لبنان..ثورة الفرح العارم

النبطية اعتصام
لعل أهم ما في المشهد الجماهيري الحاشد في ساحات الحراك على امتداد الاراضي اللبنانية ، هو لا مركزيته.

انتفاضة الغضب المنددة بالأداء السياسي والاقتصادي والاجتماعي للسلطة، انفجرت بعد أن وحد اللبنانيين، الهم والألم والخطر وحتى الأمل. كسروا المحظورات، تخطوا الخطوط الحمر، ونزلوا إلى الساحات يهتفون للبنان الواحد في مشهد “فوضى عفوية” لم يحصل خلاله ضربة كف واحدة .
ذلك أن عدم قيادة أي من الزعامات السياسية للحراك، أطلق العنان لكل مواطن بالتصرف أو التحرك أو الصراخ على سجيته.

نعم إنها الفوضى العفوية، التي سمحت لكل لبناني بالانتفاض على نفسه أولا ثم على زعيمه وطائفته، وكأنه يعلن تمرده على كل الأوهام المذهبية العنصرية التي تشربها واكتسبها من محيطه وبيئته.

هل يعقل أن يظهر اللبنانيون كل هذا الاسترخاء والراحة النفسية خلال حراك ثوري لمجرد التمرد على زعاماتهم!!

وهم الذين صنفوا في الماضي القريب من أكثرالشعوب توترا وبالتالي تعاطيا لحبوب الأعصاب نتيجة أوضاع بلادهم السيئة على الصعد كافة!!

فرادة لبنان في تركيبته المعقدة، هي ما أعطى الفرادة لشكل الثورة ومضمونها على أرضه.
فاللبنانيون يقضون أوقاتهم في ساحات “الهيلا هو” يثورون، يحتجون، ينشدون، يشتمون، يطالبون، يرقصون ويغنون، في مشاهد أثارت استغراب الجماهير العربية وربما العالمية.

فمن قال بأن الثورة ليست فرحا، ومن قال بأن الهموم الصغيرة التي عبرت عنها تلك الفتاة من عدم قدرتها المادية على حقن وجهها بالبوتوكس ليست أصدق من الزعماء الفاسدين. ومن قال بأن هم ذاك الصبي وحلمه بشراء دراجة نارية لم يكن ثورة على حكام جعلوه عاطلا عن العمل!

صحيح أن الحراك تخطى حدود المعقول في حلقات الرقص والغناء خصوصا في الأيام الأولى للثورة، لكنه بدأ يأخذ شكلا أكثر تنظيما وتوجيها بعد ذلك. مرد الأمر إلى سيكلوجية الجمهور اللبناني الذي يعبر عن واقعه بأقصى درجات التطرف ، ويتحمس لأفكار بسيطة أو كبيرة نتيجة العدوى.

عدوى الفرح هذه، هي نفسها العدوى التي انتشرت بين الأفراد في المناطق وجعلتهم يندفعون أفواجا تلو الأخرى للتمرد على الزعيم والانضمام للثورة، فراحت منطقة تحمس أخرى، وتتلقف هتافاتها وتلاقيها في المقلب الآخر، تماما كما حصل بين مدينتي صور وطرابلس.

كيف لا تنقلب ثوراتك فرحا يا لبنان وقد تربى الفن في ربوعك بعد أن ولد في مصر.
وكيف لا يفرح اللبنانيون وقد تجرؤوا للمرة الأولى على الثورة ضد أمراء الحرب وزعمائها.

السابق
مقدمات نشرات الاخبار المسائية ليوم الثلاثاء في 22/10/2019
التالي
اليكم الطرقات المقطوعة في اليوم السابع على الاعتصامات