ليس بسمير الخطيب ولا بغيره.. يحيا لبنان!

الحكومة اللبنانية

كان ثمة تسوية سياسية ، انعقدت روابطها بين الرئيسين سليمان فرنجية وصائب سلام في العام 1970 ، قبيل و بعيد إسقاط المرشح الشهابي الياس سركيس في الإنتخابات الرئاسية التي جرت في العام المذكور آنفا .

إقرأ أيضاً: أزمة الهوية الانفصالية.. اللبنانية

تلك التسوية قيل فيها ما قيل بالتسوية النظيرة بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري ، يبقى الثاني رئيسا للحكومة ما فتىء الأول رئيسا للجمهورية .

ومثلما عاد صائب سلام بعد سنتين من التسوية ـ الصفقة إلى رئاسة الحكومة إثر الإنتخابات النيابية في عام 1972 ، عاد سعد الحريري بعد سنتين من التسوية ذاتها إلى الرئاسة عينها بعد الإنتخابات النيابية في عام 2018 .

وكما تعقدت العلاقة بين فرنجية وسلام في السنة الثالثة من التسوية الرئاسية فاستقال صائب سلام من رئاسة الحكومة من غير رضا الرئيس فرنجية جراء اغتيال فرقة كوماندوس اسرائيلية ثلاثة قياديين من المقاومة الفلسطينية ( كمال ناصر ـ ابو يوسف النجار ـ كمال عدوان) في العاصمة اللبنانية بيروت في العاشر من نيسان 1973 ، وما رافق ذلك من التهاب واشتعال الشارع اللبناني تنديدا وشجبا ، فإن العلاقة بين عون والحريري تعقدت هي الأخرى في السنة الثالثة من التسوية الثنائية ، فاستقال الحريري من رئاسة الحكومة على غير رغبة ورضا الرئيس عون ، تحت وطأة اشتعال الشارع والقضايا المطلبية .

كان الرئيس صائب سلام ـ كما يقال ويُروى ـ يعاني من الدور المتوسع الذي يؤديه نجل الرئيس سليمان فرنجية المرحوم طوني فرنجية ، وكان الرئيس سعد الحريري ـ كما يقال ويُروى ـ يعاني من الدور المتضخم للوزير جبران باسيل.

كان صائب سلام يعاني ـ كما يقال ويُروى ـ من فائض قوة سليمان فرنجية ، وكان الرئيس سعد الحريري ـ كما يقال ويُروى ـ يعاني من فائض قوة الرئيس ميشال عون .

انتظر الرئيس صائب سلام احتدام الشارع واشتعاله للخروج من رئاسة الحكومة ، ومن دون ” علم وخبر” يقدمه للرئيس فرنجية ، ومثله فعل سعد الرئيس الحريري، فقد انتظر ” خروج الشارع إلى الشارع ” ليخرج من الحكومة .

ما أشبه اليوم بالبارحة
ما أصعب التاريخ حين تعود عجلاته إلى الوراء .

ما أضعف السياسيين حين يكابرون فلا يقرون بوجود أزمة ولا يقرأون ما تقوله تجارب البشر : كل أزمة يمكن تحويلها إلى فرصة للإنقاذ والإسعاف والإنجاد والخلاص.

يروي قطب الصحافة اللبنانية سليم اللوزي في عدد مجلة ” الحوادث ” الصادر بتاريخ 20ـ 4ـ 1973، أن الرئيس سليمان فرنجية سعى إلى ثني الرئيس صائب سلام عن استقالته ، فعمل على توسيط الوسطاء والأصدقاء ، ومن ضمنهم الرئيس كميل شمعون والوزراء كاظم الخليل وخليل أبو حمد وآخرون ، وتجاوزت مساعي فرنجية حدود لبنان إلى أرض العرب عبر توسيط ممثل الرئيس المصري الراحل انور السادات ، حسن صبري الخولي ، فكانت الحصيلة قبضة من ريح وقدر من يأس ، ولما عيل صبر الوسطاء قيل لصائب سلام : ليكن الرئيس المقبل للحكومة رجلا تسميه و تزكيه ، فقال : نديم دمشقية أو صائب جارودي .

