إيران.. الغاية تبرر “عمالة” قطر والقرب من عُمان وعصمة سليماني

علي الأمين

إذا صدّقنا الخطابات الأيديولوجية التي يصدرها قادة الحرس الثوري الإيراني وامتداداته في المنطقة العربية، لقدرنا أن أسوأ علاقة لإيران مع الدول العربية، ستكون مع إمارة قطر وسلطنة عمان. لماذا هاتين الدولتين؟

لأنهما تجاهران بعلاقات رسمية وطيبة مع إسرائيل، ولكونهما تتمتعان بعلاقات تحالف مع “الشيطان الأكبر” ومركز قواعد أميركية محورية في المنطقة العربية.

إيران، وقيادتها، تشيد بهاتين الدولتين كنموذج يجب أن يُحتذى لعلاقة الدول العربية مع إيران، ومن راقب وسائل الإعلام الإيرانية الناطقة باللغة العربية، إثر الإعلان عن وفاة السلطان قابوس بن سعيد، “العالم” على سبيل المثال لا الحصر، لأثاره بلا ريب هذا التبجيل بدور هذه الدولة، ولإنجازات السلطان قابوس رحمه الله، وهي صحيحة بلا ريب، لكن ما يثير الدهشة هو عدم الإشارة من قبل هذه المحطة ولا من ضيوفها العرب “الممانعين” إلى استقباله لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، باعتباره ولو زلة من الزلات السياسية للسلطان الراحل، طالما أن إيران تهاجم خصومها العرب باعتبارهم أدوات لإسرائيل وأميركا.

إقرأ أيضاً: الصحافي علي الأمين يمجّد الثوّار في المناطق الشيعية: يواجهون السلطة الفعلية في لبنان!

وهذا هو الأمر نفسه، بالنسبة لإمارة قطر، التي تستضيف القواعد الأميركية على أراضيها وتتشبث بوجودها حتى الرمق الأخير. فإيران التي استقبلت أميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني قبل يومين، لم تبد أي ملاحظة أو اعتراض على سياسة قطر تجاه من تفترضهم إيران أعداء لها، بل يكتشف المراقب أن هذا الميل للدور القطري، أساسه العلاقة القطرية مع ما يسميهما قادة إيران “الشيطان الأكبر” و”الشيطان الأصغر” هذا من جهة، وعلاقاتها السيّئة مع جيرانها من دول الخليج العربي ولاسيما السعودية ودولة الإمارات من جهة أخرى.

من هنا فإن معيار الموقف السياسي الإيراني من الدول العربية، ليس قربها من واشنطن أو تل أبيب أو بعدها عنهما، إنما المعيار هو عدم الاعتراض على السياسات الإيرانية التدميرية في العالم العربي باسم السيطرة والنفوذ، وهذا ما تتصدى له بعض الدول العربية التي تناصبها إيران العداء، وليس بسبب علاقاتها مع الولايات المتحدة. إذ ليس خافيا أن واشنطن ومنذ احتلالها العراق، عمدت إلى فتح الأبواب للنفوذ الإيراني في المنطقة العربية بشكل لا لبس فيه، ولم يكن تدفق آلاف المقاتلين بقيادة قاسم سليماني إلى سوريا وعشرات الآلاف من عناصر حزب الله والميليشيات العراقية والأفغانية وغيرهم إلى عاصمة “الأمويين” باسم “نصرة السيدة زينب” ليتحقق من دون غطاء أميركي إن لم يكن بإيعاز من إدارتها. حتى إسرائيل كانت تراقب بغبطة تدفق آلاف المقاتلين الشيعة المنضوين في حزب الله من لبنان لنصرة نظام بشار الأسد باسم شعار “لن تُسبى زينب مرتين”.

هذا ما يفسر مقتلة قاسم سليماني وأبومهدي المهندس بالطريقة التي تمت بها. إذ لم يكن لدى سليماني شك بأنه قد يقتل من قبل الأميركيين وإلا لكان اعتمد طريقة دخول مختلفة إلى العراق، أما إحالة الأمر إلى أنه كان يريد أن يستشهد، كما قال نصرالله، فهي محاولة للتغطية على أسباب الطمأنينة لديه بطريقة دخوله إلى بغداد عبر مطارها المراقب أميركيا، لعدم الكشف عن تاريخ التنسيق بين واشنطن وطهران في العراق.

ولعل الفيديو الذي انتشر بعد مقتل أبومهدي المهندس وهو يتحدث بالفارسية إلى عناصر من الحرس الثوري، يكشف مستوى العلاقة الاستراتيجية مع الأهداف الاستعمارية، ويكشف حقيقة من هو العدو لهذه المنظومة الأيديولوجية التي رسّخها سليماني في العراق. باختصار يخاطب المهندس محدثه في هذا الشريط المصور، أن المطلوب ضرب السعودية فقط، السعودية وليس إسرائيل ولا أميركا.

هذه الحقائق تزداد انكشافا في منظومة أهداف الأيديولوجيا الإيرانية. وما قاله أمين عام حزب الله حسن نصرالله، الأحد الماضي، ليس إلا محاولة لتبييض الدور الإيراني الذي يزداد هشاشة وانكشافا أمام واشنطن، فإظهار سليماني على أنه عنوان الخير للبنان وساعد من دون ابتزاز أو منّ، ترافق مع التزام مباشر من قبله بعدم الرد على القوات الأميركية ولا على إسرائيل، فما ينتظر من رجل كنصرالله يقدم نفسه كرمز للمقاومة في المنطقة، ليس توجيه العراقيين للرد على اغتيال سليماني، وفي العراق فقط، ولا أن يقول إن مسألة خروج أميركا من المنطقة مسألة وقت، فهذا ما يقوله الأميركيون أنفسهم. ما يُنتظر ممن يقدم نفسه بأنه مقاوم هو الرد وليس الكلام، وهذا ما لن يفعله نصرالله إلا إذا كان الهدف لبنانيا أو عربيا، أما أميركا وإسرائيل فهذا ما لا يريده أصلا، طالما أن الهدف هو حماية القيادة في إيران.

المفارقة في خطاب نصرالله التبجيلي بسيرة سليماني اللبنانية، هي أن نصرالله لم يكن منصفا حين لم يذكر كيف حمى سليماني معادلة النفوذ الإيراني التي قامت على استراتيجية إضعاف الدولة وإلحاقها بنفوذ طهران، وإضعافها بكل أشكال انتهاك السيادة وبحماية منظومة الفساد، لكن ما لم يقله نصرالله وهو يشيد بفضائل سليماني على لبنان، أن يشير إلى جرائم كبرى تمت وعلى رأسها اغتيال رفيق الحريري وجريمة 7 أيار وغيرهما من الارتكابات، وأن يشير إلى دور ما لسليماني فيها. مقتضى الإنصاف أن يشير نصرالله إلى بعض خطايا سليماني لا أكثر، حتى لا يظن السامع البسيط، أن سليماني ليس إلا نبيا أو مقدسا وبالتالي فهو لا يخطئ ولا يُساءَل.

السابق
عبد المنعم يوسف يعلّق على قطع خدمة الإنترنت: لبنان لم يصبح بعد قندهار !
التالي
التلاعب بالعدادات.. ووزارة الإقتصاد تتحرك!