قوّة فاشية في بيروت

الكاتب جهاد الزين

تُضبط المدينة بهذه الطريقة منذ سنوات: ميليشيات جِوارية جاهزة في كل لحظة لترويع الأحياء المجاورة. أدى الترويع وظائف عديدة في مراحل متعددة. تارة لقمع ميليشيات أخرى ومنع تشكّلها كمنافس محتمل في أحياء من لون طائفي مغاير. وطوراً لقمع جهات محددة ومنع استئثارها بمفارق طرقات. كل ذلك موروث من عقلية وتجربة الحرب الأهلية وحساباتها الزواريبيّة.
هناك دائماً في هذا النوع من عمليات الترويع مظلة اوسع وأعلى تتعلق في ميزان القوى العام في البلد تحمي ‏‏‏الترويع عبر غض النظر عنه وهذا ‏يتكرّس ‏في عدم التدخل ‏في اللحظة المطلوبة.
عام 2005 كانت الشيعية السياسية المسلحة تقف ‏مقابل أغلبية تحالف طوائف لاسيما سنياً مسيحياً درزياً. وكان من الخطأ اعتبارها تقف ضد “إجماع” وطني لأنه كان تعبيراً عن انقسام طائفي بل عن بداية حرب أهلية ستستمر باردة حتى أيار 2008 في ذلك اليوم الشهير.

اقرأ أيضاً: الصورة التذكاريّة للحكومة الجديدة في مكتب المدّعي العام

اليوم الأمر مختلف بوضوح نوعي:
‏في الثورة المتواصلة اليوم ‏وهي ثورة حقيقية باجماع ‏ كل الطيف المدني اللبناني من جميع الطوائف والمناطق وعبرت ‏عن رفضها الصريح لكل الطبقة السياسية اللبنانية بما فيها الفئة الحاكمة عند الشيعة. ‏لا بل نال الفئة الحاكمة الشيعية من إهانات و تمرّد ما لم ‏تنله أي فئة حاكمة أخرى.
هؤلاء الذين كانوا يصرخون في شارع مونو بتوجيه من رؤسائهم طبعا: ‏شيعة شيعة شيعة. ‏كانو يطلقونها ضد كل المزاج اللبناني بما فيه المزاج الشيعي المدني اللذي انخرط في الثورة بوضوح من النبطية إلى صور إلى بيروت. ‏هذه المرة إذن ‏وخلافا ل 2005 ‏كانت الأغلبية الشيعية ‏جزء من إيقاع الثورة. ‏اغلبية نفد صبرها من تسلّط ‏حكم الحزبين -الحزب الواحد ‏والشعار الواحد: حكم الميليشيا بالاختصار ، بلغ درجة عسكرة المجتمع. ‏كانت صرخات مونو شيعة شيعة شيعة صرخات ‏سخيفة و فجّة ‏وخارج المزاج العام الوطني. ‏مزاج التقارب بدل التباعد. ‏شعار واحد ضد الفساد والأموال المنهوبة من النبطية إلى عكار. ‏إذن ماذا يريد هؤلاء ‏ورؤساؤهم ‏غير التأسيس ‏لدور وقح ‏بل قذر ‏يرمي إلى ضرب اكبر حدث توحيدي في تاريخ لبنان منذ تأسيسه قبل 100 عام.

هكذا تنتقل الشيعية المسلحة من قوة ضاربة في النظام الى قوة حماية للنظام السياسي. فالدور الذي تلعبه خلال الثورة ‏‏ليس مجرد دفاع عن النفس أمام اختراقات الثورة لقلب مناطقها و ‏سكانها الشيعة. ‏كل الطبقة السياسية ‏المدانة في الشارع المزدحم ‏بالناس الغاضبين ‏هي اليوم مدينة‏ للشيعية المسلحة ‏بإرباك و إضعاف هذه الثورة، ‏وحتى الدرزية السياسية المنكفئة ‏لا تستطيع ‏أن تقوم بهذا الدور الهجومي ‏دفاعا عن كل الطبقة السياسية ‏وبالتالي دفاعا عن النظام السياسي.‏
هذه الثورة قد تكون كاشفة ربما أكثر منها تغييرية. ‏لذلك ويا للمفارقة ‏ربما تكون الشيعية المسلحة ‏هي اليوم كتائب ما قبل عام 1975 ‏بل أقوى ‏وبإدارة إيرانية. ‏هكذا ‏صرخة شيعة شيعة شيعة ‏لم تزعج عمليا حتى أخصام الشيعية المسلحة في الطبقة السياسية ‏لأنها عمليا باتت تدافع ‏بعد الثورة الاخيرة عن كل النظام السياسي. وهذا تحوّل نوعي لن يحبه شيعة الثورة الغفيرون، بل الأرجح سيخجلون منه.

السابق
ميقاتي يخضع للتحقيق: «خيطو بغير هالمسلة»
التالي
هذا المذيع سيخلف سامي كليب في «الميادين»!