الجيش والثورة.. صحوة وطنية كبرى

لبنان ينتفض
الوطن وطننا، والشعب شعبنا والجيش جيشنا، فلنفرح جميعنا بهذه الصحوة الوطنية الكبرى. 

إتهامات اكثر من اللازم يكاد المرء٩ لا يصدق ما يرى. إن هناك من في السلطة يخوّن شريحة كبيرة من اللبنانيين ويتهمهم بشتى صنوف التهم وصولا الى الارتباط  بالسفارات دون دليل حسي ملموس، فقط لأنهم توحدوا حول مجموعة من الحقوق والمطالب المشروعة والتي لا يمكن ان تحسب لفئة ضد فئة او لطرف ضد الاخر. إنها ثورة حقيقية تشكلت من روافد عديدة بدا فيها الشعب اللبناني متجاوزا المناطق والطوائف والأحزاب و قد لعبت فيها المرأة اللبنانية دورا مشرّفا وراقيا، ما شكّل القوة الصلبة لاستمرار التظاهرات والاعتصامات في مختلف المناطق اللبنانية في ظاهرة وطنية نالت إعجاب الداخل والخارج  وجعلت من السلطة في حيرة من أمرها.


ووفق كل الدلائل أكد المتظاهرون على سلمية وديمقراطية ونقاء الثورة بمعنى ان لا خلفية أيديولوجية لها وانما عبرت  عن حاجة ملحة للتغيير في بيئة السلطة آخذة في الحسبان تعقيدات الوضع الطائفي والسياسي في لبنان. وقد وحّدت الحركة المطلبية ما بين المناطق والطوائف متجاوزة السلطة ولغتها الخشبية وتبريراتها اللامسؤولة عن فشلها وعجزها عن إيجاد الحلول للازمات المعيشية المزمنة،  وأصبحت تملك قدرة الاعتراض على كل سلوك السلطة المستقيلة وقراراتها  المنفصلة عن الواقع.

اقرأ ايضاً: في «أربعين الدولة».. لا الثورة!
ثورة الشعب اللبناني عصبها الرئيس هو وعي جيل الثورة لمعنى الحرية التي هي نقيض الخوف والقمع. فالشعوب لا تملك سوى حرياتها كمقدس بشري في مقابل سلطة كل سلطة تسعى لفرض ديمومتها متخطية في ذلك حق التغيير الحقيقي والسعي نحو الأفضل.
في لبنان وعي الحرية بات رقما صعبا قد فرض إرادته لمحاسبة الفاسدين كل الفاسدين وفق مقولة : كلن يعني كلن، أي في المسؤولية سواء ويبقى الامر في عهدة القضاء المستقل ليبني على الشئ مقتضاه. فالثورة لا تسعى لضرب المنظومة الحقوقية ولا ينبغي لها فكل متهم برئ حتى تثبت إدانته.
انما الامر بواقعيته إن المسؤول هو مسؤول بحسب السلطة والصلاحيات التي كانت بحوزته. فكل وزير يُسأل عن وزارته نجاحا ام فشلا، بينما في لبنان المنصب تشريف ولا يتحمل صاحبه المسؤولية، والاخطاء دائما على الغير في ظاهرة تنسف مبادئ المساءلة والمحاسبة وتقييم الانجازات. فرجل الدولة لا يملك ترف التبريرات فإما يكون مسؤولا او لا يكون.


اما فيما يخص الجيش اللبناني ثمة من يريد أن يبعث رؤية مشوهة لدور الجيش  وقائده حوزاف عون حيال حماية المتظهرين وتسيير شؤون الناس في الوقت نفسه، وذلك يندرج في خانة الاستهداف السياسي لقائد الجيش مباشرة الذي اثبت حرفية ومهنية قل نظيرها في الجوار الجغرافي وابعد من ذلك. ضمن هذا الافق لعبت قيادة الجيش دورا وطنيا أمّنت من خلاله حرية التعبير من جهة وحمت الممتلكات العامة ومنعت التصادم ما بين اللبنانيين واكدت فوق كل ذلك انه جيش الشعب وليس جيش السلطة وهو فوق الاستهداف والاتهام. بذلك لم تكن عنده القاعدة في إدارة الامور الامنية قمع وقتل المتظاهرين اللبنانيين الذين اكد قائد الجيش انهم ليسوا اعداءً هم اخوة مواطنون من حقهم الدفاع عن حقوقهم ومطالبهم الحيوية. وقد أخذ بالحسبان أثناء اداء مهمته تعقد الواقع السياسي، بحيث اصبح المؤيد معارض والمعارض مؤيد. وحده الجيش وضع نصيب عينيه مصلحة لبنان وشعبه دونما البحث عن مصالح خاصة لا سيما أن في لبنان ظاهرة التسييس تفرض نفسها في كثير من الاحيان. وقد أظهرت المؤسسة العسكرية وقائدها المحترم صلابة في وجه كل الضغوطات من كل حدب وصوب وظل بعيدا عن لعبة صراع المصالح الضيقة التي طبعت طيلة فترة الازمة الراهنة.


