من أميركا إلى إيران.. هل «يُغتال» سليماني مرتين؟!

قاسم سليماني
أثار خبر مقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني في غارة أميركية قرب مطار بغداد اليوم، توتراً بين إيران والولايات المتحدة، ليفتح التساؤلات حول ما إن سيتم الرد على العملية أم سيكون مصير مقتل سليماني كمصير عماد مغنية؟

من المرشد السيد علي خامنئي الى قائد الحرس الثوري الإيراني الجنرال حسين سلامي ، تأكيد على ان ايران سترد على اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني، و أن الرد سيكون ضد الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، فيما غرد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد تنفيذ أوامره باغتيال سليماني، أن ايران “لم تربح حربا لكنها لم تخسر في المفاوضات”، في رسالة “اغواء” للقيادة الإيرانية من جهة بأن التفاوض مع واشنطن مكسب لإيران، ورسالة “تهديد” من جهة ثانية، أن الحرب ليست لصالحها.

إقرأ أيضاً: هل يكون الرد الإيراني على اغتيال سليماني عبر لبنان؟

لكن يبقى أن الضربة التي تلقتها القيادة الإيرانية بعملية الاغتيال هذه، لم تكن محسوبة، ولا متوقعة، بل مباغتة وهذا ما يفسره طريق وصول سليماني الى بغداد، فمطار بغداد تحت العين الأميركية، ويبدو أن سليماني كان مطمئنا الى أنه ليس هدفا اميركيا، والا كان تحاشى النزول في مطار بغداد، وثمة طرق عديدة كان يمكن له اعتمادها فيما لوكان لديه شك بأنه هدف للقوات الأميركية.

ماذا يمكن أن تفعل القيادة الإيرانية للرد؟

السؤال يشغل الكثير من المراقبين والسياسيين، وتتعدد الخيارات بين عدم الرد، كما حصل حين تم اغتيال القيادي الفعلي لحزب الله عماد مغنية في دمشق في العام 2008، حيث لم يقم “حزب الله” حتى اليوم بالرد على هذه العملية، وبين أن تنفذ ايران عملاً عسكرياً مباشراً ضد القوات الأميركية المنتشرة في المنطقة، وهو ما تستبعده اكثر من جهة متابعة، انطلاقا من ان ايران تتفادى أي مواجهة عسكرية مباشرة مع القوات الأميركية، بسبب اختلال التوازن لصالح واشنطن. ثمة خيار آخر ان تقوم ميليشيات عراقية بتنفيذ عمليات عسكرية ضد القوات الأميركية في العراق، وهذا دونه محذور ان واشنطن أعلنت بوضوح ان استهداف جنودها ومصالحها في العراق تتحمل ايران مسؤوليته المباشرة. هذا بحسب المحللين ما يمكن ان ينطبق ايضاً على أي استهداف للقوات الأميركية في الخليج وفي الممرات المائية في مضيق هرمز وعلى امتداد الخليج. علما أن ايران حريصة على ان ترد على اغتيال سليماني من دون ان تستدرج حرباً لا تريدها مع واشنطن

لا يمكن حصر الخيارات الإيرانية بما سلف، ثمة عمليات أمنية، لدى ايران القدرة اللوجستية على تنفيذها، لكن من الواضح ان الرئيس الأميركي ترامب اتخذ خيار الذهاب بعيداً في الرد على مايعتبره عدواناً إيرانياً على جنوده. يبقى ان خيار توجيه ضربة لإسرائيل امر محتمل لكن كيف يمكن ان يتم ذلك؟

ربما تقدم ايران على اطلاق صواريخ من الأراضي السورية، ومن مناطق قريبة من الحدود السورية العراقية، أي مناطق غير خاضعة للنفوذ الروسي ولا السوري او التركي، وقريبة من معبر البوكمال بين العراق وسوريا، وهي المنطقة التي تم فيها استهداف قاعدة لفصيل حزب الله العراق قبل أيام. في هذا الخيار ما يعكس عدم رغبة إيرانية لقيام حزب الله في لبنان بتوجيه أي ضربة لإسرائيل، وعدم القيام بضربات من جنوب سوريا وعلى حدود الجولان التزاما بمتطلبات الصديق الروسي.

من المفيد الإشارة الى أن حسابات دقيقة هذه المرة تحكم أي تحرك عسكري وأمني ايراني، من الواضح أن الدم الأميركي بخلاف نهر الدماء العربي الذي سال ويسيل في اكثر من دولة، لا يحرك واشنطن ولا يستفز مكانتها العسكرية في المنطقة. من هنا فان حسابات واشنطن تبدلت، ففي كل المعارك التي خاضتها ايران بقيادة سليماني في المنطقة العربية، حققت فيها انتصارات من دون ان يتسبب ذلك بأي مواجهة مباشرة مع واشنطن، بعد ما جرى في العراق خلال الأيام الأخيرة، تغير الحال وبات سلاح ترامب على الطاولة وموجه الى ايران، و”سياسة حافة الهاوية” التي طالما اتقنتها ايران في السابق، لم تعد مجدية في ظل الموقف الأميركي الحالي، وبالتالي فان خيار المواجهة المفتوحة يبقى واردا، على رغم انه خيار انتحاري لا تحبه القيادة الإيرانية ولا اذرعها الغارقة في مكاسب الحكم والسلطة في الدول التي تتواجد فيها.

وهذا ما يجعل من سعي ايران لعقد تسوية مسبوقةً برد اعتبار بعد ضربة سليماني التي تلقتها، أمر أقرب الى الواقعية والبراغماتية الإيرانية والأميركية، لكن ذلك يتطلب مقدمات يعتقد الكثيرون أن منها تقديم ايران فدّية في الشكل بعدما قدمت لواشنطن الكثير من الهدايا في المضمون السياسي والاستراتيجي، من مساهمات جلّى في خراب المنطقة العربية، الشكل لدى ايران أهم من المضمون، القيادة الإيرانية تريد ان ترفع راية الانتصار ولو على ركام الهزيمة الاستراتيجية، حتى هذا الخيار لا يبدو متاحا كما في السابق، بعدما تحولت واشنطن على مايبدو الى لاعب مباشر ورأس حربة لمشروعها.. هي نفسها اميركا، لا إسرائيل ولا سواها من العرب.

السابق
الإعتداء على رمزية عصام خليفة في زمن الثورة
التالي
بالتفاصيل.. «نيويورك تايمز» تروي كيف قتل الأمريكيون سليماني