«حدث اليوم» صنعته نجوى.. فمن يملأ الفراغ غداً؟!

نجوى قاسم

قد تتأثر الساحة الفنية إذا ما غاب صوتٌ عنها، فأعوام مرّت والعالم العربي يستذكر صوت ذكرى ولا يجد بديلاً عنه. لكن ماذا عن الإعلام، الذي تحولت فيه الأخبار إلى سلعة تتقاذفها القنوات وتستبيح حرمة ضحاياها مواقع التواصل الاجتماعي في لهاث مستمر لا يجد التحليل فيه متسعاً للوقت.. كيف سنجد من يملأ فراغ نجوى قاسم؟

اليوم رحلت نجوى بعد أن كانت مطوّرة للحدث بنفسها، تصعد كل مساء على سلّم من ألق، لتدخل معها الكاميرا نحو ذلك المتسع الذي فيه عرف الجمهور نجوى من بوابة أكثر عمقاً واستطاعت ابنة جون اللبنانية تحويل قالب البرنامج السياسي إلى جلسة نقاش تملأها ابتسامة تأتي في موضعها الصحيح وجملٌ سكبتها نجوى على الهواء رنت في ذاكرة الشارع العربي.

هكذا تحفظ الذاكرة “أهلاً بكم في حدث اليوم” وافتتاحية “ملفات عديدة سنطرحها الليلة” ليبدأ كل ملف باسم دولة عربية تمنحها نجوى الوقت بإخلاص وكأنها لا تريد مفارقة الهواء بل الاستمرار في تقديم المعلومة للجمهور، تلك التي ينتظرها المشاهد ويعرف أن نجوى فقط هي من ستقدمها له، بل يشعر بالخيبة حين ينتظر “حدث اليوم” ولا يجد نجوى على كرسي التقديم.

الكرسي ذاك الذي تسرع نجوى للجلوس عليه قابل آلاف الضيوف وكان الترحاب سيد لحظة اقتنصت فيها نجوى الانتباه ودفعت المتابع للاستمرار في المشاهدة لأنه لن يشعر بالغربة وثقل الخبر السياسي سواءً كانت المراسلة غنوة يتيم من لبنان أو حسين قنيبر من باريس أو ريما مكتبي من واشنطن، جميعهم سيبتسمون لنجوى، ينادونها باسمها، تعاملهم كأختٍ كبيرة وتصنع لحظة تلفزيونية عائلية لأسرة قناة عرفنا عنها الكثير دون أن نعرف كامل كادرها، كمنزل تطرق بابه، تستقبلك سيّدته فتدرك من وحي السلام والترحيب بيئة البيت وطقسه وأسلوب التعامل فيه.

إقرأ أيضاً: من هي الإعلامية الراحلة نجوى قاسم؟!

كم طالب إعلام اليوم حلم أن يحظى بفرصة نجوى، وأن يمتلك ساعتين من الهواء ليكون الغني بعطائه ورؤيته للمواضيع، ها هي تلبس نظارتها فقط حين تريد قراءة خبر عاجل وردَ أثناء الحلقة فكل ما تعدّه نجوى تقوله دون ورق، هنا تحضر العفوية بكامل مهنيتها فلا عبث في البث المباشر كما لا إساءة للضيف أو تجريح من قدره، بل حتى حين قال ضيف إسرائيلي لها العزيزة، ردّت: صعبة أتقبل أنو كون عزيزة عليك.

في أول العام ترحل، وحشة تملأ الاستديو الذي ارتبط بها وكأنها هي من رتبته قطعة قطعة، والمهمة أصعب حين استطاعت أن تضل رائدة في زمن غاب فيها الوفاء للتلفزيون واحتلّت مواقع التواصل الصدارة بدل نشرات الأخبار التقليدية.

سوريا اليوم كما ليبيا والعراق واليمن والبلاد العربية حالها حال لبنان الذي خسر نجوى إعلامية رافقت الربيع العربي منذ نشأته الأولى في الميادين، لامست جراح المضطهدين، بكت مع الضحايا وكانت غصتها زفيراً عالياً لشعوب عانت ما من عانت الاستبداد فتمردّت وجاء صوت نجوى ليقول في نهاية كل ملف “وقتنا انتهى”، لكنها في ربيع لبنان وحين وجه المراسل تحية لها من بيروت على الهواء قالت: “وقت لبنان لا ينتهي”.

إقرأ أيضاً: الشاشة تخسر رائدة نسوية وإعلامية.. نجوى قاسم في ذمة الله

وآخر ما كتبت كان:” الاعاصير تضرب العراق ولبنان.. ليبيا في مهب كل انواع الحروب. سوريا تتغير اكثر فأكثر وتزداد غربتها، اليمن يستمر في محاولات الهدوء متعباً جريحاً… الخ.. كيف نرحب ب 2020″

عشرين عشرين رحبت بنا دونك يا نجوى ولأنك إنسانة فأنتِ محور الحدث لذكرٍ لن يغيب أن إعلامية عربية ملكت الجمال والقوة والموهبة وأثبتت أن الإعلام يتسع للإنسانية وليس للموت فقط.

السابق
طليق إبنة نواف الموسوي الى السجن.. تمنّع عن تسليم الولدين
التالي
بعد استراحة محارب.. الثوار في الساحات: احتجاجات أمام المرافئ والمصارف وقطع للطرق مجددا!