لماذا أصبح حزب الله يتعرض للنقد العلني في لبنان؟

حسن نصرالله

نشرت مجلة “فورين بوليسي” تقريرا للصحافية ريبيكا كولاراد، تتحدث فيه عن سمعة حزب الله اللبناني المتلاشية، الذي لم يعد فوق النقد، مشيرة إلى أنه بعد وقوفه إلى جانب النخبة السياسية الحاكمة، فإن المتظاهرين في الشوارع لم يعودوا يخافون من نقده علانية.

إقرأ أيضاً: على وقع الغضب الشعبي.. الاجتماع المالي ينتهي باتخاذ إجراءات «عادية»

ويشير التقرير، إلى هتافات لم يكن أحد يتخيلها قبل شهر أو يزيد، مثل “حزب الله، إرهابي، إرهابي”، التي هتف بها بعض المتظاهرين ضد الحزب يوم الاثنين أثناء مواجهة بينهم وبين أنصاره ومؤيدي حركة أمل في بيروت، لافتا إلى أن متظاهرين طالبوا الذين هتفوا ضد الحزب بالتوقف، لكن الحنق على الوضع الاقتصادي، والغضب الذي غمر لبنان، وقرار زعيم الحزب حسن نصر الله الوقوف مع الحكومة، هي عوامل أدت إلى نزع القداسة عن سمعة حزب الله.

وتنقل كولاراد عن الزميل في مركز كارنيغي الشرق الأوسط، مهند حاج علي، قوله: “ينظر إلى حزب الله على أنه جزء لا يتجزأ من العقبة الرئيسية للتغيير في لبنان”.

وتلفت المجلة إلى أن الاحتجاجات ظلت سلمية وضد النخبة الحاكمة من الطوائف والأحزاب كلها، مشيرة إلى أن نصر الله، الذي لم يتول منصبا رسميا، كان حتى وقت قريب فوق اتهامات الفساد المسؤول عن انهيار لبنان، خاصة بين قاعدة أنصاره الشيعة، فالدور الذي أداه حزب الله في إخراج إسرائيل من جنوب لبنان منحه لقب “المقاومة”، وهو ما اتفقت عليه الأطراف السياسية والطائفية كلها.

ويفيد التقرير بأنه حتى بعد حرب 2006، التي تركت مساحات مدمرة من البلاد، فإن الحزب حظي بدعم شعبي لموقفه الذي عده الكثيرون انتصارا ضد العدوان الإسرائيلي.

وتذكر الكاتبة أن مقاتلي الحزب سيطروا في عام 2008 على وسط بيروت بعد تهديد الحكومة بإغلاق شبكة اتصالات، وعزل حليف للحزب مسؤول عن أمن المطار، حيث وجهوا أسلحتهم داخل حدود البلاد ولأول مرة، مشيرة إلى أنه عندما أرسل حزب الله الآلاف من المقاتلين عبر الحدود إلى سوريا، دفاعا عن نظام بشار الأسد في عام 2013، تساءل الكثيرون عمن يدافع الحزب عنه.
وتقول المجلة إن سمعة الحزب بدأت بالتراجع ولأول مرة منذ احتجاجات تشرين الأول/ أكتوبر، التي خرجت فيها الحشود إلى الشوارع في المناطق الشيعية، مثل صور والنبطية، وهتف فيها المتظاهرون بالشعارات ذاتها التي صرخ بها المحتجون المطالبون بخروج النخبة السياسية وبداية جديدة للبلاد.

وينوه التقرير إلى أن الحزب وجد نفسه فجأة أمام تحد للإنجازات السياسية التي حققها في انتخابات عام 2018، ومساءلة للأجندة الخارجية التي تبناها، مشيرا إلى أن المتظاهرين، الذين واجهوا قوات الأمن وشرطة الشغب في هذا الأسبوع، اشتكوا من أن أجندة حزب الله لا تتعلق ببناء لبنان، بل تمر عبر دمشق وبغداد وطهران.

