الفساد ليس حالات فردية… بل منظومة راسخة تغطي نهج وسلوك..!

لا يمكن الامساك بزمام وقيادة وطن وشعب الا اذا تم تعطيل المؤسسات الدستورية، والاجهزة الحكومية، وتم تشريع الفوضى ونشر الفساد وتشتيت المكونات الوطنية وتعزيز الانقسام فيما بينها حزبياً وعرقياً، أو دينياً وطائفياً كما في لبنان..!!

بالعودة الى بداية مرحلة توقيع اتفاق الطائف.. الذي اعترض عليه الجنرال ميشال عون وحزب الله…؟؟ حلفاء الامس واليوم..؟؟ حينها ايضاً لم يكن حافظ الاسد مرتاح لاتفاق الطائف الذي انهى الحرب الاهلية في لبنان واعاد رسم الحياة السياسية والغى مرحلة الميليشيات وفوضى سلاحها وممارساتها.. فكان العمل على تعطيل تنفيذ وثيقة الطائف من خلال تجاوز مضمون الاتفاق ونصوصه:

  • تم استثناء ميليشيات الثنائي الشيعي اي (حركة امل وحزب الله) من تسليم السلاح للسلطة اللبنانية بعد الاتفاق الذي تم بين نظام الاسد ومرشد ايران على توزيع الادوار..حركة امل للاهتمام بالشؤون السياسية والاقتصادية.. وحزب الله لخدمة الاستراتيجية الايرانية في المنطقة تحت عنوان المقاومة وتحرير فلسطين وحماية لبنان من الاطماع الصهيونية..

اقرأ أيضاً: لبنان والعراق وسوريا… أزمات نظام وتسويات سلطة

  • خلافاً للدستور تم ابتداع ما اطلق عليه ولا يزال الرئاسات الثلاث…. رئيس الجمهورية ومجلس النواب والحكومة.. وكل زائر او ضيف يزورنا في لبنان يجول على القادة الثلاث… مما يعني ان لبنان له مجلس رئاسي غير معلن… ومن الطبيعي ان يقع الخلاف بين الثلاثة.. فكانت بلدة عنجر مقر اقامة المندوب السامي السوري مقر معالجة الاشكالات البسيطة او غرفة تلقي الشكاوى والطلبات والتمنيات ..واذا تطور الامر كانت دمشق مرجع الرئاسات النهائي وشهدنا الكثير من الزيارات غير المعلنة لحلحة امور او معالجة خلافات .. او تسوية نزاعات..ورسم مسارات ومعاقبة معترضين او تكريم مؤيدين ومتزلفين..!!
  • ملف الكهرباء وهو الملف الاهم في لبنان احتكرته قوى محور ايران – دمشق- عين التينة – حارة حريك..بالتعاون لاحقاً مع التيار الوطني الحر، اي منذ العام 1992 والى الان ويتبين لنا ان الادارة الفاسدة والمتواطئة راكمت على لبنان والشعب اللبناني ما يقارب من 40 مليار دولار من العجز والديون التي يتم تسديد فوائدها سنوياً وهي توازي نصف الدين العام الذي يعاني منه لبنان، ولا زال هذا الملف يستنزف حوالي مليارين سنوياً تضاف الى العجز دون العمل الجدي على معالجة مسالة الكهرباء، ويسالك البعض ببراءة من اركان الثنائي الشيعي والتيار الوطني الحاكم والمتحكم عن اسباب تراكم وتفاقم الدين العام..؟؟؟
  • سلاح الميليشيات المنفلت والذي يخدم مشروع ايران باعتراف نصرالله نفسه ادخل لبنان في سلسلة حروب بعضها مبرر وهي في مواجهة العدو الصهيوني .. وبعضها كان لخدمة المشروع الايراني في المنطقة وخدمة استقرار النظام السوري الشريك الموضوعي لايران وحزب الله في لبنان… واذا تجاوزنا حرب عام 1993 وتلك التي وقعت عام 1996… باعتبارها كانت عدواناً اسرائيلياً استهدفت لبنان وشعبه.. الا ان حرب عام 2006.. كانت بهدف تجاوز ازمة ايران ونظام سوريا وحزب الله عقب اغتيال الرئيس الحريري وسعي ايران لتغيير المشهد السياسي في المنطقة… واذا راجعنا حجم الخسائر التي تحملها لبنان وشعبه نتيجة هذه الحروب لوجدناها توازي مليارات الدولارات.. التي تضاف الى الدين العام وفوائده..
  • حصار السراي الحكومي عام 2006.. وتعطيل الحياة السياسية واغلاق المجلس النيابي .. كانت سببا في تعطيل الدورة الاقتصادية وتراجع الثقة الدولية باستقرار لبنان واقتصاده وأمنه وهروب بل خروج الاستثمارات الاجنبية كما الرساميل اللبنانية والعربية والدولية من لبنان .. مما تسبب بفقدان آلاف الموظفين لوظائفهم ومستقبلهم..؟؟
  • غزوة ايار / مايو من عام 2008 التي قام بها حزب الله وحركة امل وتعطيل الحياة السياسية والاقتصادية تسببت بخسائر مالية ضخمة ..!!
  • حروب حزب الله المتنقلة والمتعددة لخدمة مشروع ايران في سوريا والعراق واليمن وغيرها.. ومواجهاته السياسية والاعلامية وتهديداته العلنية لدول الخليج العربي.. افقد لبنان دعماً اساسياً من دول الخلي العربي الشقيقة..حتى على مستوى التوظيف والتحويلات المالية من المغتربين اللبنانيين…
  • سياسة تعطيل المؤسسات التنفيذية والتشريعية والهيئات الادارية في الدولة اللبنانية بين الحين والاخر والتي مارسها سلاح الميليشيات والمتحالفين معه سمح بارتكاب عددٍ هائل من التجاوزات والممارسات غير القانونية من التوظيف والرشاوي والهدر والرواتب الفلكية والانفاق غير المراقب وغير المبرر ووضع اليد على المال العام…تم تركيب وانشاء مؤسسات امنية وادارية وهيئات ومجالس على قياس كل فريق ظائفي ومذهبي وحزبي…لتمويل ممارساتهم وسياساتهم وجيوبهم على حساب مصالح الشعب اللبناني استقراره..مجلس الجنوب .. وزارة المهجرين.. مجلس الانماء والاعمار.. مؤسسات امنية متعددة لا يعرف المواطن ما هو الفرق بينها وما هو دورها بالتحديد..؟؟؟؟ وهذا معناه عدد ضخم من التوظيف في الادارات العامة غير المنتجة او ما يطلق عليه البطالة المقنعة.. مع رواتب عالية وتقديمات وخدمات لا تعد ولا تحصى…؟؟

