آخر أيام جبران !

جبران باسيل
العم الرئيس ميشال عون يحتاج إلى عون، والصهر الوزير جبران حيران. يذرعان أجنحة قصر بعبدا ذهاباً وإياباُ. القرار الذي في صدده ليس هيناً.

لحظة ليست كاللحظات، لعلها في مصيريتها وحراجتها تجثم على صدر الرئيس لتستعيد شريط توتر ١٣ تشرين وهدير المقاتلات السورية وأصوات إنفجار قاذفات الصواريخ التي تدك قصر بعبدا.

أين المفر؟ لحظة تتماهى مع من كان “صرحاً من خيال فهوى” .. وهرب، و أخشى ما يخشاه ان يلقى الصرح الآتي المصير نفسه.

إقرأ أيضاً: الإجتماع المالي في بعبدا يستثني الحريري ويطمئن المودعين على أموالهم

مشهد “متخيل” مستوحى من آخر بورصة حكومية. الرئيس ليس في أفضل أحواله، قدرته على الصمود بالقوة ذاتها التي أوحى بها منذ أول العهد تخر شيئا فشيئا، أصوات المحتجين وصلت إلى غرفة نومه في القصر: فليسقط العهد .. كلن يعني كلن و بحبكن كلكن يعني كلكن لم تف بالغرض.

جبران ليس تفصيلاُ. هو بمثابة الأبن الذي لم تلده “أم البنات” ( السيدة الأولى). هو أبعد من ذاك الصهر سند الظهر الذي يتوجس “ملك بعبدا” ان يقطع ظهره عائلياُ وسياسياً.

جبران.. “الصهر الملك”

لعب “الصهر الملك” دوراً محورياً في حياة عائلة عون، تفوق على “العديل” تلو الآخر وصولاُ إلى “عميدهم”، زرع بذور الشقاق بين “شانتال وأخواتها”. لا ضير “عرف الحبيب (الصهر) مقامه فتدللا”.

صال وجال جبران على مدى سنوات طويلة، مجده العوني بناه منذ أن كان ميشال عون رئيساً لليتار، الذي عشقه وخاض معارك علنية حكومية “كرمى لعيون الصهر”، الذي يبهره يوماً بعد يوم بديناميته وقدرته على العمل والخواتيم السعيدة، ليفاخر أمام سائله عن سبب وقوعه بـ “غرامه” به ” مجرد تكليفه بملف يعني انه أنجزه”.

قطف الصهر “السوبر عزيز” أرفع المناصب والألقاب السياسية والوزارية والحزبية.. والحبل على الجرار رئاسياً، لا أحد يقف في وجهه نتيجة الدعم المطلق من عمه العماد و مباركة الحلفاء سواء يستمرؤون ذلك أم لا، يضطرون لحبه على محبة الجنرال.

جبران باسيل

باسيل..عراب ومشاكس و مستفز

عراب التفاهمات والتسويات بين عمه الجنرال الرئيس وبين الحلفاء والخصوم، يهوى المشاكسة المستفزة، من دون أن يقيم وزناً لأحد، لسانه يسبقه يتصرف كطفل المعجزة الذي يحب أن يتصرف كالكبار ، ويتقلد طريقة كلامهم وتصرفاتهم ولبسهم و مشيتهم، يتفوه بعبارات يسمعها تعجبه يطلقها فجأة من دون مناسبة وفي غير مكانها وقد لا يفقه معناها وأبعادها، وكأنها خصلة بشعة منذ نعومة أظفاره، لم يتنبه لها أهله او إكتشفوها في شخصيته وأحبوها و شجعهوه عليها.

راكم جبران إنطباعات سيئة وردود أفعال أسوأ و تحول إلى شخص مكروه، لكنه شر لا بد منه، الجنرال “لا يرفع يده عن رجله” من دون جبران ، صلاحيات شخصية وسياسية إستثنائية، على قاعدة حليفه الأقوى “حزب الله” .. “شاء من شاء وأبى من أبى”، على الرغم من التشكي والتذمر من سلوكياته و تصرفاته التي وصفت بأقذع العبارات، وأدخلت عمه كما البلاد في انفاق ومآزق سياسية ومذهبية وطائفية وأمنية، وآخرها من جراء عراضاته ومواكبه الكبيرة المسلحة التي تجاوزت الخمسين سيارة إضافة إلى مواكبة عسكرية ضخمة، ما جعل القوى السياسية تضيق ذرعاً به، كونها تثير العصبيات الحزبية والمذهبية، خصوصاً في مناطق الجبل التي كادت أن تستعيد أيام الحرب الأهلية نتيجة الإحتكاكات التي تحولت إلى مواجهات.

عون-باسيل-الحريري

الوزير الصهر.. “مالىء الدنيا وشاغل الناس”

يبدو ان جبران أحب هذا الدور، وان يتحول، ربما نتيجة نصيحة مغرضة، إلى رجل إجماع وليس ضروريأ ان يكون إيجابيا، لا بل من الأفضل سلبياً كما هو عليه، ويصير على كل شفة ولسان ويكون “مالىء الدنيا وشاغل الناس”، ليفرض هيبته في الشارع المسيحي واللبناني، على أساس أنه الرجل المسيحي الأقوى التي تُعبّد له الطريق الرئاسية.

