سليماني «نصباً» في مارون الراس.. بدعة إيرانية تحت عنوان «لا تعرف عدوك»!

قاسم سليماني
لا يكاد اللبنانيون ينامون على بدعة إيرانية، حتى يصحون على "أبدع"منها ، ضمن حلقات مسلسل "الغزوة الثقافية" التاريخية الغريبة عنهم، التي بدأت منذ الثمانينيات على أيدي متعهديها من الحرس الثوري في البقاع الى الشخصيات الدينية الأتية من قم وصولاً إلى "حزب الله" بتركيبته الأفقية والعمودية.

آخر المفاجآت

وآخر المفاجآت ولعل ليس أخرها، رفع تمثال لقائد فيلق القدس قاسم سليماني في بلدة مارون الراس الجنوبية، على الحدود مع فلسطين المحتلة، في مشهد مستهجن لكونه لم  يألفه حتى أبناء المنطقة فكيف باللبنانيين، ذلك أنه  بعد ان سيطرت الأيديولوجية الإيرانية وتحكمت في المفاصل الدينية والسياسية والاجتماعية من خلال “حزب الله”، لم يسبق أن ثُبت نموذجا من التجسيم لشهداء ينتمون الى رموز مسيرة حزب الله، كالسيد عباس الموسوي أو عماد مغنية او مصطفى بدر الدين، ولا لرموز مسيرة ولاية الفقيه كالامام الخميني او حتى الاحياء منهم كالمرشد علي خامنئي او السيد حسن نصرالله وسواهم من الذين يحظون بالولاء ويتصدرون القيادة الدينية او السياسية. وبطبيعة الحال لم يسبق ان قامت جهة سياسية او دينية بتجسيم اي من رموزها في الجنوب.

اقرأ أيضاً: علي الأمين: وجود سليماني يتجاوز أهمية وجود نصرالله.. والمشروع الإيراني وصل إلى نهاياته!

ظاهرة النُصب

ربما برزت ولا سيما في المناطق ذات الغالبية الشيعية او التي يسيطر حزب الله على الحياة السياسية والاجتماعية فيها، ظاهرة النُصب والصُور الضخمة لشخصيات حيّة وميتة والشعارات المخططة فنياً التي ترمز الى الشهداء والقادة ولكن من دون ملاحظة وجود تماثيل من الحجر او الخشب والبرونز أوغير ذلك من المواد التي يُصنّع من خلالها التمثال عادة. وربما يعود ذلك الى ان المشهور لدى المراجع الدينية الشيعية انه لا يجوز تصوير او تجسيم “ذوات الأرواح” وحتى الراحل الامام الخميني الذي يمثل المرجعية المؤسسة لمنظومة ولاية الفقيه في كتابه تحرير الوسيلة، ورد فيه انه “يحرم تصوير ذوات الأرواح من الانسان والحيوان اذا كانت الصورة مجسمة كالمعمولة من الأحجار والفلزات والاخشاب ونحوها والاقوى جوازه مع عدم التجسيم وان كان الأحوط تركه…” موقف الامام الخميني على هذا الصعيد لا يختلف عن معظم المراجع الشيعة الذين يذهبون الى تحريم التجسيم وهو التمثال الكامل كما هو الحال في تمثال سليماني على الحدود الجنوبية اللبنانية. لكن ثمة تعديل جرى على فتوى السيد علي خامنئي الذي كان يتبنى فتوى الخميني، لكنه عاد قبل عامين واجرى تعديلا أباح فيه التجسيم والتماثيل على أنواعها. ولكن يبقى هذا الرأي مخالفا للشائع من فتاوى المراجع الشيعة على هذا الصعيد.

المشهور لدى مراجع الشيعة ومنهم الخميني تحريم التجسيم وخامنئي تفرد…

في صورة التمثال التي يبدو فيها سليماني يشير باصبعه الى فلسطين المحتلة أو القدس، ما يطرح التساؤل حول أسباب عدم وضع هذا النصب وعلى الطريقة نفسها في العراق وفي اتجاه السفارة الأميركية ومن ورائها فلسطين، كما لم يتم نصبه في سوريا التي دفع فيها سليماني سيلا من الدماء في سبيل الدفاع عن نظام الأسد، حتى ايران نفسها لم تقم قيادتها وحرسها الثوري بهذه الخطوة، لبنان المكان السهل والمباح ومن دون أي بيان يصدر عن الجهة التي قامت بنصب التمثال في حديقة ايران في مارون الراس!.

محاكاة سليماني لجنود البصرة

يتضح من التمثال ووضعية الوقوف والاشارة بيده، أنها تتماهى هي  نفسها مع تلك التي وضع النظام العراقي السابق برئاسة صدام حسين عشرات التماثيل المنصوبة لجنود يقفون على شاطئ مدينة البصرة ويشيرون بايديهم الى ايران، وهي تماثيل ترمز للحرب العراقية الإيرانية وللعدو القادم من الشرق، كما يرمز المشهد الى منطقة شط العرب التي شهدت سقوط الالاف من الجنود العراقيين خلال هذه الحرب التي امتدت من العام 1980 الى العام 1988. لا يمكن للمراقب الا ان يربط بين المشهدين بين تمثال سليماني الذي يشير الى فلسطين المحتلة وتماثيل الجنود العراقيين الذين يشيرون الى ايران. استنساخ النموذج لا يمكن ان يكون عفوياً، فعلى رغم النفوذ الإيراني في العراق، الا أن تماثيل الجنود العراقيين انها رمزت الى مرحلة من العداء بين البلدين،، وقد ازالها الاحتلال الاميركي في عام ٢٠٠٣ علماً أن الانصاب والتماثيل التي كان صدام حسين مفتونا بها وبنصبها على امتداد الجغرافيا العراقية قد ازيل معظمها وتحديدا، تلك التي ترمز الى “عظمته” والى سيرة حزب البعث الذي كان يحكم العراق.

في التمثال محاكاة لمشهد تماثيل الجنود العراقيين على شط العرب وهم يشيرون الى الشرق… إيران

اقرأ أيضاً: علي الأمين يفنّد الوضع السياسي بعد مقتل سليماني: لا يمكن لـ«حزب الله» سد الفراغ!

لا يخفى على مصمم تمثال سليماني هذه المحاكاة لمشهد الجنود العراقيين الذين يصوبون نحو ايران، فيما سليماني يحدد البوصلة نحو فلسطين، وهي محاكاة لا تخلو من رسالة سياسية، وان كانت ملتبسة سيما أن سليماني برز كقيادي خاض معارك على امتداد العراق وسوريا، وهما الدولتان اللتان شهدتا بروز هذا القائد الايراني في الحروب العربية الذي رأى الكثيرون له صوراً ومشاهد قتالية ضد تنظيم داعش أو ضد المعارضة السورية، فيما لم تظهر له ايّ صور تكشف عن انهماكه في قتال إسرائيل على الحدود مع الجولان السوري المحتل او حتى في جنوب لبنان، كما كان الحال من مشاهد متداولة في المواجهات التي كان يقودها في الحرب السورية او في عملية تشكيل وقيادة الحشد الشعبي في العراق.

السابق
فريق من الصندوق الدولي الى لبنان.. قريبا!
التالي
ما حقيقة زيارة موفد رئيس الحكومة إلى السعودية؟