محمد فهمي.. احذروا هذا الرجل

وزير الداخلية محمد فهمي

مع “احترامنا” لبقية الوزراء ورفضنا لهم في الوقت نفسه، هناك وزير وحيد يجب أن ننظر إليه بتوجس.. وبكثير من الحذر. بل هو الوزير الذي يبدو انتقاؤه الأكثر جدية من بين الوزراء والوزيرات. أنه الوزير “الملك” والأخطر. وقد يكون شخصه هو الجواب العدائي الأوضح للانتفاضة. ففي لحظة الإفلاس وانعدام التواصل، وانتفاء العلاقة بين المواطنين والسلطة، وبغياب أي قبول متبادل بين أركان الحكم واللبنانيين، هناك من يجب أن يتولى الضبط والسيطرة. وبعبارات أخرى، هناك من يجب أن يتولى مهمة الإخضاع. تلك هي مهمة وزير الداخلية الجديد: محمد فهمي.

فهذا العهد العوني بات مقتنعاً أن لا سبيل لفرض نفسه إلا بالقوة. يعمل سياسياً على ازدراء المنتفضين، ويعمل ميدانياً على خنقهم، ويعمل إعلامياً على تهفيتهم، وسيعمل “مخابراتياً” على تشتيتهم.

اقرأ أيضاً: القيادة الرجعية الشيعية لكل الرجعيات الدرزية السنية المسيحية

في أيامها الأخيرة، انساقت ريا الحسن إلى “الحل الأمني”، وإن كانت تبرأت من “حرس مجلس النواب” مثلاً، أو حتى من بعض الفرق العسكرية والاستخباراتية الأخرى. لكن فهمي يبدو أنه هو التجسيد الأصلي لعقيدة “الحل الأمني”.

قبل يومين، أدرك الناشطون ما سيواجههم مع هذا الرجل. وعلى الفور اختصروا الموضوع برمته. ابتكروا هتافات جديدة استقبل بها المتظاهرون الحكومة الجديدة، ورجل أمنها البارز، ملمحين إلى ارتباطات وزير الداخلية هذا بالنظام السوري: “شوفو هالخبرية، جابولنا وزير داخلية، كان صاحبو لرستم، ترباية البعثية”، و”جنّوا جنّوا الأمنية لمن طلبنا الحرية، هودي جنود الوصاية، ترباية البعثية”.

فالعميد السابق في الجيش، شكل في مديرية المخابرات “فرع الأمن العسكري”، واستلم رئاسة الفرع من العام 1997 ولغاية العام 2006. أي في الحقبة الأسوأ من “عهد الوصاية السورية” وهيمنة القمع ومناخ الترهيب المخابراتي. الجميع كان يهمس باسمه بكثير من التوجس في عهد إميل لحود. والجميع يعرف أنه مقرب جداً من النظام السوري، وخصوصاً مدير مكتب الأمن القومي علي مملوك. وقد أزيح من منصبه ضمن تداعيات اغتيال الرئيس رفيق الحريري والاغتيالات الأخرى، وانسحاب الجيش السوري، وانهيار حكم إميل لحود.

الفترة التي تولى فيها وظيفته الأمنية تلك تزامنت أيضاً مع “العصر الذهبي” لرجالات من أمثاله، جميل السيد ومصطفى حمدان.. وإميل لحود نفسه. حين كان المعارضون من سياسيين ومثقفين وصحافيين عرضة للمطاردة والملاحقة من قبل “الأشباح” (حسب التسمية التي كانت تُطلق عليهم حينذاك).

لم يمض يومان على استلامه وزارة الداخلية حتى أظهر تلهفه على “العمل”: ورش ليلية ترفع بسرعة قياسية جدراناً اسمنتية مزنرة بالأسلاك الشائكة تقضم مساحات كبيرة من وسط بيروت، وتغلق شوارع ودروباً ومفترقات، على نحو تنشأ فيه جزيرة أمنية محصنة، تربض فيه السلطتين التنفيذية والتشريعية في قلب العاصمة خلف أسوارها.

بعد 24 ساعة على استلامه حقيبته، ظهرت الأنياب الجديدة لقوة مكافحة الشغب: كمين محكم لمئات المتظاهرين في ساحة رياض الصلح. تظاهرة مدنية على معنى شمولها العائلات وكبار السن والأطفال تم التعامل معها بشراسة قنابل الغاز وخراطيم المياه والهراوات. كأن فهمي يقول: ها أنا ذا.

في اليوم الثالث، أدرك الناس أن محمد فهمي لديه خطة واسعة النطاق ومتدرجة وتصاعدية: غارة صباحية مباغتة للقوة الأمنية، بهدف استغفال الناشطين و”تطهير” ساحات بيروت من آثارهم، وفتح الطرقات فيها. ومع أن الخدعة دامت لساعات فقط، إلا أن الوزير نفسه أوحى أنه سيعيد الكرة. فالمستشار الأمني لأحد المصارف الكبيرة، لا بد أن يعيد الاعتبار لأمن المصارف المنتهك. لا بد أن يرد المهانة إلى أولئك “المشاغبين”.

فقد نطق فهمي بكلمات، تحيلنا تلقائياً إلى لغة وزراء الداخلية من طراز حبيب العدلي (في نظام مبارك)، حين قال أن “أغلبية الشعب اللبناني تؤيد الحكومة، والمعترضين هم حفنة قليلة”. فهذا القول، غالباً ما يكون مقدمة تبريرية وتمهيداً نفسياً للاستخفاف بالبطش الذي “يحمي أغلبية اللبنانيين”.

هذا بالضبط ما يجعل هتاف “جنّوا جنّوا الأمنية لمن طلبنا الحرية، هودي جنود الوصاية، ترباية البعثية”، مخيفاً. فمحمد فهمي قد يحمل بعودته رجوعاً إلى 7 آب 2001. مع فارق أن بعض ضحايا ذاك اليوم المشؤوم هم اليوم الذين يشجعون فهمي على تكراره.

السابق
بالفيديو: طابور في الصين لشراء الكمامات من الصيدليات!
التالي
ماذا يعني صمت «حزب الله» على ربط صفقة القرن بإغتيال سليماني؟