البُعد الإقليمي يعود بقوّة إلى الملعب اللبناني

علي لاريجاني

شكّل استحضارُ البُعد الإقليمي – الدولي في الوضع اللبناني، عشية أسبوعٍ مالي بامتياز يفترض أن يضع ما يشبه «الحجر الأساس» لكيفية شقّ طريق الخروج من الحفرة المالية، تطوراً بالغ الدلالات سرعان ما أحيا علامات الاستفهام حول واقعية الرهانات على الفصْل بين مسار الإنقاذ الشائك وبين «حقل الأشواك» السياسي الذي تَعمّقتْ البلادُ بالتوغل فيه مع ولادة حكومة اللون الواحد التي يُعتبر «حزب الله» قاطرتَها الرئيسية مع فريق الرئيس ميشال عون والتي وُلدت في رحم الغالبية البرلمانية «الصافية» التي يُمْسكان بها.

إقرأ أيضاً: شخصية إيرانية تصل بيروت.. آتية من دمشق!

وفيما كان الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله يَعتبر أن «الكلام التحريضي عن أن هذه حكومة (حزب الله) يؤذي علاقات لبنان العربية والدولية»، تأتي زيارة رئيس مجلس الشورى في إيران علي لاريجاني لبيروت التي وصل إليها مساء أمس، لتكتسب أهميةً خاصة، باعتبار أنها ستحمل أول مبارَكة خارجية مباشرة للحكومة الوليدة، في وقت يشكّل التموْضع السياسي للتشكيلة الجديدة على خطّ النأي بالنفس وتَفادي التخندق في المحاور الإقليمية، أحد أبرز معايير المجتمع الدولي لمدّ يد المساعدة لبيروت في مسيرة الإفلات من السقوط المريع.

واعتبرت أوساطٌ واسعة الاطلاع عبر «الراي» أن الاندفاعةَ الإيرانية في اتجاه لبنان بعد أقلّ من أسبوع على نيْل حكومة الرئيس حسان دياب الثقة، لن تشكّل عاملاً «مريحاً» لـ«بلاد الأرز» التي ما زال المجتمعان العربي والدولي يتعاطيان بحذر مع التحوّل السياسي الذي شهدتْه بعد استقالة الرئيس سعد الحريري تحت وطأة ثورة 17 أكتوبر ويضعانها «تحت الاختبار» على المستوييْن السياسي كما الإصلاحي الشَرْطي لوقف الانهيار الكبير الذي بدأت مقدماته.

ولاحظتْ أن تدشين طهران حلقة الاحتضان الخارجي للحكومة الجديدة في وقت يعدّ دياب لجولة عربية – خليجية كان أعلن أنه سيقوم بها منذ تكليفه، تزامنتْ مع 3 إشارات بارزة تشي بأن تعقيدات المحيط والمواجهة الأميركية – الإيرانية ستسبّب «متاعب» لمحاولاتِ لبنان تأهيل نفسه للاستفادة من الدعم الخارجي، وهي:

* أوّل إطلالة سعودية رسمية على الواقع اللبناني الجديد اكتسبتْ دلالاتها من المناسبة التي استظلّتها وهي ذكرى اغتيال الرئيس رفيق الحريري، حيث غرّد نائب وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان عبر «تويتر»، قائلاً: «رحل رفيق إلى جوار ربّه، وستبقى رؤيته ومشروعه الوطني الذي يصبو لتحقيق الاستقرار والازدهار والتعايش في مواجهة مشاريع الميليشيات الطائفية التي لا تؤمن بالوطن ولا كرامة المواطن».

وأضاف: «استشهد قبل 15 عاماً رفيق الحريري. كان قائداً وطنياً مصلحاً، قاد مسيرة إعادة الإعمار وتحقيق الاستقرار في وطنه وابتعث الآلاف من أبناء شعبه من مختلف الطوائف». وتابع، «اغتالته ميليشيات الغدر الإيرانية التي ضاقت ذرعاً به، وبمشروع النهضة الوطني الذي كان يدافع عنه، فهي لا تعرف إلا ثقافة الدمار».

* تظهير واشنطن المزيد من الإصرار على المواجهة مع إيران وأدوارها وأذرعها في المنطقة، وهو ما أكمله، بعد وزير الخارجية مايك بومبيو، وزير الدفاع مارك اسبر الذي حمّل المشاكل التي تحصل في لبنان ومنطقة الشرق الأوسط لإيران، لافتاً الى أنه «منذ 1979 قام هذا النظام بنشر سلوكه الخبيث في كامل الشرق الأوسط خصوصاً في أماكن مثل لبنان لسنوات طويلة وفي اليمن وأفريقيا وأفغانستان أيضاً».

