السؤال الذي طرحته سهى بشارة

عامر الفاخوري

الهدية التي قدمتها الممانعة لـ”الإمبريالية” والمتمثلة بالإفراج عن آمر سجن الخيام السابق عامر الفاخوري، ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، فمن فترة ليست بعيدة أقدم النظام السوري، وهو على رأس قائمة “دول المواجهة”، على إهداء تل أبيب رفاة عميل الموساد إيلي كوهين، في عملية أكثر تشويقا من تلك التي شهدناها في مشهد الإفراج عن فاخوري.

قائمة الهدايا طويلة، واستعراضها غير مجدٍ، ذاك أن استدراج أهل الممانعة لسجالهم حول علاقتهم التي تفوق علاقة أي من خصومهم بـ”الإمبريالية” ستكون مستحيلة، ولن يعقبها سوى صمت الوجوه المسحوب ماؤها، والمنتظرة انقضاء زمن الفضيحة الذي لن يتعدى الأيام القليلة، لتعود بعدها وتستأنف صراخها في سياق المواجهة المتوهمة!

على هذا النحو جرى ابتذال قضية عادلة، هي القضية الفلسطينية. النظام السوري تولى قتل وتشريد الملايين من السوريين مستعينا بهذه القضية. و”حزب الله” علق بلدا وأشعل نزاعاتٍ أهلية في أكثر من دولة مستعينا أيضا بخرافة مواجهة يشعلها حين تقتضي حاجة مذهبية، ثم يعود ويساوم عليها في أسواق المبادلات غير المشرفة.

قَدِم فاخوري إلى لبنان لأنه شعر أن بإمكانه اليوم العودة

والحال أن “حزب الله” وحلفاؤه هم أكثر قابلية لتقديم الهدايا من خصومهم السياسيين والمذهبين في إقليمنا البائس هذا، ذاك أن خصومهم لا يملكون شيئا لمبادلته، وهم إذا ما كانوا يملكون، فسيف التخوين حاد ومخيف في دول البؤس التي أنشأها الحزب ورعاته في هلالهم.

لنتخيل مثلا أن سعد الحريري هو من أطلق فاخوري! لقد أُسقطت حكومته في اللحظة التي كان يلتقي فيها باراك أوباما من دون أن يأخذ إذنا من الحزب. “حزب الله” هو الوحيد الذي يأذن بمهام من هذا النوع، وهو، إذ يخوض مواجهة مع واشنطن وتل أبيب، وحده المخول تقديم الهدايا، وحين يفعلها، لا يقيم وزنا لـ”قيم الصراع”، بل لا يتردد بابتذال هذه القيم وبشطب وجوه حامليها، ممن يأنون ألما جراء مساوماته.

بالأمس ختمت المعتقلة السابقة في سجن الخيام سهى بشارة مقالا كتبته عن واقعة الإفراج عن عامر فاخوري بسؤال أعتقد أنه مفيد لمن يبحث عن أسباب الإفراج عن آمر سجن الخيام، وهو: لماذا قَدِم الفاخوري إلى لبنان؟

سجل الرجل حافل بالأسباب التي تفترض عدم قدومه، ولبنان اليوم تحكمه سلطة يمتلك فيها “حزب الله نفوذا، لم يمتلكه في كل تاريخه! وأن يقرر فاخوري أن يعود في زمن “حزب الله” وفي ظل تمدد نفوذه إلى كل أسلاك الدولة، لا سيما منها الأمنية والقضائية، فهذا يعني شيئا يجب التفكير به، لكي نفسر قصته كلها.

قَدِم فاخوري إلى لبنان لأنه شعر أن بإمكانه اليوم العودة. وثمة من قدم له ضمانات، ومن قال له إن الدولة هي دولتنا، وصار بإمكانك العودة. لكن حظ الرجل العاثر وضعه في المطار أمام رجل أمن يعرفه، وهذا الأخير سرب خبر عودته إلى جريدة الأخبار، القريبة من “حزب الله” من يساره، فكان أن نشرت الجريدة الخبر من خارج ضوابط الحزب التحريرية، ومثّل الخبر فضيحة لم يتمكن الحزب من استيعاب تبعاتها، فأقدم الأمن العام على توقيف الرجل بعد قضائه خمسة أيام في رحاب بلده، وبرعاية حلفاء الحزب.

إذا أراد المرء أن يجيب عن سؤال سهى بشارة، فله أن يقول إن عامر فاخوري، ومن قال له إن بإمكانه زيارة لبنان، التقطوا لحظة يعرفون أن بإمكانهم فيها تمرير زيارة آمر سجن الخيام إلى لبنان. وما أربك القصة كان صدفة عابرة جرى تصويبها لاحقا بقرار الإفراج عنه.

اقرأ أيضاً: «تحية للبطل».. عامر فاخوري!

القضية ليست أكثر من واقعة في بازار مساومات ليس للقيم مكان فيها على الإطلاق

“حزب الله” دأب منذ قدوم الفاخوري إلى لبنان وتوقيفه لاحقا إلى التنصل من القصة والقول إن وقائعها جرت من دون علمه! والحال أن من صدق رواية الحزب وهم كثر على ما يبدو، ومن بينهم من فضح خبر العودة الميمونة للفاخوري إلى بلادنا، عاد وصُدم بالإفراج عنه. لدغ المؤمن من نفس الحجر مرتين! وكان قبلها قد لُدغ من حجر رفاة إيلي كوهين، ومن اللقاءات المتعاقبة بين بنيامين نتانياهو وفلاديمير بوتين على وقع الغارات الإسرائيلية على مواقع “حزب الله” في سوريا.

الاقتناع بأن قدوم فاخوري إلى لبنان جرى من دون علم الحزب، وقرار الإفراج عنه صدر من وراء ظهره، لن يكون مهمة سهلة، وكنا لنسجل لمن تولى الكشف عن خبر وصوله إلى لبنان سذاجة “إيجابية” لجهة حمله قيما لا تقبل بهذه العودة، لولا توليه تبرئة الحزب من العودة إلى لبنان، ومن مغادرته له سالما غانما.

المهمة تتطلب اعتداء على الذكاء وطلبا بحجم قبول المؤمن اللدغة مرات ومرات. القضية ليست أكثر من واقعة في بازار مساومات ليس للقيم مكان فيها على الإطلاق.

السابق
«كورونا» دخل مرحلة «الفيروس المتنقل».. هلع وزير الصحة ليس من عبث!
التالي
منسوب خطر «كورونا» ازداد.. تشدد بالاجراءات وحظر التجول «على الطاولة»!