وقد تجلى الاتهام الخطير للجيش اللبناني في جريدة الاخبار اللبنانية من خلال ما كتبه ابراهيم الامين متهما قائد الجيش انه لا يقوم بواجبه من خلفية طموحه الرئاسي وصولا الى التواطئ المصلحي، ونورد هنا حرفية ما جاء في جريدة الاخبار: ” أما آن لهذا البلد ان يخرج فيه مَن يرفع الصوت في وجه هذا السلوك المشبوه للسلطات العسكرية والأمنية التي تنفق ثلث وارداتنا بحجة حماية البلاد، أما آن لأحد ان يصرخ في وجه من يتولّى أمن البلاد ويقول له أنت مسؤول عسكري لا مرشح لرئاسة الجمهورية”. (جريدة الاخبار/13/11/2019)
إنه كلام سياسي خطير يعكس بالضرورة موقف ليس كاتب المقال فحسب، بل من يدعمه ويمول وسيلته الاعلامية. فكيف يمكن له الحديث عن تمويل الجيش والمؤسسات الامنية من باب التهجم على قائد الجيش وتصفية الحساب معه والتشكيك بدوره فقط لانها امتنع عن قمع المتظاهرين نيابة عنهم، وكاتب المقال نفسه قد برر سابقا للجهة التي تدعمه تسكير الطرقات والاعتصامات وغيرها من وسائل الاعتراض الشعبي.

اقرأ أيضاً: لبنان والخيارات المتاحة
اما الحديث عن طموح قائد الجيش الرئاسي وهنا ليس من باب الدفاع عنه فقط انما لنقاش ما كتبه ابراهيم الامين  وتوجيه السؤال له كي لا يكون ما قاله مسلما به او من باب تحصيل حاصل. فلو كان قائد الجيش يعمل فعليا من خلال طموحٍ ما للرئاسة لكان عليه ان يعمل عكس ما اظهره من مناقبية واحترافية فهو لم يسع لارضاء الجهة القادرة على تعطيل مجلس النواب وفرض مرشحها كما حصل مع الرئيس الحالي. والجميع يعرف ان القدرة على التعطيل يملكها الفريق الذي يدين ويتهم قائد الجيش ويشكك به. اذن المنطق يفرض نفسه ويؤكد ان قائد الجيش برئ من ذلك الافتراء كونه يقوم بواجبه الوطني فقط لا غير. اما اذا كان ما ورد من كلام هدفه لفت النظر الى أن طريق رئاسة الجمهورية يمر من خلال إرضاء اعداء ثورة الشعب اللبناني، فهذا امر قد رد عليه قائد الجيش من خلال اصراره على التصرف بحكمة ووعي بعيدا عن ارضاء احد من هنا أو مضايقة احد من هناك.
فمن المعلوم أن الجيوش مكونة من بشر قد يتأثرون بالظروف التي يؤدون مهامهم في ظلها، وقد يتجاوز البعض منهم لسبب او لأخر ويتصرف ببعض القسوة ، انما الجيش اللبناني وبكل موضوعية هو جيش يثقف ضباطه وجنوده ويطلب منهم التقيد الى اقصى الحدود فيما يتعلق بالقوانين الدولية لحقوق الانسان وتحديدا القانون الدولي الانسان، من هنا يمكن فهم طريقة تعاطي الجيش اللبناني مع المتظاهرين الذي كان تعاطيا حضاريا ومسؤولا وقد أصبح مضربا للمثل مقارنة مع غيره من الجيوش تحديدا في منطقتنا العربية.


قصارى القول من الطبيعي وقوع الاختلاف في وجهات النظر ولا بد من تقبل النقد والانتقاد، اما ان يلجأ  البعض الى استعمال لغة عنفية تخوينية تجاه كل من يخالفه في الرأي فهذا امر مرفوض ولا يؤسس لبناء المجتمع الديمقراطي الذي يتسفيد من الاختلاف ليعيد انتاج قيمه ومواكبة التقدم الحضاري من هنا نؤكد على أن كل اختلاف في الرأي او الموقف هو امر جيد ومطلوب لاجل تطوير ديمقراطيتنا اللبنانية كأساس لقبول الاخر اما توجيه الاتهامات العشوائية دون بينة ولمجرد تشويه صورة الخصم فهذا امر فضلا عن أنه يقع تحت طائلة القانون فهو يكشف عن ثقافة نمطية وخطيرة تقسّم الشعب على قواعد فاشية: من ليس معنا فهو ضدنا.
فالوطن وطننا، والشعب شعبنا والجيش جيشنا، فلنفرح جميعنا بهذه الصحوة الوطنية الكبرى. 

السابق
بالصور.. صحافيون ينضمون الى صفوف الثوار ونصب خيمة في ساحة الشهداء
التالي
أمازون الأمريكية تقاضي البنتاغون لهذا السبب!!