لم يأت إلى رئاسة الحكومة لا دمشقية ولا جارودي.
خشي نديم دمشقية وصائب جارودي ثقل المرحلة وخافا خطورة إدارة الحُكم وكيفية اجتراح علاقة دقيقة بين السلطة الخائفة من المقاومة الفلسطينية وبين الشارع المتعاطف مع المقاومة الفلسطينية .

جاء أمين الحافظ
سقط بعد ثلاثة أشهر
جاء تقي الدين الصلح بعد أمين الحافظ ، ثم رشيد الصلح ، ثم نور الدين الرفاعي ، أي خمس حكومات في سنتين انتهت بأن شرعت الحرب فوهاتها وفتحت شراستها على لبنان في نيسان 1975، ومع ذلك لم يدرك أهل النظام أن النظام فقد آلياته القديمة وباتت تلك الآليات عاطلة وباطلة .

حاولو تغيير الأسماء وحافظوا على آليات الأداء
جربوا وخربوا
جربوا وجها وراء وجه وإسما وراء إسم
لم تأت التجارب أكلها فأكلتهم الحرب .

ومع سمير الخطيب أو بهيج طبارة أو محمد الصفدي أو ” نادي رؤساء الحكومة السابقين ” ، ومع وليد علم الدين اوعصام بكداشي أو نواف سلام أو فؤاد مخزومي أو غيرهم ، وحتى سعد الحريري نفسه ، فمع كل تجريب لن يكون سوى إمعان في التخريب ، فتعقيدات الحُكم ليست في وجوه الحُكم .

تعقيدات الحُكم في آليات النظام
وتعقيدات الحُكم في فساد الأغلبية الغالبة من أهل النظام
وتعقيدات الحُكم في الإنهيار الذي تعيشه البلاد

وتعقيدات الحكم في الإنهيار الذي حذر منه كل المسؤولين في الدولة منذ سنة وأكثر ولم يفعلوا شيئا
لم يفعلوا شيئا قبل الإنهيار
لن يفعلوا شيئا بعد الإنهيار.

في الثالث عشر من نيسان 1973 ، قالت صحيفة ” المحرر ” اللبنانية : ” إن الرئيس صائب سلام لو عاد عن استقالته سيخسر شارعه ” ، والآن يقال إن الرئيس سعد الحريري لوعاد إلى رئاسة الحكومة سيخسر شارعه .

هل هي أزمة شارع أم أزمة نظام ؟

هذا سؤال كان أجاب عليه سليم اللوزي بعد استقالة صائب سلام فكتب قائلا : ” بيت القصيد ليس في من سيُكلف بتأليف الحكومة ، بل في الطريقة التي ستُعتمد في مواجهة الأزمة التي نشأت بعد استقالة صائب سلام “.

لم يعرف أهل النظام آنذاك أن صلاحيات نظام عام 1943 انتهت قبل منتصف السبعينيات، وكان من الضروري البحث عن نظام جديد بصلاحيات جديدة.

لم يعرف أهل النظام الآن أن صلاحيات نظام 1990 انتهت في عام 2019 وأصبح من الضروي البحث عن نظام جديد بصلاحيات جديدة.

كابر وعاند أهل “الجمهورية الأولى” فوقعت الحرب

يكابر ويعاند أهل ” الجمهورية الثانية ” فتقترب البلاد من الخراب

دائما يأتي اللبنانيون إلى الحلول متأخرين .

يأتون متأخرين إنما على بقايا جثثهم
وعلى كثير من روائح قبورهم

يأتون متأخرين ، ملتحفين أومجندلين بما يقوله الشاعر الفلسطيني محمود درويش:

” في مرحلة ما من هشاشة نسميها نضجا
لا نكون متفائلين ولا متشائمين
وإذ ننظر إلى الوراء لنعرف أين نحن
ومن الحقيقة نسأل :
كم ارتكبنا من الأخطاء ؟
وهل وصلنا إلى الحكمة متأخرين؟
لسنا متأكدين من صواب الريح
فماذا ينفعنا أن نصل إلى أي شيء متأخرين ؟ “.

