قتل سليماني.. ردع أميركي هز إيران وحقق ثلاثة أهداف

خامنئي باكياً في تشييع قاسم سليماني

عندما تتزايد المخاوف من وقوع حرب بين بلدين أو أكثر، تكون هناك طرق لتخفيف التصعيد والتوترات، من بينها استثمار القنوات الدبلوماسية واستخدام سياسة الردع. وفي حالة الولايات المتحدة وإيران، فإن القنوات الدبلوماسية مغلقة في الوقت الحالي، وحتى لو توفرت، فإن ضرورة الردع في الحسابات الاستراتيجية، مسألة لا يمكن المبالغة بشأنها، وفق ما يراه خبراء.

وكتب المعلق السياسي الإيراني مهدي جلالي طهراني في مقال نشر على موقع راديو فاردا، أن ضرورة استخدام سياسة الردع مرتبط مباشرة بسلوك إيران العدواني والعنيف في المنطقة، لأن العداء للولايات المتحدة وحلفائها لم يكن الركن الأساسي في أيديولوجية إيران منذ ثورة عام 1979 فحسب، بل إن النظام استغل أي فرصة متاحة لإظهار إما بشكل مباشر أو عبر وكلائه، أنه في حالة حرب مع أميركا.

الولايات المتحدة أظهرت ضبطا للنفس في إطار ردها للتهديدات والهجمات الإيرانية، لكن طهران زادت من شدتها وتكرارها. والآن يبدو أن القضاء على قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، كان تطبيقا لسياسة الردع في إطار عمل عقابي محدود، وفق طهراني.

وأوضح أن الضربة التي استهدفت سليماني كانت فيها جميع خصائص الردع الثلاث: محدودة وعقابية وشديدة. يمكن تحديد شدة الضربة في إطار موقعه داخل الحرس الثوري والصورة التي قدمها في المنطقة على أنه قوي لا يقهر، وما تلا قتله من إحباط للمعنويات داخل إيران.

وخلال العام الماضي، اتسع نطاق السلوك المزعزع للاستقرار وطال مصالح مزيد من الدول مثل الهجمات على ناقلات وسفن نرويجية ويابانية وإماراتية وإسقاط الطائرة العسكرية الأميركية المسيرة، فضلا عن الهجمات على منشآت نفطية تابعة لشركة أرامكو في السعودية.

وفي هذا الإطار أوضح طهراني أن العالم شاهد في 2019 كيف زادت الهجمات التي ينفذها النظام الإيراني من حيث تكرارها وشدة زعزعتها لاستقرار المنطقة من دون أن تبدي طهران أي خوف من انتقام دولي أو عواقب عسكرية.

اقرأ أيضاً: قلما يحدث في.. إيران!

قتل سليماني حقق “ثلاثة أهداف”

الكاتب الصحافي إلي ليك في موقع بلومبورغ، قال في مقال إن الإدارة الأميركية تتحدث منذ الغارة على سليماني أن الهجوم حقق هدفين رئيسيين، الأول منع سلسلة من الهجمات التي كان يخطط لها قائد فيلق القدس، والثاني ردع إيران عن المزيد من التصعيد ضد الولايات المتحدة في العراق والمنطقة.

لكن عددا من مستشاري ترامب، أشاروا وفق ليك، إلى هدف استراتيجي ثالث تمثل في تعطيل نظام طهران، مشيرا إلى أن قضية التعطيل وردت في سلسلة من المذكرات غير السرية التي تم إرسالها إلى مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون في مايو ويونيو 2019 وهي الفترة التي بدأت فيها الجولة الأخيرة من التصعيد الإيراني في الخليج.

وقال ليك إن مذكرات كتبها ديفيد ورمزر الذي كان مستشارا في مجلس الأمن القومي، ويدفع فيها بفكرة أن “إيران أمام أزمة شرعية، فقيادتها منقسة إلى فريقين، من ينتظرون عودة الإمام وأولئك الذين يرغبون في الحفاظ على الجمهورية الإسلامية، وفي الوقت ذاته كثير من الإيرانيين يشعرون بالاشمئزاز إزاء عدم كفاءة النظام وفساده”.

وذكر ليك أن رؤية ورمزر الحاسمة، والتي تتماشى إلى حد ما مع تفسير ضربة سليماني، هي أن قادة إيران يتوقعون من أميركا أن ترد على استفزازات طهران بطريقة محسوبة ويمكن التنبؤ بها.