“جبران واحد منن”.. ووالدته “تتأذى”

بلغ جبران ذروة إستفزازه، قبيل أشهر من إندلاع الثورة، إلى أن أتت، وقلبت المشهد الباسيلي رأساً على عقب. إنقلب الكره على الكاره، لتخرج الناس من كبوتها وتفجر كبتها به، صحيح أنه “كلن يعني كلن” لكن جبران ليس واحد منهم فحسب إنما أولهم، وشنوا عليه أقسى حملة شخصية على سياسي في العصر الحديث، أساسها، من أسف، والدته التي تعرضت على خلفية جبران لأبشع العبارات اللا أخلاقية.

إختفى جبران عن المشهد السياسي، سحب نفسه بين ليلة وضحاها، سقطت الحكومة وسقط معها، واستمرت الحملة عليه وعلى والدته، إلى أن ظهر في تحرك دعم لعمه جيره لنفسه في محاولة لإمتصاص مفاعيل الحملة، وإنتهزها مناسبة لبعتذر من والدته ولكن عبثاً، خصوصا وان التيار الحر كان على رأس ” مشيطني” الحراك.

باسيل ووالدته

إما جبران والحريري وإما لا حكومة

عاد جبران يرفرف لكن عبر “الأجنحة المتكسرة”، وظهر ليفاوض الرئيس سعد الحريري على شكل الحكومة، متناسياً ان الثوار لا يوافقون على عودته، كما الآخرين، إلى الحكومة بأي شكل من الأشكال، إلى أن لفظوه بشكل فاقع وأكثر تشدداُ في تشكيلة وزارية.

على مدى أيام تخبطت عملية التأليف والتكليف وشكل الحكومة بين سياسية أو تكنوقراط او مختلطة، تحت ضغط الشارع، واستفحلت الأزمة المالية، ودب الذعر في صفوف الناس، ورجعت الكرة إلى قصر بعبدا حيث عاد عون إلى عادته ونغمته “الجبرانية” القديمة منذ اليوم الأول لإستقالة الحكومة إذ قال للحريري، “أو انت وجبران جوا او انت وجبران برا”.

تصرف الحريري بواقعية مع “المعادلة العونية”، و أيقن أنه أمام طريق مسدود، ولن يسلم مرة جديدة من ضغط الحراك إذا أعاد إنتاج حكومة بالمكونات عينها، فآثر ان يطوي مرحلة التكليف وأرسل إلى عون و”حزب االله”، الجملة الآتية:” او أتحمل مسؤولياتي بشروطي أو فتشوا على غيري”.

الحريري وباسيل

جبران فوق “بركان الشباب”

وفي موازاة المفاوضات والإستشارات الحكومية الجارية سراً وعلانية، أخذت الثورة أشكالاً وأبعاداً جديدة، فبعد أزمة قطع الطرق التي تم إستيعابها بحكمة بين الجيش والمتظاهرين، جاء دور “روح لبنان” الذي فجر بركان غيظه، فإنتفض تلامذة المدارس وطلاب الجامعات، وخرجوا إلى الشوارع والساحات ليدلوا بدلوهم على طريقتهم، ليحدثوا ثورة وعي شبابي يستحق المستقبل.

“حزب الله” يتعهد “إخراج” جبران

فجأة تغير المشهد اللبناني في اليوم الرابع والعشرين من الثورة، ليشي بإنتفاضة سياسية داخلية قوامها أبرز اللاعبين السياسيين على جبران باسيل، خصوصاً بعد “تسريبات” جدية ان الحريري إجترح حلاً للخروج من نفق الأزمة السياسية الهستيريا المالية والإقتصادية التي مست البلاد، يقضي بالخروج هو وجبران ويسمي شخصية سنية مستقلة لترؤس حكومة سياسيين وإختصاصيين، عندها هب “الثنائي الشيعي” لنصرة الحريري، كون هذا الثنائي يتمسك به رئيساً للحكومة.

الرئيس مجلس النواب نبيه بري قالها بالفم الملآن” بدك تعمل رئيس حكومة غصباً عنك”، فيما حزب الله أعلنها صراحة بالتوازي انه لا يريد غير الحريري، وقال للحريري” أترك جبران علينا”.

جبران يترنح.. والعد العكسي يبدأ

ماذا بعد.. يبدو أن جبران باسيل يترنح سياسياً، تحت ضربات الثورة الشعبية والحمى المالية والإنتفاضة السياسية من قبل الحلفاء قبل الخصوم.. يعيش آخر أيامه الباسيلية، يحضرون خروجه من المعادلة الحكومية، ربما بأثمان رئاسية.

مهما كانت النتائج ..جبران لم يعد جبران، يعيش آخر أيامه الوزارية، لن يعود كما كان ولم ينته بعد، ما زال يمسك بمفاصل وغابت عنه مفاصل. بالتأكيد يتحضر لإنطلاقة مختلفة.. ولكن على قاعدة “باسيل بعد التعديل”!

السابق
بالفيديو.. صور مستمرة في ثورتها المطلبية!
التالي
بالفيديو.. محكمة الثورة تُحاسب فاسداً في رياض الصلح!