صَفعة… القرن!

مخيفة "صفقة القرن". هي لم تطرح لتطبّق، بل لتكشف مأساة شعوب يقتلها دوي الشعارات... الفارغة.

على الأرجح ستسقط “فرصة القرن” كما يسميها الإسرائيليون أو “صفقة القرن” كما يسميها الفلسطينيون.

الأسباب التي ترجّح السقوط كثيرة أهمها أن القيادات الفلسطينية ـ وهي منقسمة ومتناحرة ومتقاتلة ـ أضعف من السير بأي اتجاه “تسووي”، فيما الدول المعنية بفلسطين نوعان، أولهما “استغلالي”، أي أنه يتخذ من المواقف الجذرية المتصلة بفلسطين وإسرائيل، غطاء لبسط هيمنته على الدول العربية التي يتسلّل إليها، وثانيهما، “خائف”، أي أنه يفضّل أن يبعد عنه شبح التماهي مع الموقف الأميركي، بما يتصل بالملف الفلسطيني، حتى لا يوقظ “الخلايا” التي يمكن أن تقض عروشه.

إذن، التصور الأميركي لحل الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني، سيبقى، وفق المعطيات الحالية مجرد تصوّر، فيما سيعتلي “الغارقون في غرام فلسطين” منابر المزايدة والتحدّي والتهديد.

ولكن “جبهة الصمود والتحدي” هذه ستحاول أن تمنع البصيرة من أن تُمعِن النظر في معاني إقدام الإدارة الأميركية على طرح هذا التصوّر الذي تصفه بأنه تصفية للقضية الفلسطينية.

لن تصل فلسطين إلى ضفة آمنة إن لم يقو فيها التيار الذي يرفع عاليا لواء “فلسطين أولا”

في الأدبيات الأميركية أن هذا التصوّر، الذي قدمه الرئيس دونالد ترامب، هو تصوّر “واقعي” يستند إلى “موازين القوى”، أي أن الأقوى يأخذ والأضعف يؤخذ منه.

أمام هذا المعطى، تبرز أسئلة كثيرة عن مصير الشعارات الرنّانة التي لا يتوقف “محور الممانعة” عن تردادها، لجهة تأكيد امتلاكه القدرة اللازمة على “محو إسرائيل” التي هي “أوهن من بيت العنكبوت”، إذ كيف يُعقل، والحالة هذه، أن تقدم واشنطن التي تخشى على إسرائيل، على اعتماد تصوّر “ظالم” من شأنه أن يثير غضب “الغارقين في عشق فلسطين” الذين لديهم “فيلق القدس” بفروعه اللبنانية والسورية والعراقية، خصوصا وأن هذا “الفيلق” ينتظر الفرصة السانحة للرد المزلزل على اغتيال قائده الجنرال قاسم سليماني؟

-2-

إن لبنان، من خلال اللاجئين الفلسطينيين، معني بـ”صفقة العصر” التي يمكنها أن تكون أحد أوسع الأبواب للتوطين المحظور دستوريا.

ومن الطبيعي أن يكون لبنان، في هذه الحالة، في مقدّم الدول الرافضة للمقاربة الأميركية “السلمية”.

ومن البديهي أن يكون لبنان الذي أمضى عقودا من الزمن يحذّر من “مؤامرة التوطين” قد استعد لمواجهة اللحظات الحاسمة.

وفي سياق هذا الاستعداد، لم يترك لبنان وسيلة إلا واعتمدها لتحصين نفسه ومؤسساته وشعبه.

وفي هذا الإطار، قام المسؤولون اللبنانيون، بكل ما يلزم حتى يكون صوتهم مسموعا ومحترما، في المنتديات العالمية وفي المنظمات الدولية.

وعلى هذا الأساس، جرى تحصين الدولة فانتهت الدويلات، وعمّ الإصلاح مؤسساته فاقتلع الفساد، وجرى تفعيل صوت الناس فتصلّبت ديموقراطيته، وسهر الجميع على صيانة وظائفه الرائدة، فازدهرت مصارفه وتألّقت سياحته، وحرّر نفسه من الحاجة إلى أي مساعدة خارجية، فلم تعد أي دولة، مهما كانت عظيمة، تملك القدرة على أن تضغط عليه، وتصدّر الاهتمام بالوحدة الوطنية كل الأجندات، فخسر “المتآمرون” فرصة التسلل إليه من خلال التصدّعات.

الدول المعنية بفلسطين نوعان، أولهما “استغلالي”، وثانيهما “خائف”

ولهذا، فإن لبنان الذي انتقل من العصر السوري الذهبي إلى العصر الإيراني الألماسي، قادر على المواجهة، فهو محصّن إقليميا، وهو محترم دوليا، وهو يملك ما يكفي من الموارد الذاتية التي تحميه من ويلات “لعبة الأمم”.

ويكفي أن يلقي المراقبون نظرة سريعة على مواقف مسؤوليه المحصنين بثقة المواطنين، وعلى تغريدات “ممانعيه” المتألقين بإنجازات قلّ نظيرها، وعلى ما يقال من على منابره المحمية بصدقية عالية حيث تتواءم الأقوال مع الأفعال، حتى يدرك هؤلاء المراقبون أن أحدا لا يستطيع أن يُلوي يد “بلاد الأرز” ويمرر “مؤامراته الشيطانية” على شعب مطمئن لغده وراض بحاضره.

وما يصح على لبنان، يصح على كل دول الممانعة، بدءا بسوريا التي استفادت من ديكتاتورية مزمنة حتى ترسي نظام البحبوحة والعدل والتطور، مرورا بالعراق الذي استفاد من إمكاناته المذهلة حتى يلحق بركاب العمالقة، وصولا إلى إيران التي كانت، ومن أجل فلسطين، قد تخلّت عن أحلام الطغيان على الإقليم، من أجل أن يحين يوم التصدي والتحرير.

اقرأ أيضاً: الصفقة الأميركية ـ الإسرائيلية وقضية السلام

-3-

مسكينة فلسطين.

قضيتها تخسر ميدانيا كل يوم، على الرغم من محاولات نصرتها.

حاولت كل شيء: الحرب من جبهات بديلة. الحرب من جبهات داخلية. تفخيخ شبابها وشاباتها. مؤتمرات سلام. مبادرات سلام. غصن الزيتون في يد والبندقية في يد أخرى.

كل شيء لم يوصل إلى نتيجة. دائما كان هناك من يدخل على الخط لينتزع منها المبادرة. المزايدات أضعفتها ورمتها ضحية على قارعة صراعات السلطة وصراعات النفوذ وصراعات الهيمنة.

لن تصل فلسطين إلى ضفة آمنة إن لم يقو فيها التيار الذي يرفع عاليا لواء “فلسطين أولا”.

هي الضحية الأولى والدول الأخرى ضحايا لحقتها بسبب النهج نفسه. لبنان، سوريا، اليمن والعراق، لم تعد أفضل من فلسطين.

مخيفة “صفقة القرن”. هي لم تطرح لتطبّق، بل لتكشف مأساة شعوب يقتلها دوي الشعارات… الفارغة.

في العمق هي “صفعة القرن”.

السابق
هذه هي الطرق الجبلية السالكة والغير سالكة!
التالي
صراع على تقاسم لبنان في صفقة القرن الروسية- الأميركية