الكرملين في مواجهة ثنائية كورونا والطاقة

الكرملين

في بداية الأسبوع الثاني من شهر مارس وبعد تخلي موسكو عن اتفاقية (+ OPIC) التي أدت إلى انخفاض أسعار النفط بنسبة مئوية أدنى مما كانت عليه في السنوات الثلاثين الماضية، كان من المتوقع أن يؤثر ذلك على قيمة العملة الروسية ويؤدي إلى انهيار سعر صرف الروبل مقابل الدولار، وهو ما أدى إلى تخوف أوساط اقتصادية روسية من أن تتكرر الانهيارات المالية التي جرت في شهر أغسطس 1998 والأزمات الأخرى التي حدثت في أعوام 2008 و2014، إلا أن الروبل تمكن من الصمود المحدود وحافظ على سعر يتراوح ما بين 78 و80 روبل للدولار الواحد في الأسبوع الأخير من هذا الشهر.

على الأرجح، فإن القدرة على السيطرة النسبية على سوق الأوراق المالية الروسية يعود، بحسب الخبراء الاقتصاديين، إلى تجربة موسكو في التعامل مع الأزمات السابقة نتيجة أزمات في سوق الطاقة أو نتيجة للعقوبات الأميركية التي فُرضت على روسيا، كما لم يعد مستبعدا أن الكرملين الذي قرر الخروج من اتفاق (+ OPIC) كان يعتمد على أمرين: الأول احتياطي السيولة البالغ حوالي 150 مليار دولار، وزيادة في إنتاج النفط لتلبية الأسواق العالمية بأسعار منافسه، تغطي جزءا من التزامات الميزانية العامة للدولة، إلى أن يتمكن الكرملين من تحسين شروطه الاقتصادية في قطاع الطاقة مع واشنطن والرياض.

ثنائية كورونا والطاقة انتزعت من بوتين أوراقه الرابحة التي كان يعول عليها لدعم مشروع حكمه إلى ما بعد 2024

موسكو التي خططت لحرب أسعار بوجه الرياض، لم تأخذ بعين الاعتبار تأثير فيروس كورونا وتحوله إلى وباء عالمي مما أدى إلى أضرار ضخمة في الأسواق العالمية وخصوصا في قطاع الطاقة، حيث انخفض الطلب العالمي على النفط والغاز، ما أدى إلى سحق الأسعار في البورصات العالمية، حيث وصل سعر خام برنت إلى ما دون 26 دولار، مع مخاطر كبيرة من انخفاض أكبر على العقود الآجلة، وهو مرتبط أيضا بارتفاع المخاوف من زيادة العرض في بداية شهر أبريل، بعدما تعهدت كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بزيادة الإنتاج.

مما لا شك فيه أن جائحة كورونا قد عرقلت خطط الكرملين المستقبلية خصوصا الداخلية المرتبطة في إعادة تكليف فلاديمير بوتين حكم روسيا إلى 2036، بعد الإعلان عن تأجيل الاستفتاء على التعديلات الدستورية التي كان من المقرر إجراءها في 22 أبريل المقبل إلى أجل غير مسمى.

بعد شهر من إعلان روسيا عن حالتها الأولى، أعلن بوتين عن عطلة وطنية مدفوعة الأجر لمدة أسبوع اعتبارا من 30 مارس لتشجيع الروس على البقاء في منازلهم بهدف الحد من انتشار فيروس كورونا، وقال بوتين في كلمته التي وجهها للروس “لا تفكروا، أن هذا لا يمكن أن يحدث لي، يمكن أن يحدث لأي شخص، أهم شيء هو البقاء في المنزل”.

وفقا للإحصاءات الرسمية، خلال شهر من اكتشاف أول حالة في روسيا لم تعترف الجهات الرسمية إلا بوجود 648 إصابة بفيروس كورونا وثلاث وفيات فقط. ولكن في الأيام الأخيرة، بدأت الرواية الرسمية حول عدد الإصابات تتغير بعدما حذر يوم الثلاثاء الفائت رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة فيروس كورونا عمدة موسكو سيرجي سوبيانين من أن البلاد تواجه “وضعا خطيرا” ومن الممكن أن تتضاعف الأعداد المصابة ثلاث مرات بين عشية وضحاها. 

اقرأ أيضاً: «القديسة كورونا»..تعرّفوا عليها؟

عملية الترقيع الاقتصادي تحت ضغط كورونا وأزمة أسعار النفط قلّصت خيارات الكرملين الاجتماعية والاقتصادية

تحذيرات السلطة تتقاطع مع ما قاله عالم الأوبئة في المدرسة العليا للاقتصاد الدكتور فاسيلي فلاسوف لجهة أنه “قد يكون انتشار المرض في روسيا في مراحله الأولى فقط، وأضاف “إما أن يكون الوباء قد بدأ للتو هنا أو أنه ينتقل بين السكان بشكل معتدل، النسخة الثانية أقل احتمالا، مما يعني أننا يجب أن نستعد لتفشي المرض”.

عوارض كورونا على الأوضاع المعيشية في روسيا دفعت بوتين إلى الإعلان عن إعانات مادية لبعض الأسر خصوصا التي يوجد لديها أطفال بقيمة 5000 روبل إضافية أي ما يعادل (44.80 دولار) شهريا من الحكومة لكل طفل دون سن 3 سنوات، كما أعلن بوتين عن قرار لحماية الموظفين من خلال اعتبارهم في إجازة مرضية ما يمنحهم الحق بالحصول على الحد الأدنى للأجور حتى نهاية العام.

عملية الترقيع الاقتصادي تحت ضغط كورونا وأزمة أسعار النفط قلّصت خيارات الكرملين الاجتماعية والاقتصادية وحصرت إمكانياته الضئيلة أصلا في التحرك تجاه الحالات الأكثر حرجا اجتماعيا مثل المتقاعدين والأسر التي لديها أطفال، والطلب من البنوك إعطاء مدة سماح لسداد القروض الاستهلاكية والرهون العقارية، أما الشركات الصغيرة فستحصل على تأجيل دفع بعض الضرائب لمدة ستة أشهر.

مما لا شكل فيه أن ثنائية كورونا والطاقة انتزعت من بوتين أوراقه الرابحة التي كان يعول عليها لدعم مشروع حكمه إلى ما بعد 2024 بعدما بات مجبرا على تأجيل ما كان يعرف بالمشاريع القومية الكبرى تحت ضغط هذه الثنائية وما تسببت به من نزيف حاد في الميزانية الروسية.

السابق
من يتآمر على شيعة العراق؟
التالي
بري يحسمها.. وداعا «كابيتال كونترول»