هل صاغ أحد من أهل النظام سطرا على شاكلة هذه الأسئلة والتساؤلات ، أو حك ب ” جلدة رأسه ” فاستفهم واستعلم واستوضح واستخبر عما يمكن أن تجني سياسات الهروب إلى الأمام وعدم الإعتراف بأن ” الجمهورية الثانية ” سقطت وتلاشت وغدا قيامها من المعجزات المستحيلات ، وكل درب إليها يقود من مستحيل إلى مستحيل كما يقول الشاعر المصري أمل دنقل .

لبنان دولة مضطربة ، وعلى ما يظهر سيُلازم ” منزلة اضطراب ” بين منزلة سابقة ومنزلة لاحقة ، ودولة يدوم فيها هذا الإضطراب تغدو غنيمة سهلة لمن شاء أو لمن استطاع سبيلا إلى غزوها ، على ما قال الفيلسوف أرسطو في كتابه ” السياسيات ” قبل ألفين وثلاثمئة من الأعوام ، ولم يتعلم العرب من قوله شيئا بالرغم من أنهم قرأوه .

قرأوا قوله ولم يتعلموا ما قال
ولذلك اضطربت دولهم وأحوالهم وأقوامهم
ولبنان ليس شاذا عنهم .
متى يشذ لبنان عن العرب ؟

يشذ لبنان عن العرب حين يقر أهل النظام أن ” الجمهورية الثانية ” أينعت وحان قطاف رأسها ، وبالسلم والحوار يُصار إلى الذهاب نحو ” الجمهورية الثالثة ” ، وأما كيف؟ فبالقناعة أنه لا يمكن إحياء ميت أو رميم ، وأما متى ؟ فقرع الأجراس يجب أن يبدأ الآن ، وأما هل يمكن ؟ فبالإقلاع عن سياسة المكابرة .

هل يشعر الأفراد اللبنانيون والجماعات اللبنانية بمفاعيل ذاك العقد المسمى ب ” الجمهورية الثانية ” أو بروح هذه الجمهورية وعقدها؟.
لا … لا يشعرون
لايشعرون بروحها ولا يحسون بوجودها
كل جماعة تظن نفسها مغبونة
وكل فرد يتخيل نفسه مغبونا

جمهورية بلا روح وعقد بلا مفاعيل أي لزوم لها وأي موجب ؟.

لو جاء سمير الخطيب أو قرينه ، أو محمد الصفدي أو مثيله ، أو تمام سلام أو نظيره ، أو سعد الحريري أو شبيهه ، فحالة الإضطراب ستبقى على حالها ، وأقفال الحل لا تحركها مفاتيح الأسماء ، إنما تحركها مفاتيح الأفعال.
ليس الحل في إسم مسمى
ولا في تسمية رئيس الحكومة
ولا في أسماء الوزراء في الحكومة
الحل في مكان آخر ، ليس في ” الجمهورية الثانية “.

الحل يمكن رؤيته من ثقب إبرة مثل عين الشمس الساطعة والواضحة في منتصف تموز أو آب .
من ثقب إبرة يمكن رؤية الحل الكامن في “الجمهورية الثالثة “.

وكل عودة إلى ” الجمهورية الثانية ” تعني المراوحة على الإنهيار .
قبل الختام سؤالان :

هل يكون مصير سمير الخطيب مثلما كان مصير محمد الصفدي أوبهيج طبارة ؟
أم يكون مصير سمير الخطيب في عام 2019 مثلما كان مصير أمين الحافظ في عام 1973؟
قبيل الختام أربعة أسئلة :
هل لدى أهل السياسة رؤية الحد الأدنى للخروج من الإنهيار ؟
أين هذه الرؤية ؟
من يحدث اللبنانيين عنها ؟
من يرشدهم إليها ؟
عشتم وعاش ولبنان

السابق
جعجع يستعين بجبران خليل جبران: «ويلٌ لأمةٍ سائسها ثعلب»!
التالي
بعد مخاض سيول خلدة.. وُلد بـ«عز العجقة»!