ذهب سوريا «الأسود».. الشعب لا يعرف المنابع وأمريكا تسرقه بالعلن

نفط
انخفضت حدة المعارك في شمال شرق سوريا لكن الصراع على آبار النفط برز للواجهة وسط نهم ترامب للهيمنة على مدخول الخزينة الأثمن

عرف السوريون آبار النفط عن طريق كتب الجغرافيا في المناهج المدرسية فقط، ولكنه بقيوا لأربعين عام محرومين من معرفة إلى أين يذهب النفط السوري؟ وهل حقاً يدخل في خزينة الدولة أم لا؟ حتى بات موضوع استيلاء القصر الجمهوري في دمشق على خطوط النفط مثار سخرية للمواطنين، بأن النفط يمر من البئر إلى القصر مباشرة.

الحديث عن النفط السوري تصدّر الإعلام الغربي في شهر تشرين الثاني الفائت، بعد إعلان البنتاغون الإبقاء على جنود أمريكين في سوريا لمهمة حماية آبار النفط فقط عقب الانسحاب والانكفاء عن دعم القيادات الكردية في المنطقة الشرقية حيث منابع النفط السورية المكتشفة وغير المكتشفة بعد.

خريطة توضح توزع آبار النفط الرئيسية “الجزيرة”

وحيث لا يخفي الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ولعه بالنفط، معلناً حبه للنفط السوري في أكثر من مناسبة، وأنه سيأخذ حصة الولايات المتحدة منه على قلته المعلنة مقارنة مع دول نفطية كبرى كالعراق وإيران ودول الخليج العربي.

ونظراً لقلة الدراسات الموجودة عن الآبار النفطية السورية وما فيها من احتياطي قد ينهض بسوريا بشكل غير مسبوق إذا ما استثمر بشكل جيد، خصوصاً بعد الدمار الكبير الذي حل بالبلاد من جراء استخدام نظام الأسد للعنف المفرط، بالإضافة للتدخلات الدولية، وعلى رأسها روسيا وإيران والمليشيات الطائفية.

ماذا يعرف السوريون عن نفطهم؟!

وفي البحث قليلاً عن النفط السوري سنتعثر في إيجاد دراسات علمية دقيقة ومستقلة تماماً عما تملكه سوريا من موارد طاقة، خصوصاً أنّ نظام الأسد سبق أن أخفى أسماء العديد من آبار النفط خلال السنوات التي سبقت الثورة السورية، ليكتشف السوريون أن هناك آباراً مختلفة عن التي ذُكرت في الكتب المدرسية والإعلام الرسمي، عُرفت بعد أن سيطر عليها تنظيم الدولة بين عامي 2014 و2017.

إقرأ أيضاً: مخزونات أميركا ومخاوف تخمة المعروض تعمق خسائر النفط

وذكر موقع “أويل برايسز” (المختص في أخبار النفط والطاقة ومقره بريطانيا)، يوم الأربعاء (23 تشرين الأول)، أن إجمالي الاحتياطي النفطي في سوريا يقدر بنحو 2.5 مليار برميل، وما لا يقل عن 75% من هذه الاحتياطيات موجودة في الحقول المحيطة بمحافظة دير الزور شرقي سوريا.

وأوضح الموقع أن احتياطي النفط السوري، البالغ 2.5 مليار برميل، ضئيل مقارنةً باحتياطي المملكة العربية السعودية، الذي يبلغ نحو 268 مليار برميل (أكثر من 100 ضعف احتياطي سوريا).

أرقام مربكة

بعد خروج النظام من المنطقة الشرقية وسيطرة القوات الكردية وهزيمتها داعش، تحكمت القوات الكردية بالآبار وباعت برميل النفط الخام بـ30 دولاراً يومياً، وتؤمن نحو 10 ملايين دولار شهرياً.