لن نطيل اكثر ولكن لو اعدنا النظر في هذا الواقع لوجدنا ان الجميع استفاد من هذا النهج وهذه التجاوزات وتم الاتفاق فيما بين هذه القوى المتناقضة في محاورها وانتمائها ومرجعياتها..على تقاسم النفوذ والحصص والمكاسب وتبلور اكثر واوضح فيما اطلق عليه لاحقاً التسوية الرئاسية عام 2016… مفترضين ان الشعب اللبناني قد تم انهاكه والاجهاز على روحه الوطنية والقدرة على التحرك لمواجهة مخططاتهم ومشاريعهم… واذا كان البعض من هذه القوى منغمس في تحصيل المكاسب من العقود والصفقات والسمسرات.. فإن حزب الله كان يتجاهل هذا الفساد الذي هو جزء منه بالطبع لاستخدام ما يملكه من معلومات للضغط على الشركاء ..لتنفيذ وتمرير مخططاته في الهيمنة على الدولة ومقدراتها والغاء سيادة الدولة واستباحتها لصالح خدمة ايران ومشروعها…

اسس الفساد وضعها حافظ الاسد ونظامه الديكتاتوري بمساعدة قوى محلية لبنانية مسلحة وغير مسلحة… ولكن بعض القيادات اللبنانية اعجبها هذا الواقع فانغمست فيه واصبحت جزءاً منه ..متجاهلة وجع الشعب ومعاناته ووقوفه الى جانبها في احلك الظروف والمراحل…؟؟ لذلك عندما خرج المتظاهرون يرددون عبارة (كلن يعني كلن) اي ان الجميع سواء في منظومة الفساد لم يكونوا مخطئين ابداً…!!

اذا فإن محاولة الادعاء على بعض الاشخاص لتحميلهم مسؤولية الفساد والهدر وغير ذلك من الاتهامات انما هي محاولة لارضاء الجمهور واخفاء الفريق الحقيقي الذي يقف خلف منظومة الفساد وتطورها واستفحالها وانتشارها.. وترسيخها..

المطلوب العودة الى حفظ سيادة الكيان فلا انزلاق الى سياسات اقليمية متهورة او انفرادية او ارتباط بمحور اقليمي لا يقدم لنا سوى ثقافة الموت والخراب والدمار.. ورسم سياسة خارجية متوازنة تخدم لبنان وشعبه واقتصاده ..وحفظ النظام والامن فلا سلاح خارج المؤسسات الامنية الشرعية ..والالتزام الفعلي والحقيقي بما تنص عليه القوانين والنصوص الدستورية وتحييد القضاء واستقلاله عن الانخراط في دهاليز السياسة والسياسيين، وابعاد الامن عن ممارسة ما يخدم قوى سياسية ومشاريع شخصيات وطموحات احزاب.. حتى يستقر الوضع ويعود لبنان منارة الشرق ويخرج من عتمته المفروضة عليه…!!

السابق
وطن يسير على خط «السقوط السريع»!
التالي
ثورة ناصعة.. لا هي أحداث 1958 ولا حرب 1975