«فخامة» الرئيس نبيه بري!

يمسك الرئيس نبيه بري بمفاصل الدولة ورئاساتها الثلاث ويكمل انقلابه "الناعم" على حكومة دياب ليسقطها ويسقط معها مفاعيل ثورة 17 تشرين الاول وليحصن تحالفه مع الحريري وفرنجية وجنبلاط.

لطالما كان الرئيس نبيه بري ينتمي إلى “ترويكا” سياسية، شكلت سمة الحكم في لبنان منذ أن إعتلى عرش المجلس النيابي قيل نحو ثلاثة عقود.

غير انه آثر في عهد الخصومة السياسية الأعلى مع الرئيس ميشال عون، ان يمارس لعبته السياسية منفرداً بما يشبه تكريساً للنظام البرلماني، بعدما حصن ساحته مسيحياً ودرزياُ وسنياً، معطوفاً على هامش كبير من ثنائيته، ليصبح دولة الرئيس بصلاحيات ذاتية، فخامة الرئيس لا بل أقوى من يسيطر على” دولته العميقة”، يحكم بما يملك ولا يملك،  ويتحول إلى رقم صعب في الحل والربط.  

اسقاط حكومة دياب يتطلب بعض الوقت والعودة الى معادلة السلطة ما بعد الطائف هو ما يسعى اليه بري كسبيل يعتقد انه سيفتح له ابوابا داخلية موصدة وخارجية مغلقة

يتقدم الرئيس بري المشهد السياسي، يبدو الرئيس الفعلي للبلاد، مشروع “الكابيتال كونترول”، خرج من عين التينة الى طاولة مجلس الوزراء، ثم عاد وسُحب بايعاز من الرئيس نبيه بري، باشارة منه وعبر وزير المالية غازي وزنه الذي بدا محرجا امام زملائه ورئيس الحكومة، حين طلب سحب المشروع الذي كان هو نفسه من قاتل في سبيل اقراره.

سطوة بري

رضخ رئيس الحكومة، حين برر وزنه ما قام به، ان الرئيس بري هو من طلب سحبه، لم يعترض اي من الوزراء، ومرّ امر الرئيس بري بيسر وسلاسة وتسليم. 

تقدم الرئيس بري المسؤولين، في مطالبته معالجة قضية اللبنانيين العالقين خارج لبنان، والطلاب الراغبين بالعودة من دول اوروبية وغيرها، بسبب انتشار فايروس “كورونا”، فضلا عن معالجة ازماتهم المالية التي سببها عجز ذويهم عن مدهم بالمال بسبب ما هو معروف عن ازمة السحوبات والتحويلات الى الخارج في البنوك اللبنانية.

إقرأ أيضاً: حكومة دياب تعيث فساداً ومحاصصة وقمعاً تحت جنح..«الكورونا»!

الرئيس بري تمددت سطوته نحو فرط ملف التعيينات لنواب حاكم مصرف لبنان، وهيئة الرقابة على المصارف، لم يكن الوزير السابق سليمان فرنجية ليعترض على التعيينات لاسباب تتصل بالاخلال بالمحاصصة، لولا القابلية ان لم يكن التشجيع من قبل الرئيس بري على هذا الموقف، وهو ما يفسر مسارعة “الثنائية الشيعية” الى ابلاغ الرئيس ميشال عون بتضامنها مع موقف فرنجية، بحسب ما نقلت معلومات صحافية عن اوساط الثنائية قبل يومين. وهو ما ادى فعلا الى تأجيل التعيينات في جلسة مجلس الوزراء الاخيرة.

غياب كامل لعون

يتقدم الرئيس بري على رأس الحكومة الجميع، لا يجاريه الرئيس ميشال عون شبه الغائب عن المسرح السياسي الفاعل، ولا رئيس الحكومة بالطبع، الذي لم يظهر منه ما يوحي انه رئيس بين ثلاثة، يمسك بري بقواعد السلطة مستفيدا من دعم “حزب الله” تحت مظلة الثنائية وعقدها السياسي والطائفي، وفي الوقت نفسه يحفر لهذه الحكومة تمهيدا لدفنها. الصيغة التي قامت عليها الحكومة لا تطمئن الرئيس بري، على رغم نفوذه الأول فيها، لكنه يدرك ان هذا النفوذ ظرفي، طالما ان قواعد السيطرة والنفوذ في حلقة مفتوحة، غير مغلقة، وقابلة للانفراط والتعديل. 

يمسك بري بقواعد السلطة مستفيدا من دعم “حزب الله” تحت مظلة الثنائية وعقدها السياسي والطائفي وفي الوقت نفسه يحفر لهذه الحكومة تمهيدا لدفنها

العودة الى المرحلة السورية بما هي استعادة لحلف عماده وليد جنبلاط والحريرية السياسية الى جانب سليمان فرنجية، هو ما يسعى بري اليه، لاستكمال عملية الانقلاب الكامل على كل نتائج انتفاضة 17 تشرين من جهة، وطي المرحلة العونية التي صار “حزب الله” اقلّ حماسة لتبنيها بالكامل، فيما الرئيس بري يبقى الأكثر قربا وتآلفا مع قواعد السلطة التي ترسخت بعد الطائف، من “العونية السياسية” وما تحمله من مشروع تقويض لهذه السلطة، او ما يمكن ان يحمله انهيارها ايضا من خطر ضرب سلطة ما بعد الطائف.

ضرب استقلالية الحكومة المزعومة

الرئيس بري هو الوحيد بين المسؤولين، الذي يُصر في كل وقت وبكافة الطرق ولو عبر تهشيم وزير المالية الذي سماه، على القول ان حكومة دياب ليست حكومة مستقلين، فيستخدم الوزير وزنه لاظهار تبعيته وتبعيتها باكثر من الواقع الفعلي، يستمر في فتح القنوات مع الرئيس سعد الحريري، ووليد جنبلاط، لا يقرّب سمير جعجع كثيراً لكن لا يعاديه، يحتضن فرنجية ويستمر في فرضه كشريك مسيحي في السياسة والمحاصصة، والهدف الانقلاب على حكومة دياب من جهة، وفي سبيل معادلة حكومة ترتكز الى حلف لم يزل راسخا منذ الطائف، ويعتقد المقربون من بري، انه الأكثر رسوخا في المجتمع اللبناني الذي لم يألف “العونية السياسية” ولا حكومة المستقلين المدعاة. 

اسقاط حكومة دياب يتطلب بعض الوقت، والعودة الى معادلة السلطة ما بعد الطائف، هو ما يسعى اليه بري كسبيل يعتقد انه سيفتح له ابوابا داخلية موصدة، وخارجية مغلقة، طالما ان الضحية سيكون رئيس الجمهورية وجبران باسيل.

السابق
حكومة دياب تعيث فساداً ومحاصصة وقمعاً تحت جنح..«الكورونا»!
التالي
أسرار الصحف الصادرة في بيروت صباح اليوم السبت 28 آذار 2020