة الذي دعت إليه الرياض بعد التفاهم مع واشنطن سيؤدي إلى الاتفاق على خفض الإنتاج مجددا إلى أقل من 10 ملايين برميل، دون التطرق إلى إمكانية أن تكون الولايات المتحدة شريكة في اتفاقية خفض الإنتاج المقبل.

ففي السادس من شهر مارس الفائت لم يكن فيروس كورونا ضمن حسابات القيادة الروسية، التي قررت حينها قلب الطاولة على كبار منتجي النفط داخل منظمة أوبك أو خارجها، ولم يتردد وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك أثناء اجتماع منظمة “أوبك” في العاصمة النمساوية فيينا بالإعلان عن انسحاب بلاده من اتفاقية “أوبك بلاس” لخفض الإنتاج دون إبداء أي مرونة لفتح ثغرة للتفاوض. وهي مرونة كان من الممكن أن تحافظ على التوازن بين العرض والطلب، إلا ان موسكو حين قررت قلب طاولة الاتفاق مع الرياض رأسا على عقب ـ قبل أقل من شهر من الآن ـ تسببت بصدمة سياسية واقتصادية للدول المنتجة للطاقة.

مناورة الكرملين في اجتماع فيينا كانت واضحة على لسان الوزير الروسي وما قاله لنظيره السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان إن روسيا لا ترغب في خفض إنتاج النفط أكثر لأسباب عديدة، وبحسب وكالة بلومبرغ فإن “الكرملين قرر أن دعم الأسعار سيكون بمثابة هدية لصناعة الصخر الزيتي في الولايات المتحدة، وأن الوقت قد حان للضغط على الأميركيين الذين زادوا من حجم إنتاج النفط الصخري، بينما أبقت الشركات الروسية على نفطها في الآبار امتثالا لاتفاق خفض الإنتاج”.

المفارقة أن تصريح ترامب وليس سياسات الكرملين الاقتصادية، من بعث بعض التفاؤل في الأسواق الروسية

أزمة الكرملين حاليا أن رياح كورونا أتت بما لا تشتهي ناقلاته النفطية، وباتت السوق المالية والاقتصادية في روسيا مهددة بالشلل والانهيار. وما تسبب بالحرج الأكبر له أن الأسواق تنفست الصعداء ليل الخميس بعد تصريح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأن الرياض وموسكو من الممكن أن يعودا إلى اتفاق “أوبك بلاس” ولكن مع تخفيضات كبيرة في حجم الإنتاج هذا المرة تطال دول أخرى من خارج منظمة أوبك.

المفارقة أن تصريح الرئيس ترامب وليس سياسات الكرملين الاقتصادية، من بعث بعض التفاؤل في الأسواق الروسية حيث حسن الروبل من أدائه مقابل الدولار وارتفع إلى 77.5، كما تمكنت بورصة الأسهم الروسية في تداولات يوم الجمعة من تحقيق أرباح متواضعة نتيجة تحسن التداول في مؤشرات RTS وMOEX، وتسجيلها مكاسب متواضعة بنسبة 0.4 في المئة و0.3 في المئة.

اقرأ أيضاً: حرب الأسعار رسالة سعودية مزدوجة إلى روسيا ومنتجي النفط الصخري

قبل التفاؤل بفعل تدخل واشنطن بين الطرفين (الرياض وموسكو وتلويحها بإمكانية عقد اتفاق مع الرياض ينقذ أسعار الطاقة)، كانت بورصة الخام الروسي قد اقتربت من مرحلة الاحتضار خصوصا بعد تدني سعر برميل “urals neft” إلى أدنى مستويات له منذ عقدين، حيث وصل سعره في شمال غرب أوروبا على عقود الأول من أبريل أقل من 11 دولار، فيما وصل سعره على موانئ البحر المتوسط إلى 12.79 دولار، بينما كان متوسط سعره قبل قرار موسكو الخروج من اتفاق “أوبك بلاس” في 6 مارس أكثر من 50 دولار.

جرس الإنذار قرعته باكرا الشركات الروسية العملاقة بعدما تأثرت الأسواق العالمية بتداعيات فيروس كورونا، ففي اجتماع عُقد في 23 مارس بين وزير الطاقة الروسية ورؤساء شركات الطاقة الروسية من أجل تنظيم زيادة الإنتاج بداية شهر أبريل، فرض فيروس كورونا حضوره الثقيل وتمكن من قلب الطاولة على الوزير الذي كان قد قلب الطاولة على نظرائه في فيينا قبل أسبوعين، فكورونا التي أدخلت الاقتصاد العالمي في ركود تاريخي تركت بصماتها مباشرة على إنتاج الشركات الروسية، حيث علق رئيس شركة “tatneft” نايل ماغانوف لوكالة تاس الروسية  “من الصعب زيادة الإنتاج في ظل مثل هذه الظروف ويجب أن تكون هناك جدوى اقتصادية، وإذا لم يكن هناك فيروس كورونا فمن المؤكد أنه المعنى اقتصادي لزيادة الإنتاج كان موجودا”.

أعباء جديدة سيضيفها كورونا على مشاريع الكرملين المتعثرة والمصابة الآن بشلل صحي وسياسي

في موسكو حضرت كورونا وغابت العنتريات في اجتماع الحكومة يوم الأربعاء الفائت، وقال الرئيس الروسي بوتين “إن على الدول المنتجة والمستهلكة للنفط على حد سواء العثور على حل يمكن أن يحسن الوضع في أسواق النفط العالمية”، ولكنه أقر أن التوصل إلى مثل هذا الاتفاق لم يزل صعبا. 

موقف بوتين الجديد في وضح النهار يمحو ما قاله رجل الكرملين القوي عرّاب خروج روسيا من اتفاقية خفض الإنتاج رئيس شركة “RussNeft ” إيغور سيتشين بأن تعاون موسكو لسنوات مع منظمة أوبك سمح لمنتجي النفط الأحفوري في أميركا بالسيطرة على حصة من سوق النفط.

أعباء جديدة سيضيفها كورونا على مشاريع الكرملين المتعثرة والمصابة الآن بشلل صحي وسياسي، وهو بحاجة لقوة عالمية تعيد له بعضا من توازنه الاقتصادي، ففي عالم ما بعد كورونا لم يعد ممكنا اللجوء إلى المناكفات الدولية من أجل فرض الحضور، حيث من المرجح أن معادلات القوة ستتشكل بأساليب وأدوات تختلف عن تلك التي كان يستخدمها الكرملين.

السابق
بشرى سارة.. ارتفاع عدد المتعافين من «كورونا» إلى 54 وإخراج 7 مصابين إلى العزل المنزلي
التالي
في البداوي.. مخالفات لقرار التعبئة العامة والجيش يتحرك!