وكان النفط السوري يقدر إنتاجه بنحو 380 ألف برميل نفط يومياً قبل اندلاع الحرب، وقدرت ورقة عمل صدرت عن صندوق النقد الدولي عام 2016 أن الإنتاج تراجع إلى 40 ألفاً فقط منذ عام 2011.

نسب السيطرة على النفط السوري “ساسة بوست”

ولا شك أن قطاع النفط كان من أكثر القطاعات تضرراً من جراء الحرب الشاملة التي كانت تجري على الأرض السورية، فقد قدرت وزارة النفط التابعة لنظام الأسد خسائره بأكثر من 62 مليار دولار حتى عام 2017.

هذه هي الآبار

وتمتاز المنطقة الشرقية على الحدود العراقية السورية، بالإضافة للقريبة من الحدود التركية، بتركز أغلب النفط السوري المكتشف (والمُعلن عنه) فيها، حيث تحتوي محافظة دير الزور على أكبر الحقول النفطية، والذي يُعرف باسم “حقل العمر”، ويقع تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية منذ عام 2017.

أبرز مواقع حقول النفط والغاز “الخليج أونلاين”

كما يوجد “حقل التنك” في ريف دير الزور الشرقي، بالإضافة لحقول الورد، والتيم، ومحطة (T2)، وهي على خط النفط العراقي السوري، والجفرة، وكونيكو، وهذه الحقول بعضها بيد “قسد” وبعضها بيد النظام السوري، وسبق أن سيطر تنظيم الدولة على بعضها في وقت سابق.

وتضم محافظة الحسكة حقل “رميلان”، أحد أبرز الحقول في سوريا، والذي يحتوي على 1322 بئراً، بالإضافة لوجود نحو 25 بئر غاز، وتقع تلك الحقول في مناطق الشدادي والجبسة والهول، بريف الحسكة الجنوبي، بالإضافة للحقول الواقعة بالقرب من منطقة مركدة وتشرين كبيبية، بريف الحسكة الغربي، وهي ضمن سيطرة قوات “قسد”.

إقرأ ايضاً: واشنطن تثبت تورط إيران بنقل النفط إلى سوريا

أما محافظة الرقة فتضم آباراً نفطية صغيرة وقليلة، وتقع ضمن سيطرة “قسد” بعد هزيمة تنظيم الدولة.

كما يضم الريف الشرقي لمحافظة حمص “حقل الشاعر”، وهو من أهم الحقول السورية أيضاً، ويسيطر عليه نظام الأسد بعد أن استفاد منه تنظيم الدولة مدة ليست بالقليلة، ويقدر إنتاجه من الغاز بـ3 ملايين متر مكعب يومياً.

روسيا على الخط

بعد السيطرة على مدين تدمر وما تضمه من حقول نفطية يستخرج منها نحو 9 آلاف برميل يومياً، وضعت روسيا يدها على الإنتاج من خلال القوات الروسية، والفيلق الخامس الذي شكلته منذ عام 2017. خاصة أن الموجودة هناك مرتبطة بخط حديدي حتى ميناء طرطوس (تسيطر عليه روسيا)، وأعاد نظام الأسد الإنتاج مجدداً عام 2017، وبلغ نحو 700 ألف طن العام الماضي، في الوقت الذي كان الإنتاج سنوياً يبلغ 3 ملايين طن.

وذكرت وكالة “سبوتنيك” الروسية عن وزارة النفط التابعة لنظام الأسد، عام 2017، أن سوريا تمتلك احتياطياً بحرياً من الغاز يقدر بـ250 مليار متر مكعب.

أما في عام 2017 فإن الاحتياطي السوري من الغاز في منطقة تدمر، وقارة، وساحل طرطوس، وبانياس، هو الأكبر بين ست دول، وهذا يجعل سوريا، في حال استخراج هذا الغاز، “ثالث بلد مصدر للغاز في العالم”، بحسب الوكالة.