ويشير ليك إلى أن المستشار ورمزر كتب في المذكرات “لقد كانت إيران حريصة دائما على تنفيذ طموحاتها وأهدافها العدوانية بشكل تدريجي لتجنب ردود الفعل الغربية التي تنطلق من المتوقع، في المقابل فإن الإجراءات غير المتوقعة ضد إيران قد تربك النظام”.

وأضاف أن هجوما أميركيا من هذا القبيل “سيهز قوى التوازن والسيطرة الداخلية الحساسة التي يعتمد عليها النظام من أجل استقراره وبقائه”.

الانتظار أم العمليات العسكرية المحدودة؟

وبالنظر إلى زيادة الهجمات المباشرة من إيران أو من وكلائها في المنطقة، فإن السؤال الحاسم وفق طهراني، يدور حول ما إذا كان هناك حل من شأنه أن يمنع في نهاية المطاف حربا واسعة النطاق أثناء احتواء إيران. هل تكون سياسة الانتظار اليقظ وعدم الاستجابة أكثر فعالية في منع حرب شاملة؟ أم أن انتهاج سياسة العمليات العسكرية المحدودة والعقابية يعد أكثر نجاعة؟

برأي طهراني “إذا اعترفنا بأن سياسة تجاهل تصاعد هجمات إيران لن تفعل شيئا سوى تشجيع الحرس الثوري على السعي لتحقيق أهدافه الإقليمية وحماية ما يسمى ‘محور المقاومة’ وتؤدي إلى صراع لا ينتهي، فإن ما تبقى لنا هو ممارسة سياسة الردع لمنع حرب واسعة النطاق”.

وأردف أن تلك السياسة لا تكون فعالة إلا عندما يشعر الجاني الرئيسي بخوف حقيقي من قدرة خصمه على الرد. لذلك يجب أن يكون الرد أشد وأكثر تكلفة للجاني الأساسي على أمل أن يعيد النظر في مواصلة ضرباته أو التفكير في وقف العدوان.

وبناء على ذلك، عندما تجعل ظروف النزاع أحد اللاعبين يزيد من سلوكه القتالي باستمرار، لا يوجد حل عملي حقيقي متاح باستثناء عرض محدود وعقابي للقوة بهدف الاحتواء ومنع وقوع حرب أكبر، بحسب طهراني الذي أضاف “بعبارة أخرى، على عكس الحدس، فإن المشاركة العسكرية المحدودة ضرورية في بعض الأحيان لمنع الحرب”.

وأردف الكاتب أن هناك بالفعل أدلة على أن القضاء على سليماني أدى إلى تغيير في سلوك إيران العدائي، مضيفا أنه على الرغم من تظاهر إيران بالقوة عبر ضرباتها الصاروخية على القاعدتين العراقيتين اللتين تضمان قوات أميركية، إلا أن طهران أظهرت بوضوح أنها لا تسعى إلى تصعيد التوترات أكثر من ذلك.

وكان “الانتقام الشديد” لإيران محسوبا للغاية ويدل على تراجعها وقبولها الضمني بالهزيمة.

“طبول الحرب صمتت ونتطلع للسلام”

ولعل خطاب قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي، الأربعاء، يؤكد على ما ذكره طهراني. فقد قال إن “طبول الحرب صمتت”، في تقليل لفرصة تنفيذ المزيد من العمليات الانتقامية الإيرانية ضد الولايات المتحدة.

وتابع “أغلقنا مشروع الحرب بعد أن أظهر الشعب عدم الخوف وهب واقفا. نتحرك الآن نحو السلام”، على حد قوله.

طهراني ختم مقاله بالقول إنه “بالنظر إلى التصعيد الأخير من قبل إيران والضربة الأميركية ضد سليماني كرد رادع، والتخفيض السريع للتصعيد الذي أعقب ذلك، يمكننا إعطاء مصداقية لحجج ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو بأن الهدف في المواجهة الأخيرة كان منع الحرب وليس الدعوة إليها”.

السابق
حزب الله يخطف الثورة في لبنان ويوجّهها ضد حاكم المصرف المركزي
التالي
إيران تستهدف المعارضة العراقية بعد مقتل الجنرال!