«مستقبل الثورة»..طاولة نقاش «عميقة» في «بيت المستقبل»

امين الجميل بيت المستقبل
يبدو ان "الثورة ان حكت" تُخرج من جعبتها الكثير مما يُقال أو حتى ما لا يُقال. الناشطون والمنظرون حائرون يفكرون ويتبصرون في ثورتهم خلال لقاءات وحلقات نقاش و حوار صاخبة تعج والآراء المتضادة، في محاولة جدية لتحديد ماهيتها وتلمس الطريق آليات النضال في سبيلها ومن أجل ديمومتها، إنطلاقاً من الثورات الناجحة او مشاريعها وصولاً إلى نماذجها الفاشلة، التي تشكل بمجملها دروساً تخط خارطة الطريق إلى مستقبلها.

يشهد لبنان حلقات نقاش حول مستقبل الانتفاضة في اكثر من منطقة ومن اكثر من جهة أو مجموعة منتمية الى الانتفاضة التي أُصطلح على تسميتها “انتفاضة 17 تشرين”. ولعل السؤال الذي يشغل معظم هذه الحلقات يتصل بفهم ماجرى ويجري في لبنان في ظل هذا الحراك الشعبي، ووسط الأزمة الخانقة بابعادها السياسية والاقتصادية والمالية، وكيف يمكن لجم المسار الانحداري للدولة وتحقيق الشعارات والأهداف التي تتركز حول التغيير في إدارة السلطة ونظام المحاصصة.

نقاش في” بيت المستقبل”

من بين حلقات النقاش هذه، نظم “بيت المستقبل” في بكفيا 20 شباط (يشرف عليه الدكتور  سام منسى) ضمت مجموعة من الخبراء والباحثين و الإعلاميين و الناشطين في اطر الانتفاضة ومن بعض السياسيين ممن هم خارج السلطة اليوم. ادارت اللقاء الناشطة سارة اليافي، التي قدمت عرضا موجزا لمظاهر الأزمة التي تتسم بأزمة مالية واقتصادية ونقدية عميقة، و تردي البنى التحتية وتراجع الخدمات، ارتفاع غير مسبوق في نسب البطالة، وازدياد الفقر الذي طال 40 في المئة من اللبنانيين، وتحكم الفكر المافياوي في إدارة السلطة، أزمات مستحكمة من الفساد وعدم الفاعلية في قطاعي الماء والكهرباء.

في هذا المستوى المتشعب من الأزمات في السلطة، ثمة بعد آخر يتصل بالانتفاضة او الثورات وفرص التغيير، من هنا عرضت اليافي لسمات تاريخية، تتصل بالسياسة والاجتماع والثورات التغييرية، ذلك أنّ ما رصدته الباحثة على هذا الصعيد، خلص الى ان الحروب والمجاعة والامراض حصدت منذ بداية القرن العشرين ما لم يحصده من أرواح هذا “الثالوث” على امتداد التاريخ، ولفتت الى أنه في ال120 سنة الأخيرة شهد العالم عددا من الثورات فاق عددها خلال ثلاثة الاف عام سبقت القرن العشرين”.

 نماذج الثورات الناجحة وياخذ النقاش “الثوروي” إلى مكان  ما يفرض التأمل والبحث في الواقع اللبناني، هو أن “الثورات الناجحة كانت قليلة”. وهذا ما يدفع الى سؤال حول ماهية الثورة؟

هي عملية عنفية أو غير عنفية، تهدف الى تغيير السلطة بغاية تحقيق العدالة الاجتماعية ورفع الظلم، وتهدف الى تغيير في العلاقات الخارجية للدولة”.

امين الجميل: فقدان الحوكمة الرشيدة في لبنان كما الغياب التام للسلطة في مواكبة الأزمة الحالية طوال فترة طويلة تسببت بالمأساة الإقتصادية والمالية والإجتماعية والحياتية الراهنة

و لايمكن إغفال النقاش لمسالة تهرب السلطة دائما من مواجهة الشعب الذي يثور، لذا تتجه نحو وصف الثوار بالمندسين أو انهم يعبرون ويمثلون مصالح خارجية غير وطنية.

هذا التوصيف الذي تعتمده السلطات في مواجهة الثورات عليها، يأتي لتبرير العنف والقمع ضدها. أمرٌ آخر لا يمكن تغييبه أيضاً  هو أن “ثمة مفهوم خاطئ يتردد دائماً، هو أن البؤس والفقر هو الذي يولد الثورات، وهذا مخالف للواقع” كما تشير الباحثة اليافي، التي تؤكد أن “اللاعدالة والفقر لا يولدان الثورة، بل أن الثورات تحصل في المجتمعات المتوسطة الدخل”.