وتقول كولاراد إنه مثل بقية التظاهرات في الجارة العراق، فإن المتظاهرين هم شباب يطالبون بوقف التأثير الإيراني، فقال متظاهرون يوم الاثنين: “هنا لبنان وليس إيران”، مشيرة إلى أنه عندما أكد زعيم الحزب بداية التظاهرات في تشرين الأول/ أكتوبر ضرورة بقاء الحكومة، فإن الكثير من المشاركين فيها شعروا أنه وحزبه هم جزء من المشكلة.

وتورد المجلة نقلا عن حاج علي، قوله إن تصريحاته كانت بمثابة “لسعة” فتحت عيون الناس على الواقع، “وكانت بالنسبة للشيعة اللبنانيين الذين انضموا للتظاهرات صدمة، وتساءلوا عن السبب الذي يدعو حزب الله الوقوف إلى جانب الواقع، الذي تسبب بفساد البلد ويقوده نحو الأزمة المالية والاقتصادية”.

ويشير التقرير إلى أن نصر الله حاول تشويه سمعة المحتجين بالزعم أن جهات أجنبية تدعمهم، ما أثار سخريتهم واستقالة عدد من الصحافيين في صحيفة “الأخبار” المقربة من الحزب.

وتنقل الكاتبة عن محتج، يدعى بهاء يحيى، قوله: “يريدون الحفاظ على النظام.. كل ما نريده هو إزالة النظام، وهذا كل ما في الأمر”.

وتلفت المجلة إلى أن حزب الله استطاع في الماضي تجنب النقد المباشر، خاصة بما يتعلق بعلاقته مع طهران وسوريا، فأمراء الحرب والنخبة السياسية في لبنان ظلوا يعتمدون على القوى الإقليمية والدولية لمساعدتهم، ولهذا عبر المحتجون عن غضبهم من استمرار الدول الخارجية في التدخل في شؤون بلادهم.

ويستدرك التقرير بأن المحتجين طالما تجنبوا استهداف جماعة سياسية بعينها، ولم يذكر حتى وقت قريب اسم الحزب ومساعدات إيران العسكرية التي جعلته أقوى من الجيش الوطني، مشيرا إلى أنه عندما اندلعت التظاهرات في إيران، بعد رفع أسعار الوقود، حاول المحتجون في لبنان التعاطف معهم، قائلين: “من طهران إلى بيروت ثورة واحدة لن تموت”، ورد أنصار الحزب بتظاهرات مضادة أكدوا فيها على طائفتهم “شيعة، شيعة، شيعة”، ورددوا هتافات مؤيدة لنصر الله وزعيم حركة أمل ورئيس البرلمان نبيه بري، ورد المحتجون بهتاف “شعب واحد” وأنشدوا النشيد الوطني.

وترى كولاراد أنه “من غير المعلوم مدى العنف وتوسعه بعد المواجهات التي تمت الأحد، لكنها أضافت لطخة لسمعة الحزب بصفته حاميا للبنان وشعبه”.

وتجد المجلة أنه مع أن دروس الحرب الأهلية حاضرة في لبنان، إلا أن الجيل الشاب ولد بعد نهايتها، ولا يتذكر الحواجز والقناصة الذين سيطروا عليها، مشيرة إلى أن متظاهرين يرون أن محاولات حزب الله وأمل لكسر تجمعات المحتجين هي من أجل التخويف.

ويورد التقرير عن حاج علي، قوله إنه “كلما زادت هجمات حزب الله معتمدا على الأساليب الطائفية فضح الحزب وخسر”، مشيرا إلى أن الثورة المضادة تتحول إلى نزاع طائفي.

وتختم “فورين بوليسي” تقريرها بالقول: “لو اعتقد قادة حزب الله وأمل أن استخدام الضغط على المتظاهرين سيخيفهم فإن حساباتهم تكون خاطئة، ويصف المتظاهرون الذين يشاركون في المظاهرات المضادة بأنهم متعرضون لـ(غسيل دماغ)”.

السابق
على وقع الغضب الشعبي.. الاجتماع المالي ينتهي باتخاذ إجراءات «عادية»
التالي
إيكونوميست: هذه أسباب الإطاحة بابن السيسي من المخابرات