أعلن سقوط القنيطرة واستلم الرئاسة ليقلّد بشار الحكم.. رحيل خدّام «نائب الأسد المتمرد»!

عبد الحليم خدام
تعرف بيروت خدام جيداً كما تعرفه دمشق، فهي التي اختبرت استلامه للملف اللبناني ودوره البارز خلال الحرب الأهلية والتحضير لاتفاق الطائف وحتى اتهام أتباعه بخطف الإمام الصدر.. وفي رحيله اليوم تطوى صفحة من تاريخ المنطقة ممثلة برجل اسمه «عبد الحليم خدام»

نهاية عام 2015، هنا مجلس الشعب السوري ليس كعادته، خطابات عُدّت على عجل وتسطير لآخر سطور عبد الحليم خدام في نظام الأسد، وها هو بعد خمسة عشر عام يرحل في المهجر أو “المنفى” وينعاه من كانوا رفاقاً لدربه في البعث وحقول السياسة الملأى بالألغام.

“الخائن” “العميل” “دافن النفايات الكيماوية” وغيرها من التهم التي ألقيت على الهواء مباشرة في جلسة بثتها الشاشات العربية لنواب البرلمان السوري ينعتون نائب رئيس الجمهورية بشار الأسد وأبرز وجوه الحرس القديم في زمن والده عبد الحليم خدام.

خدام
صورة قديمة لخدام برفقة حافظ الأسد في جلسة للأمم المتحدة

الملجأ كان باريس ومن هناك، أطلّ خدام بعد أشهر على اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري ليظهر بثوب الناجي الوحيد من القارب المتهالك ويؤكد أن بشار الأسد وراء اغتيال الحريري وتغيير خارطة السياسة السورية – اللبنانية بل الإقليمية لسنوات قادمة.

خدام وسقوط القنيطرة

يذكر السوريون جيداً صوت خدّام حين أعلن عبر الإذاعة السورية نبأ سقوط القنيطرة بيد القوات الإسرائيلية حين كان محافظاً للقنيطرة، ويعلمون جيداً أن بيان العار الذي ألقي حينها عبر الأثير سبق سيطرة قوات الكومندوس على المدينة بثمانية عشر ساعة، ما عدّ بيعاً للمدينة وتسليماً من قبل الأسد لمفاتيحها، وفي أعقاب إذاعة بيان المحافظ عبد الحليم خدام أصدر وزير الدفاع السوري أمراً إلى القوات السورية المتقدمة حتى طبريا بالانسحاب الفوري وهذا الانسحاب العشوائي تسبّب بمقتل عشرات الجنود والضباط بينما سهّل للقوات الإسرائيلية السيطرة على المنطقة.

خدام
صورة لعبد الحليم خدام أثناء مشاركته بالانتخابات

تسليم السلطة

انتقل خدام إلى حماة فدمشق فوزارة الاقتصاد ثم الخارجية، وتقلّد أهم منصب في سوريا وهي الرئاسة بالوكالة لمدة 37 يوم بعد وفاة حافظ الأسد ليكون الشخص الوحيد الذي تسلم الرئاسة من خارج دائرة الأسد منذ عام 1970، ولكنه شهد على أسوء تعديل دستوري في تاريخ البلاد، حيث أقرّ في اليوم التالي لوفاة حافظ الأسد تعديل المادة 83 من الدستور لتلائم ترشيح بشار الأسد نجل الرئيس لمنصب الرئاسة.

وصدر القانون رقم 9 بتاريخ 11/6/2000 القاضي بتعديل المادة المذكورة التي تحدد عمر المرشح لرئاسة الجمهورية بإتمامه الرابعة والثلاثين من عمره بعد أن قام بترقية العقيد بشار الأسد إلى رتبة فريق وتعيينه قائداً عاماً للقوات المسلحة.

إقرأ أيضاً: إنشقّ عن الأسد وأكّد ضلوعه باغتيال الحريري.. من هو عبد الحليم خدّام؟

خدام وعهد بشار

لم يتوقف دوره المحوري مع استلام بشار لزمام السلطة بل أمسك الملف العراقي، وحذر قبل شن الحرب على العراق من رسم خارطة جديدة للشرق الأوسط، وقال “إذا نشبت حرب فإن ذلك سيرسم خريطة جديدة للشرق الأوسط، ولكن ليس بالشكل الذي تسعى إليه الولايات المتحدة”. لتخرج بعدها اتهامات أميركية لنظام الأسد بدعم دخول الإرهابيين من الحدود السورية إلى العراق وحامت حولها الشبهات حول تورط خدام في ذلك الملف الذي بقي شائكاً لسنوات.