وتوقف الوزير الأميركي عند «ما يحصل في لبنان وفي العراق وفي إيران حيث خرج الشعب الى الشارع ليقول كفى للفساد وكفى لنفوذ إيران في بلادنا»، قبل أن يشير رداً على سؤال حول موضوع دعم صندوق النقد الدولي للبنان جراء أزمته الاقتصادية «نعم بكل وضوح أترك هذا الأمر الى وزارة الخارجية التي تُعتبر المسؤولة عن هذا الجزء من الأمر»، كاشفاً أنه في ما يتعلق بالدعم الأمني «لدينا التزامات كثيرة مع القوات المسلحة اللبنانية وسنستمر بهذه الالتزامات في كل مرة نرى فيها شرارة حرية وبأن هناك شعباً يريد حقوقه الفردية».

* مواقف نصرالله في ذكرى قادة من حزبه وأربعين اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس والتي حملتْ «عنْفاً كلامياً» شديداً ضدّ إدارة الرئيس دونالد ترامب «رأس الأفعى وأعلى مصداق للشيطنة والتوحش والإرهاب والاستعلاء والعتو والإفساد في الأرض»، وإن مع تراجعاتٍ بارزة عن عنوان «إخراج أميركا من كل المنطقة» لمصلحة «مقاطعة بضائعها أو شركاتها» من ضمن «جبهة مقاومة شاملة كبرى ومتنوعة» يشكّل حمْل البندقية احدى مساحات المواجهة فيها، وذلك تحت سقف «المرحلة الجديدة التي يجب أن ندخلها بعد جريمة اغتيال اللواء سليماني وإطلاق صفقة القرن».

واعتبر أن «الوحش المتغوّل والطاغي الأميركي يستخدم لفرض هيْمنته كل الوسائل من اغتيالات وحروب مباشرة أو بالوكالة والعقوبات والضغوط الاقتصادية والحصار وفتْح ملفات قضائية»، لافتاً إلى «أن على شعوبنا المواجهة في كل هذه المساحات وليس فقط المواجهة المسلحة علماً أن أميركا لم تترك مجالاً لأحد إلا ليحمل بندقيته»، قبل أن يدعو الشعب العراقي ليتمسّك بالحشد الشعبي «ومواصلة العمل لإخراج الأميركي من العراق».

وفي الشق اللبناني وبإزاء «الظرف الخطير والصعب جداً جداً جداً المالي والاقتصادي» وفي معرض إشادته بالحكومة الجديدة «وشجاعة رئيسها ووزرائها هي التي تعمل لمهمة شبه مستحيلة»، أكد وجوب فصْل الواقع المالي عن الصراع السياسي بين الأحزاب والكتل والزعماء و«لنعط فرصة زمنية معقولة للحكومة ولنقدّم جميعنا الدعمَ لها لأنها إذا فشلت فلن يبقى أحد ليعود على حصان أبيض ويشكل حكومة جديدة»، داعياً إلى «عدم الاستسلام لليأس او الخارج وأن تشكل الحكومة لجنة نقاش من الكتل من موالاة معارضة لأن الأولوية إنقاذ الوضع الذي يتهدد الجميع»، وواصفاً الكلام عن أن هذه حكومة «حزب الله» بأنه «تحريضي وكذب ويؤذي لبنان وعلاقاته العربية والدولية».

وفي موازاة ذلك، لفت كلامٌ للمديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا (عشية وصول بعثة خبراء من الصندوق إلى بيروت لتقديم مشورة للحكومة)، عَكَس الترابط بين المالي والسياسي، إذ قالت رداً على سؤال حول أهمية علاقة لبنان مع واشنطن بالوصول إلى معالجة لوضعه «من المهم جداً للبنان الحصول على الدعم من منظمات مثل صندوق النقد ولكن أيضاً الحصول على دعم الدول المؤثرة وهذا مهم ليس فقط لأنهم في النهاية سيحتاجون للدعم المالي بل ايضاً لأنهم يحتاجون لإظهار قدرتهم على قلب مصير البلاد».

السابق
هذا ما جاء في مقدمات نشرات الأخبار المسائية لليوم16/2/2020
التالي
إليكم أسرار الصحف المحلية الصادرة اليوم17 شباط 2020