الليرة السورية «تنهار».. النظام يراوغ والشعب يئِن

ليرة
ينام المواطن السوري على سعر، ويستفيق على سعر آخر للدولار، وهو يشاهد انهيار عملته الوطنية أمام عينيه وسط صمت مطبق للنظام وألم متزايد فوق جراح الحرب

تجاوز سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأميركي خلال الأيام الماضية حد السبعمئة، وبشكل متسارع تواصل الليرة السورية انهيارها، فاقدة المزيد من قيمتها الفعلية، ليسجل سعر صرف الدولار في السوق السورية مساء الخميس مبلغ 717 ليرة سورية، وهو أعلى سعر في تاريخ الليرة السورية حتى الآن. ويعني ذلك خسارتها أكثر من 93% من قيمتها الفعلية، منذ العام 2011، وسط صمت رسمي وامتناع البنك المركزي عن التصريح.

مسار التراجع هذا لا يتوقع أنه سيقف عند هذه الحدود، مما سيؤدي إلى مزيد من انخفاض القدرة الشرائية لعموم السوريين.

أسباب الانهيار

تقول المواقع المقربة من النظام السوري إن السوق السوداء التي نشطت بشكل كبير خلال السنوات الثماني الماضية هي سبب الإضرار بقيمة الليرة السورية واقتصاد البلاد، في حين يرى محللون أن أسباباً عديدة وراء هذا الانخفاض، ويتعلق بعضها بشخصيات مقربة من عائلة الأسد والتجارة العامة.

إقرأ أيضاً: «بيلا تشاو» السورية تهاجم حيتان الاقتصاد

ويقول الكاتب والصحفي السوري عدنان عبد الرزاق لموقع “الجزيرة.نت”: “أتوقع أن الاحتياطي الأجنبي في المصرف المركزي السوري تبدد بالمطلق، بدليل أن نظام الأسد بدأ يوكل عمليات استيراد المشتقات النفطية والقمح، وما كانت تستورده الدولة، للقطاع الخاص”.

وأضاف عبد الرزاق أن أسباب تراجع سعر صرف الليرة ترجع إلى أن معظم التجار كانوا أبرموا عقود استيراد سابقة مع شركات أو جهات خارجية، مما يلزمهم بالدفع بالدولار، ويدفعهم للجوء إلى السوق السوداء.

في حين يرى محللون أن الليرة السورية مستمرة في الانكسار مع استمرار العقوبات الاقتصادية على النظام، الذي يتوجه أساسا لتمويل حربه ضد الثورة السورية بدل دعم اقتصاده المنهار، واستمرار سيطرة الوحدات الكردية على أهم آبار النفط شرقي سوريا، التي من شأنها أن تغطي حاجة سوريا من المشتقات النفطية بدل استيرادها

عوامل مستجدة

التسارع في انخفاض قيمة الليرة السورية يعود إلى عوامل مستجدة أهمها توقف المركزي عن تمويل المستوردات بشكل كامل. وكان المركزي قد خفض عدد المستوردات التي يمولها في أيار/مايو إلى 41 مادة غذائية ودوائية وأولية، قبل خفضها مجدداً في آب إلى النصف. وجاء الإعلان منذ أيام عن توقف تمويل المستوردات، بالكامل، بحجة البحث عن آلية جديدة ستصدر لاحقاً.

وفي المقابل تم الاشتراط على الراغبين في الاستيراد إيداع مبلغ بقيمة 10% من مجموع فاتورة المستوردات، توضع بالدولار في “صندوق مبادرة رجال الأعمال”، لمدة ثلاثة أشهر، على أن يستردها التاجر لاحقاً بالعملة السورية، بسعر مجهول. ويزيد ذلك الإجراء الضبابي الغامض من حاجة المستوردين للدولار بنسبة 10%، كما تجعلهم غير قادرين على احتساب أرباحهم الفعلية، بسبب المصير المجهول لـ10% المودعة في الصندوق. وتسبب ذلك بتحميل تلقائي لمبلغ الإيداع في الصندوق، على أسعار السلع في السوق.

أداء الليرة السورية بين عامي 2011- 2018
أداء الليرة السورية بين عامي 2011- 2018

عودة إلى الشيراتون

مضى نحو شهر على وقف مبادرة قطاع الأعمال لدعم الليرة السورية، وهي المبادرة التي أسهمت في البداية برفع سعر الصرف إلى مستويات مقبولة، لكن سرعان ما انهارت الليرة، بعد أن توقف التجار ورجال الأعمال عن ضخ الدولار في الصندوق الذي تم إنشاؤه لهذا الغرض، لأسباب يحجم الجميع عن ذكرها حتى الآن.

