مصارف المقاومة

جمعية المصارف اللبنانية

التحالف بين الأنظمة السياسية الفاسدة والمستبدة وبين مصارف جشعة تملكها نخب اقتصادية تشكلت في محيط هذه السلطة وبرعايتها، هو أحد الأسباب الرئيسة لحال الإفلاس الذي تعيشه دول مثل لبنان وسوريا والعراق.

ولعل هذه الدول الثلاث التي تتشابه في وجود منظومات مسلحة تعمل في موازاة سلاح الدولة وفي رعايتها، هي نفسها أيضا شهدت عمليات سطو على مدخرات الناس وعلى ودائعهم، وذلك في سياق بحثها عن سبل لتمويل فسادها واستبدادها بعد أن نضبت مصادر تمويل كانت نشأت في ظلها.

المصارف اللبنانية كانت حجر الرحى في الدول الثلاث، تماما مثلما كان لـ”السلاح اللبناني” مهمة موازية في الحروب الأهلية الثلاث التي شهدتها هذه الدول. الخبرة اللبنانية في السلاح بموازاة الخبرة اللبنانية في “العمل المصرفي”. وحين تجتمع الرغبة بالربح مع غياب معايير الضبط والقوننة يتحول المصرف إلى وحش مفترس، لا يقل فتكا عن ذلك الوحش المسلح الذي يعمل برعاية نظام الاستبداد وفي ظله.

عملية السطو الكبرى نُفذت في بيروت، لكن سوريا لم تنجو منها، والعراق أيضاً

المصارف اللبنانية لم تكتف بفريستها اللبنانية، فهي لبت دعوة نظامي البعث في سوريا، والحشد في العراق، وتوجهت إلى كل من دمشق وبغداد للبحث عن فريسة أخرى هناك. وكان سبقها إلى العاصمتين، السلاح غير الشرعي الذي تولى حماية النظامين هناك.

لم يجرِ ذلك مصادفة. فقد تحولت المصارف في بلد المنشأ، لبنان، من عصب للنظام الاقتصادي الحر إلى عصب لنظام سياسي وظيفته الرئيسة حماية سلاح “حزب الله”. تكيفت المصارف مع هذه الوظيفة، وطالما أن المهمة كانت التطبيع مع حال الفصام هذه، فلا بأس من التماهي معها.

العمل المصرفي في ظل دولة وحكومة شرعت قوانينها لسلاح غير شرعي، يعرض القوانين، كل القوانين، إلى احتمالات الانتهاك. على هذا النحو تحالفت المصارف اللبنانية مع طبقة رجال أعمال النظام في سوريا، وفي العراق لبت دعوات الالتفاف على العقوبات الأميركية المفروضة على إيران. هذه المهمة جرت في ظل مهمة موازية لـ”خبراء” الحروب الأهلية اللبنانيين الذين وصلوا إلى العاصمين السورية والعراقية وتولوا هناك وظائف حماية النظامين في كل من دمشق وبغداد.

وفي الوقت الذي كان فيه السلاح يراكم نفوذا وسلطة ويمارس استبدادا، كانت المصارف تراكم الثروات عبر إقراض أنظمة الفساد ودائع الناس في مقابل تقاضيها فوائد خيالية.

الانهيار لم يحصل فجأة. مؤشراته بدأت تظهر منذ سنوات. الدولة كانت بدأت تأكل من مدخرات مواطنيها على نحو متفاوت في عواصم “المقاومة” الثلاث، أي بيروت ودمشق وبغداد. بيروت كانت سباقة في مستوى الجشع، وكان للسوريين من رجال أعمال ومدخرين حصة من جشع المصارف اللبنانية، وأيضا للمودعين العراقيين الذين اعتقدوا أن بيروت ملاذ لمدخراتهم. وفي النتيجة كان الجميع يتولى تمويل حكومة لا وظيفة لها سوى تحصين السلاح غير الشرعي.

هذا في بيروت، أما في دمشق وبغداد، فقد كانت المصارف اللبنانية وسيطا بين النظامين السياسيين وبين العالم الذي أقفل أبوابه في وجههما. كان على رجل الأعمال السوري القريب من النظام وشريكه في جريمته، أن يجري صفقاته عبر فروع المصرف في بيروت، وهو المصرف الذي كان ورث سمعة دولية تؤهله للتوسط ماليا في الصفقات التجارية. الوظيفة نفسها أدتها هذه المصارف في بغداد.

ها نحن اليوم أمام أنظمة مفلسة ومجتمعات مفلسة… لكنها مُقَاوِمة!

وفجأة استيقظنا على حقيقة أن المصارف اللبنانية بددت إرثا كانت صنعته على مدى عقود طويلة من العمل المصرفي. تماهت مع الوظيفة القذرة وذابت فيها. شريكها في دمشق رامي مخلوف، وفي بغداد أمراء الحشد الشعبي، أما في بيروت فقد عقدت شراكات من كل أطياف طبقة الفساد والارتهان السياسية كلها. وفي هذا الوقت كانت وسيطا بين هذه المستويات من الشراكات وبين طبقة واسعة من صغار المودعين ومتوسطيهم وكبارهم.

عملية السطو الكبرى نُفذت في بيروت، لكن سوريا لم تنجو منها، والعراق أيضاً. انهيار الليرة اللبنانية ساهم في تسريع انهيار قرينتها السورية، علما أن الأخيرة كانت باشرت انهيارا بطيئا منذ سنوات الثورة السورية الأولى.

الأرجح أن قرارا دوليا اتخذ بهدف ضبط هذا الانفلات، وأن المصارف والحكومات من خلفها شعرت به، وبدل معالجة أسبابه، قررت المضي بالمهمة مستعينة بمدخرات الناس. وبعد نحو ثلاث سنوات من هذه المهمة تحول الإفلاس من شكله العامودي، أي إفلاس الدولة، إلى إفلاس أفقي أصاب كل من ادخر فلسا من أهل بلاد “المقاومة” ومن محورها وهلالها. وها نحن اليوم أمام أنظمة مفلسة ومجتمعات مفلسة… لكنها مُقَاوِمة!

اقرأ أيضاً: إستعيدوا الأموال المنهوبة من رجال الدين كما السياسة !

السابق
خلال 10 أيام اصابات «كورونا» ستصل الى ذروتها.. هذا ما كشفه السفير الصيني بشأن لبنان!
التالي
سعر صرف الدولار لن يبقى على حاله.. سلامة يقرّر المواجهة!