امتدّ دور خدام الإقليمي إلى لبنان منذ عهد الأسد الأب والهيمنة السورية على القرار السياسي في البلد الجار الذي لم يسلم من حكم آل الأسد طوال خمسين عام مروا، لتكون حادثة اغتيال رفيق الحريري هي اللحظة التي غيرت مسار حياة خدام السياسية، بعد أن خرج على الملأ ليتهم نظام بشار الأسد ومن خلفه حزب الله وإيران في تدبير العملية، وعلى مدى السنوات الماضية لم يتوقف خدام عن التصريح بما يراه عملية متسلسلة من قبل نظام الأسد في تصفية الشهود والمشاركين في عملية اغتيال الحريري، أبرزها كان في الهجوم الذي شنه على الأسد بعد اغتيال رستم غزالي.

خدام
صورة لخدام أثناء تسلميه الرئاسة لبشار الأسد

الصراخ من المنفى

تفاءل خدام بتمرد المعارضة السورية على نظام الأسد ووصف ذلك بتعب الجهاز العسكري السوري من خدمة النظام المهترئ وأن قدرة المعارضين ستمتد لتشمل كل البلاد، معلناً مبكراً أن النظام يدار من قبل ضباط إيرانيين وأن إيران ارتكبت خطيئة كبرى في تدخلها بسوريا.

وفي منفاه أسس عام 2006 جبهة الخلاص الوطني التي تضم معارضين سوريين أبرزهم جماعة الإخوان المسلمين التي أعلنت انسحابها منها غداة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة نهاية الشهر الأخير من عام 2008.

إقرأ أيضاً: جماعة عبد الحليم خدام في لبنان شاركت بخطف موسى الصدر ورفيقيه

أما النظام فتأخر في محاكمة خدام حتى عام 2008 حيث أصدرت المحكمة العسكرية الجنائية الأولى بدمشق قرارها رقم 406 بتاريخ 17 آب 2008 بالحكم غيابياً على خدام 13 حكما بالسجن لمدد مختلفة أشدها الأشغال الشاقة المؤبدة مدى الحياة. و ذلك بتهم مختلفة أبرزها «الافتراء الجنائي على القيادة السورية والإدلاء بشهادة كاذبة أمام لجنة التحقيق الدولية بشأن مقتل رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، وكتابات وخطب لم تجزها الحكومة السورية»، كما اتهمته «بالمؤامرة على اغتصاب سلطة سياسية ومدنية وصلاته غير المشروعة مع العدو الصهيوني والنيل من هيبة الدولة ومن الشعور القومي»، وشمل ذلك الحجز على أمواله واموال أفراد عائلته جميعاً المنقولة وغير المنقولة وفق قرار صدر عن وزير المالية حينها محمد الحسين.

رحيل تلوَ الرحيل

خدّام رجل السياسة السوري المحنك الذي قيل أنه خُدِع كي ينشق، على أن يسلم مقاليد السلطة في دمشق وكذبت الوعود، غادر المشهد السياسي السوري قبل أن تفضح جرائم الأسد علانية في استبداده بقتل الشعب منذ عام 2011، لكنه ومع ذلك لم يحز ثقة السوريين الذين وجدوا فيه شريكاً لنظام فاسد لخمسة وثلاثين عاماً لن يشفع له حينها انشقاق مبكر في تاريخ الدائرة المقربة لآل الأسد، لتكون بيروت كما دمشق شاهدة على رجل ذكي تشرّب فكر الأسد الأب حتى النخاع وأدى خدمته للقصر الرئاسي على أكمل وجه، لكنه انسحب حينما شعر أن المركب يحترق وأن زميل السياسة لسنوات رفيق الحريري قد اغتيل لأنه فقط عاند سيد القصر الجمهوري في المهاجرين.

السابق
للراغبين بالعودة الى لبنان.. اليكم آلية الحكومة وشروطها!
التالي
شمس النهار تنقلب أمطاراً موحلة ليلاً.. اليكم طقس الأيام القادمة!