«الشبيحة في لبنان».. أسلوب هيمنة وذاكرة موجِعة!

شبيحة
مع تكرار الهجمات على المتظاهرين وعمليات التخريب والسلب.. برز «الشبيحة» كمصطلح إعلامي واسع في لبنان بعد كثرة تداوله في سوريا

“سيفرشون الطريق لبقائي” هكذا فكرّ بشار الأسد حين استقدم “الشبّيحة” من الساحل السوري لقمع الثورة في بلاده، ومع إعلام عربي ودولي ينقل حراك شعب كامل ضد نظام مستبد مغرق في الدموية، لا بد أن تنتشر كلمة “شبّيحة” ويتبعها مفهومها الخاص لنجد المفردة تستخدم في دول خارج سوريا، وضمن الأقرب والأكثر تألماً من سياسات آل الأسد “لبنان”.

ومع انطلاق الحراك في لبنان لاقت صورة للمصوّر مروان طحطح، تظهر شابا ملتحيًا راكضا، ذو صدر عارٍ يحمل عصا يهم بها لضرب إحدى فتيات الاعتصام الهاربات منه خوفاً، تفاعلاً كبيراً على مواقع التواصل الاجتماعي واستذكر اللبنانيون مشاهد فض الاعتصامات في عدة دول عربية وأبرزها سوريا حين كان يضرب الشبيحة المتظاهرين ويقولون بلكنة تحمل نكهة طائفية “بدكن حرية؟؟!”

وكأن الحرية تحق لفئة معينة من الناس وعلى هذا كتب الناشط وليد حنون عبر حسابه في “تويتر” معبراً عن بشاعة المشهد يومها قائلاً أن “اليوم فهم اللبنانيون من نصر الله أن طريق قُدْسِهِ كما مرّ بالزبداني وحلب فإنه أيضاً يمرّ من رياض الصلح!”.

حالة متشابهة

حالة التقاطع بين البلدين رسخت مفهوم “التشبيح” لصالح محور يتحكم بالحريات في سوريا ولبنان ويقمعها، وهو وإن ظهر في لبنان بصيغة أخف سابقاً ككيان حزبي يخترق بنية الدولة بشكل غير علني، فإنه يمتد في دمشق على العلن ومنذ عقود عديدة حيث يعود استخدام السوريين لقب “الشَبّيحة” لأفراد من عائلة حافظ الأسد امتهنوا تهريب السلاح والمخدرات والدخان وغيرها، ضمن سيارات المرسيديس S600 السوداء المُعتمة النوافذ المشهورة بهيكلها الفخم (Mercedes S600)، والتي كانت تعرف باسم “الشَبَح”، ومن هنا جاء لفظ “الشبيحة” ومفردها “شَبّيح”، ليدل على العصابات التي تحظى بتغطية “الدولة” وأجهزتها الأمنية، وتمارس أعمالها “المافيوية” دون اكتراث لحسيب أو رقيب.

إقرأ أيضاً: بالصور.. هكذا بدت ساحتا الاعتصام وسط بيروت بعد «هجوم الشبيحة»

اختبر أهل الساحل السوري “الشبّيحة” باكراً وصنفوها على أنهم عصابة علوية، فقد أقدم الشبيحة خلال أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات على تهريب المواد الغذائية والسجائر والسلع بدعم من الحكومة من سوريا إلى لبنان وبيعها لتحقيق الربح الكبير، بينما تم تهريب السيارات الفارهة والأسلحة والمخدرات في الاتجاه المعاكس أي من لبنان إلى سوريا.

عناصر من مليشيا جيش المهدي العراقية الشيعية

العدوى إلى لبنان

وهنا دخلت لبنان في دائرة التشبيح بعد ازدياد نفوذ الشبيحة في سوريا واختراقهم للحدود إثر تدخل الجيش السوري في لبنان، سواءً على حواجز التفتيش وممارسات فردية تحولت لصورة نمطية لدى اللبنانيين ما لبثوا أن أسقطوها على كل متعدي يمارس أفعال شنيعة خارجة عن السلطة والقانون. وبعد استلام رستم غزالي المخابرات السورية في لبنان مارس التنكيل بشكل قذر وهنا برزت أولى أشكال الربط بين “التشبيح” كمنهج وبين الصفة العسكرية للشخص الذي يمارس التشبيح. فأصبح الفصل صعباً هل الشبيح نفسه هو خارج عن السلطة بشكل كامل أم منضوي تحت جناحها ومقاتل عسكري يقاتل في صفوفها. وجاء الجواب مع بداية الحراك الثوري في سوريا.