وذكرت في هذا السياق “الثورة الكوبية بقيادة فيديل كاسترو، حيث ان الثورة التي نجحت في كوبا كانت في اكثر الدول المتقدمة في اميركا اللاتينية في ذلك الحين أي مطلع الستينيات من القرن الماضي. الثورات هي نتيجة عمل وجهد النخب، لكن من هي النخب؟ النخب هي الفئة الوسطية بين السلطة وعموم الشعب، أصحاب المناصب والفئة الاقتصادية المنتجة او النقابية والنخب الفكرية والسياسية وغيرهم، فكلما كانت هذه النخب متحالفة مع السلطة كلما بقيت السلطة حتى لو كان الشعب في فقر مدقع وبؤس ومظلومية”.

شروط كي لا تذهب هباء

ويخلص النقاش الى ان نجاح الثورات يستند الى السياسة وليس الاقتصاد، وبالتالي فان نجاح الثورات يتطلب ثلاثة شروط:

  • بناء تحالف واسع لكل فئات المجتمع المعارضة .
  •    يجب على الثورة ان تحصل على الشرعية الدولية.
  •   الثورة يجب ان تكون متوجهة ضد نظام فاسد اوليغارشي ومافياوي.

من هنا الانتفاضة اللبنانية يمكن ان تكون أهم ثورة في تاريخ لبنان ويمكن ان تذهب هباء، وتسييس الثورة ليس انتهاكا لها بل شرط أساسي لنجاحها، ولا يجب الاستهانة بما فتحته من آفاق وطنية ومن تفاعل بين المناطق والطوائف وخلقت أرضية مشتركة لم يعهدها اللبنانيون في أوقات سابقة.

وشكل عنوان العنف واللاعنف مجالا للجدل في حلقة النقاش وبيّن  الزميل قاسم قصير “مخاطر الانتفاضة العنفية، او الثورة التي تسعى للتغيير العنفي” فاكد ان “العنف في لبنان يعني الحرب الأهلية، مشددا على ان التغيير السلمي من داخل النظام هو السبيل الوحيد لتحقيق اهداف التغيير الإيجابي”.

العنف مسؤولية السلطة

وفيما اعتبر بعض المشاركين أن العنف هو مسؤولية السلطة بالدرجة الأولى ولا يمكن تحميل الانتفاضة في لبنان مسؤولية العنف،  شددوا على ان خيار العنف او اللاعنف تفرضه الوقائع وليس خيارا يمكن حسمه والتحكم به، فنجاح الثورة قد يتطلب في مرحلة ما عنفا، وقد يتطلب في موقف آخر لاعنف.

وسأل بعض المتحدثين عن أعداء الثورة الذين توجههم، معتبرا ان الثورة تواجه منظومة مافيا هي عبارة عن عائلات حزبية مافياوية حوّلت نظام المشاركة الطائفية الى نظام محاصصة، من هنا فان الانتفاضة اللبنانية عليها مواجهة اكثر من ديكتاتور تكون سلطة منظومة الحكم، وخلص البعض الى أن منظومة الحكم هذه تستقوي بسلاح حزب الله وسلطته الذي يحمي هذه السلطة ويحتمي بها.

هذا ما فتح النقاش الحاد حول سلاح حزب الله حيث وصف الزميل  نديم قطيش “طبيعة السلطة في لبنان اليوم، انها تقوم على نظامين، نظام شرعي ونظام سلاح حزب الله”، واعتبر “ان الانتفاضة حرصت ان لا ترى سلاح حزب الله وان تحيّده لكن حزب الله لم يحيّدها”.اعتبر الناشط  شارل سابا أن السلاح له فرع في كل الطوائف وليس حصرا في الفرع الشيعي”، واعتبر ان “الثورة الحالية كما سماها اقتصادية واجتماعية، ويجب تحويلها الى ثورة سياسية. واعتبر ان الهدف الذي يجب التركيز عليه الآن هو الانتخابات النيابية المبكرة من اجل احداث تغيير ولو جزئي في البرلمان”.

مشاركة سياسية لافتة

واللافت انه تخلل اللقاء مداخلات  لعدد من المشاركين في الحلقة من بينهم الوزير السابق قيومجيان والنائب السابق أحمد فتفت والشيخ محمد حسين الحاج والدكتور بول حتي، فيما قدم الرئيس السابق أمين الجميل مداخلة افتتاحية قال فيها أن “فقدان الحوكمة الرشيدة في لبنان، كما الغياب التام للسلطة في مواكبة الأزمة الحالية طوال فترة طويلة، تسببت بالمأساة الإقتصادية والمالية والإجتماعية والحياتية الراهنة”.

واعتبر ان “المصارف اللبنانية، وبإيعاز من الدولة ومصرف لبنان تعمدت الى حل مشكلة السيولة وتمويل الخزينة العامة من وعلى حساب ودائع المقيمين والمغتربين في تلك المصارف، الأمر الذي كان له انعكاسات خطيرة على صدقية تلك المصارف والمؤسسات الرسمية في الداخل والخارج”.

السابق
لا إصابات للعلاج من «كورونا» إلاّ في مستشفى الحريري.. وحالة المريضة مستقرة
التالي
«التيار البرتقالي» يقمع الناشطين بالدعاوى.. 9 منهم أمام فرع المعلومات غداً!