وبالعودة إلى بدايات تلك المبادرة، نذكر أنه سبقها حملة إعلامية كبيرة في اتجاهين، الأول تحدث عن نية النظام محاربة الفساد، وإطلاق أجهزة مخابراته للقبض على بعض رجال الأعمال والمسؤولين، ومصادرة أموالهم المنقولة وغير المنقولة، بحجة أنهم المسؤولون عن انهيار سعر صرف الليرة، بسبب سرقاتهم وفسادهم، أما في المرحلة الثانية، فقد اتجه النظام للحديث عن وجود رجال أعمال وطنيين لديهم الاستعداد للوقوف إلى جانب بلدهم ودعم الليرة السورية، وهو ما تم ترجمته في اجتماع الشيراتون الشهير، قبل نهاية شهر أيلول الماضي، بين حاكم مصرف النظام المركزي، وعدد كبير من رجال الأعمال من أعضاء غرف التجارة والصناعة، والذي تم على إثره إطلاق مبادرة قطاع الأعمال لدعم الليرة السورية، من خلال إعلان رجل الأعمال سامر الفوز، وضع 10 مليون دولار في هذا الصندوق، إيذاناً ببدء الحرب على الدولار.

إقرأ أيضاً: بالأرقام: هذا ما أضافه النازحون السوريون إلى الاقتصاد اللبناني

مع بداية الشهر الماضي، أعلن المصرف المركزي عن اتفاق مع غرفة تجارة دمشق، بأنها هي من ستتولى الإشراف على المبادرة، وتم الإعلان حينذاك، عن تجهيز 9 فروع تابعة للمصرف التجاري السوري، لاستقبال إيداعات التجار من الدولار فيها، وفق صيغة، يحق للتاجر من خلالها أن يحصل على إشعار استعادة أمواله لكن بالليرة السورية، على أن تُحتسب بسعر صرف وسط، بين السوق الرسمية والسوق الموازية.. حيث أن سعر صرف الليرة مقابل الدولار كان بحدود 660 ليرة في السوق السوداء، بينما في المصرف المركزي، فهو لايزال متوقفاً منذ أكثر من عام عند 438 للمبيع.. ولم يتم الإعلان بدقة عن هذا السعر الوسطي.

وطلبت غرفة تجارة دمشق، في أعقاب ذلك الاتفاق مع المصرف المركزي، أن تتولى هي بنفسها إصدار نشرة أسعار بالعملات الأجنبية مقابل الليرة السورية وبدأت الليرة السورية ترتفع، إلى أن استعادت نحو 100 ليرة من قيمتها، خلال بضعة أيام.. لكن في منتصف الشهر الماضي، بدأت الليرة تغير اتجاهها، وأخذت بالتراجع، وسط استغراب الجميع، إلى أن بدأت وسائل إعلام النظام، تسرّب أخباراً، بأن رجال الأعمال أوقفوا مبادرتهم لبيع الدولار، وهو السبب الكامن وراء تراجع الليرة السورية، والتي وصلت في أيامنا هذه إلى نحو 720 ليرة مقابل الدولار.

مستوى معيشة المواطن السوري
مستوى معيشة المواطن السوري

فواتير إضافية

ومن منظور سياسي أيضاً، شكلت عودة القوات الأميركية إلى سوريا ومرابطتها حول حقول النفط، مع إصرارها على تفكيك شبكات بيع ونقل النفط المحلي للنظام، ضربة موجعة له، يترتب عليها ارتفاع فاتورة النفط المستوردة بالدولار. كما حرمته تداعيات الأزمة الاقتصادية في لبنان من حديقة خلفية كانت تسمح له بالحصول على الكميات المطلوبة من الدولار بدون ضوابط أو قيود.

إقرأ ايضاً: انهيار سورية الاقتصادي يدفع روسيا للبحث في مرحلة «ما بعد الأسد»

في ظل هذه الأجواء يتعذر فعليا معرفة حدود انهيار الليرة السورية أمام الدولار، مع تخوف من هبوطها بشكل متسارع إلى ألف ليرة مقابل الدولار الواحد، علما أن اشاعات سابقة ذكرت أن النظام  العاجز عن إيقاف تدهورها يسعى لامتصاص تداعيات هبوطها على الأسواق عبر السماح بارتفاع هادئ و متدرج لسعر الصرف إلى حدود 800 ليرة سورية بحلول نهاية العام الحالي.

وبغض النظر عن العتبة القادمة وعن إمكانيات النظام الاقتصادية في تثبيت سعر الصرف عند نقطة معينة، إلا أن مؤشرات الواقع المعيشي لعموم السوريين باتت عاجزة عن الاحتمال أكثر، ما ينذر بتداعيات اجتماعية تتخطى حدود الكارثة الإنسانية بكل المقاييس، مع إصرار النظام على البقاء معتمدا على تمويل ذاته من حياة وجيوب السوريين، ومن مستقبل أبنائهم أيضاً.

السابق
جلسة العفو العام مجددا.. دعوات لإقفال الطرق المؤدية الى البرلمان!
التالي
في خطوة غير مسبوقة..الإمارات تهنّئ ملحم خلف