صراع دولي جديد

ويوجد على الأرض السورية صراع بين الولايات المتحدة الأمريكية، التي تسيطر عبر وكلائها وبعض قواتها على أغلب حقول النفط السورية، وروسيا التي تتربع على عرش الغاز الطبيعي السوري في البحر المتوسط بسبب وجود أكبر قاعدة عسكرية لها في الشرق الأوسط بمحافظة طرطوس غربي سوريا.

وقال الرئيس ترامب أثناء خطاب له مع أنصاره في ولاية “ميسيسيبي” جنوبي الولايات المتحدة، يوم الجمعة (1 تشرين الثاني 2019): “ليس علينا الدفاع عن الحدود بين تركيا وسوريا، لقد كانوا يتقاتلون لآلاف السنوات، ولكن ما فعلناه نحن هو الاحتفاظ بالنفط”، مضيفاً: “سنقوم بتوزيع النفط، وسنساعد الأكراد وأشخاص آخرين، كما سنساعد أنفسنا إذا كان ذلك مسموحاً”.

ويوم الأحد (27 تشرين الأول الماضي)، قال الرئيس ترامب أثناء حديثه عن النفط السوري: “ما أعتزم القيام به ربما يكون عقد صفقة مع شركة إكسون موبيل أو إحدى أكبر شركاتنا للذهاب إلى هناك (سوريا)، والقيام بذلك بشكل صحيح.. وتوزيع الثروة”.

وأشار ترامب إلى أن حماية آبار النفط “تحرم تنظيم الدولة مِن عوائده، فيما سيستفيد منه الأكراد، وممكن أن تستفيد الولايات المتحدة منه أيضاً”، مضيفاً: إن “النفط غذّى تنظيم الدولة وعملياته، ويجب أن نأخذ حصتنا الآن”.

ماذا عن القانون الدولي؟!

ونقلت وكالة “رويترز”، يوم الاثنين (28 تشرين الأول) عن بروس ريدل، المستشار السابق في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض والباحث في معهد بروكينغز قوله: “هذه ليست خطوة قانونية مريبة فحسب، بل إنها تبعث كذلك رسالة إلى المنطقة بأسرها والعالم بأن أمريكا تريد سرقة النفط”.

فيما ترى لوري بلانك، الأستاذة بكلية إيموري للحقوق ومديرة مركز القانون الدولي والمقارن، أن “القانون الدولي يسعى إلى الحماية من هذا النوع من الاستغلال”، بحسب المصدر السابق.

بدورها قالت إيلين روالد، وهي باحثة بمركز الطاقة العالمي التابع للمجلس الأطلسي: إن “مجرد السعي لأن تطور إكسون أو شركة نفط كبرى أخرى النفط السوري سيكون عملية صعبة؛ بالنظر إلى البنية التحتية المحدودة نسبياً في سوريا وإنتاجها الضئيل”.

ويرى مراقبون أن إدارة ترامب تحاول جعل أفضل الموارد النفطية للبلاد رهينة من أجل استخدامها عملة للمقايضة؛ لإجبار نظام الأسد وداعميه الروس على قبول مطالب الولايات المتحدة، خلال تسوية سياسية للنزاع السوري.

كما أن روسيا أصبحت تسير دوريات عسكرية في تلك المناطق بالتنسيق مع تركيا بعيد اتفاق سوتشي الأخير؛ بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، من أجل تأكيد انسحاب الوحدات الكردية من مناطق شرق الفرات بعمق 30 كم عن الحدود التركية شمالي سوريا، وهو ما زاد من رغبتها في اقتسام كعكة النفط، فاتهمت الولايات المتحدة بـ”اللصوصية العلنية” على لسان نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف.

السابق
لقاء «العشر دقائق».. الخليل يكشف شكل الحكومة الجديدة
التالي
بعد ارتفاع حظوظه الحكومية.. لا موقف لدار الفتوى من تكليف الخطيب!