الشبيحة يقاتلون!

بعد السمعة السيئة وخشية المواطنين في سوريا الاقتراب من “الشبيحة”، جاء دورهم الأكبر خلال فترة الثورة السورية، حيث استبق النظام زج قوات الجيش في وجه الشعب بإطلاق شبيحته على الأرض مع صلاحيات واسعة مكنتهم من التعدي والإساءة وارتكاب مجاوز وحتى سرقة ممتلكات الآخرين ما أسماه السوريون بـ “التعفيش”، ليقوى عصب  الشبيحة ويؤسسون لمليشيات رعاها النظام وتحولت من فرق مصغرة إلى فصائل مسلحة تقاتل إلى جانبه لا يضبطها رادع طالما قد منحت الصلاحيات الكاملة للعبث بالمنطقة التي تقاتل بها. وبهذا تحول فعل “التشبيح” من تصرف فردي يتغذى عليه الفرد ضمن جماعة صغيرة إلى منهج في التعذيب وقمع الآخرين والاستيلاء على ممتلكاتهم وتخريبها.

إقرأ أيضاً: بالفيديو: كنانة علّوش وطاقمها يتعرضون للضرب والتوبيخ من قبل شبيحة الأسد!

وبدا واضحاً ذلك في لبنان خلال الهجمات المتكررة للشبيحة على ساحات التظاهر في ساحة الشهداء وجسر الرينغ، فبدا المشهد مشابهاً لما حدث في سوريا سواء عبر استفزازا المتظاهرين بشعارات طائفية أو الهجوم بالعصي على خيم المتظاهرين في ساحة الشهداء ورميهم بالحجارة من فوق جسر الرينغ، مع التعدي على الخيم المنصوبة في ساحة العلم بصور وإضرام النار فيها وكتابة عبارات على الجدران تشبه ما دونه شبيحة الأسد في سوريا حين كانوا يمرون على منطقة استعادها النظام، من عبارات ملأى بالطائفية والتهديد بالعقاب كان أشهرها “الأسد أو نحرق البلد.

شبيح سوري يحمل صورة الأسد على سلاحه

الصورة البشعة

وإذ يدرك السوريون حتى المواليين منهم سوء أخلاق الشبيحة وخطر التعامل معهم، أخذ المصطلح المحلي يتقاطع مع نماذج مشابهة في المنطقة كالبلطجية في مصر والزعران في الأردن. إلا أن سوء النموذج السوري وامتداده لسنوات طويلة مع هجرة أشخاص بارزين من “الشبيحة” إلى دول إقليمية وغربية، جعل المفردة ترتبط لدى سامعها بمجموعة من الصور التي شاهدها بالإعلام بل واستثمارها في بلده.

إقرأ أيضاً: بالفيديو.. «الشبيحة» يهاجمون المتظاهرين في الرينغ ويهتفون بإسم «زعيمهم»

وإذ لا تنفصل حالة “التشبيح” عن الصور النمطية لعصابات الخطف والتنكيل دون حساب أو رقيب، لكن تحمل كل حالة خصوصيتها فتتمثل بلبنان بالدراجات النارية التي يسير صاحبها دون رخصة مرورية مع زي أسود قاتم وتغطية لملامح الوجه ومحاولة ترهيب منطقة ما بأن “الشبيحة” مروا من هنا.

ومع تداول الإعلام اللبناني لهذه الكلمة يستذكر اللبنانيون حالة التشبيح التي اختبروها بل تشير بالخطر المستمر أن التشبيح لا يصبح مع الأيام حكراً على أشخاص تولوا زعامة من أهلهم على مبدأ العشيرة، بل يتحول إلى منهج عام من الممكن تلقيه في الشارع أو عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل.

السابق
زميلة ديما صادق تودّعها برسالة مؤثرة!
التالي
واشنطن.. انتهاك المجال الجوي وإغلاق البيت الأبيض والكونغرس