ثورة لبنان و…الطائفية

الثورة اللبنانية

منذ اندلعت الثورة في لبنان في 17 أكتوبر، حاولت الطبقة السياسية الحاكمة إطفاءها بالطائفية التي طالما اعتمدتها رافعة في وجه كل تغيير وكل مساءلة وكل إصلاح.

إن محاولات وأد الثورة بالطائفية لم تتوقف يوما، بدءا بصراخ مناصري “حركة أمل” و”حزب الله” الخارجين من محلّة زقاق البلاط “شيعة شيعة شيعة”، مرورا بإعطاء استقالة الرئيس سعد الحريري واعتذاره عن عدم تشكيل حكومة جديدة، طابعا استهدافيا للطائفة السنية، وصولا إلى اعتداء مناصري “التيار الوطني الحر” على شابين طرابلسيين لوجودهما في كسروان “قلعة الموارنة”.

وهذه المحاولات دفعت بالبعض إلى الاعتقاد بأن الثورة ستوصل اللبنانيين إلى حرب أهلية جديدة مما يعيدهم صاغرين لإطاعة “الأخطبوط الحاكم” نفسه، ولكن خاب اعتقاد هؤلاء، فالثورة التي شكلت ظاهرة لبنانية عابرة للطوائف، نجحت في إحباط “الفتنة”، من خلال مسارعة ناسها إلى احتضان بعضهم البعض الآخر، بحيث رفعت كسروان، مثلا، راية من اعتُدي عليهم باسمها، فتحوّل الشاب وليد رعد الذي جرى تصويره وهو يُشتم ويُضرب ويُهان، رمزا من رموز الثورة.

ونجاح الثورة في إحباط الخطط الطائفية للطبقة الحاكمة، قد يكون أهم إنجازاتها على الإطلاق، حتى تاريخه، لأن غالبية الأمراض المستعصية التي يعاني منها لبنان تجد جذورها في توسّل السياسيين للطائفية.

الجوع لا يفرق بين طائفة وأخرى، وحقوق الطوائف لا تقوّي الليرة هنا والدولار هناك

والأدلة على ذلك كثيرة، بدءا بنوعية الرؤساء والوزراء والنواب والمدراء العامين والقضاة والقادة الأمنيين، مرورا بالعوائق التي ترتفع عاليا في وجه المساءلة والمحاسبة، وصولا إلى توزيع الخدمات والاستثمارات و…الصفقات.

ولولا الطائفية لما تمكّن “حزب الله” من السيطرة على لبنان، فهو، بعدما أحكم الطوق على الطائفة الشيعية بتصفية “اليسار” بداية وإخضاع “حركة أمل” لاحقا، نجح في فرض نفسه لاعبا حاسما على امتداد البلاد، وبات عبور أي كان إلى السلطة يمر حكما به.

وتعتقد الطبقة السياسية الحاكمة، وعن حق، أن الطائفية عامودها الفقري، وكل تجاوز لهذه الطائفية يرسم بداية نهايتها، ولذلك هي تصر على إبقاء الميدان الطائفي حاميا.

من هنا، فإن ما تقوم به الثورة لجهة إحباط محاولات الإثارة الطائفية يصب في خانة هدفها المعلن، وهو تغيير الطبقة السياسية الحاكمة، وإسقاط النظام القائم عليها.

وبات لبنان موضوعيا جاهزا لذلك، فالجوع لا يفرق بين طائفة وأخرى، وحقوق الطوائف لا تقوّي الليرة اللبنانية هنا والدولار الأميركي هناك، وكرامة الطائفة لا تعزّز الوظائف في هذه المنطقة وتضاعف البطالة في منطقة أخرى، وكذلك الحال بالنسبة لودائع المصارف ولتلوث البيئة ولاستشراء الفساد ولتسيّد السخفاء ولأحلام الهجرة ولارتفاع منسوب الإحباط.

تعتقد الطبقة السياسية الحاكمة، وعن حق، أن الطائفية عامودها الفقري

إن التدقيق في أسباب المأساة اللبنانية الراهنة، يسمح باعتبار توسّل الطائفية في السياسة “أم المصائب”، فـ”حزب الله”، مثلا، يلبي أوامر “فيلق القدس” في سوريا واليمن والعراق، باسم الطائفية، فذهابه إلى سوريا الذي جلب على لبنان مصائب المقاطعة الخليجية ورفع من نسبة تدفق اللاجئين السوريين إلى “بلاد الأرز”، توسّل شعارات طائفية بامتياز.

وتقع حكومة حسان دياب التي أخذت على عاتقها مهمة “مواجهة التحديات”، تحت سقف هذه الطائفية، بحيث التزمت بالقواعد التي أملاها عليها صانعوها، فهي في موضوع الكهرباء الذي يعد أحد أهم مصائب لبنان، وفق تأكيدات “مجموعة الدعم الدولية للبنان”، التزمت بالخطة التي سبق ووضعها “التيار الوطني الحر” الذي يرفع لواء قوة المسيحيين في السلطة، في حين أنها في موضوع سلاح “حزب الله” المتدثر تحت اسم “المقاومة”، التزمت بالنص الحرفي الذي سبق وأملاه “حزب الله” على الحكومات السابقة، وهذا كان قد جرّ على لبنان ويلات عربية وأوروبية وأميركية، في وقت يدرك الجميع أن الخروج من الحفرة يحتاج إلى رافعة عربية وأوروبية وأميركية.

وإذا كان يرتقب، لأسباب كثيرة بينها تلك التي ذكرت أعلاه، أن تزيد حكومة حسّان دياب “الطين بلّة”، فإن الثورة المستمرة في لبنان، لا مخارج لها تحقيقا للانتصار، سوى أن ترفع من منسوب تصدّيها للطائفية لأنه مع إسقاط هذه العلّة، لا يكون الفاسد محميا، ولا تبقى المصالح حصصا، ولا تستمر الثروات مزارع، ولا يتبجّح السياسي أميرا، ولا يبقى مجلس النواب مصادرا، ولا تكون “المقاومة” طائفة، ولا تعود الحكومة مجلس ملل.

اقرأ أيضاً: إنتموا إلى هذه الأحزاب!

السابق
عون حسمها.. تحركات الثوار ممنوعة!
التالي
واشنطن واثقة بخوض حكومة حسان دياب مفاوضات الحدود مع إسرائيل