لبنان يترنح تحت «ضربتي».. «لو كنت أعلم» و«لم أكن أعلم»!

lira-dollar

مع تظاهر المئات في بيروت في ظل تردي الأوضاع المعيشية وتراجع سعر صرف الليرة، والفساد الإداري، وفساد السلطة وغياب محاسبة المسؤولين، الذين لم يتم سجن ولو فاسد واحد منهم…

إقرأ أيضاً: تحرك المهندسين لـ«هندسة» المادة ١٨

ومع ما يحكى عن استمرار استنزاف العملة الصعبة في لبنان عبر وسائل متعددة، أولًا عبر تقلّص تحويلاتها إلى لبنان بسبب العقوبات الأميركية على حزب الله، وثانيًا بسبب فقدان الثقة عالمياً بالاقتصاد اللبناني، تضاف إلى ذلك ثالثًا إشاعات حول احتمال إغلاق مصارف جديدة دفعت المواطنين إلى تكديس كمية من الدولارات في منازلهم قيل إنها وصلت إلى 1.7 مليار دولار سبَّب نقصًا فجائياً فيها وارتفاعًا في الطلب عليها، ورابعًا وليس أخيراً العملية الخطيرة المتمثلة بتسريب العملة الخضراء إلى سوريا بطرق متعددة:

اولها تهريب الأدوية والبضائع السورية والإيرانية المحظورة دوليًّا إلى لبنان وتهريب النفط منه في الاتجاه المعاكس، أي إلى سوريا، وفي كلتا الحالتين يستغل المهربون السوريون حرية تبديل العملات في سوق الصيرفة اللبناني متّبعين الخطوات التالية: (تهريب سلع سورية وإيرانية عبر المعابر غير الشرعية —– الحصول على عملة لبنانية ثمنًا للبضاعة المهرّبة —– تبديل العملة اللبنانية بدولار في سوق الصيرفة اللبناني —– شراء نفط بالدولارات —– تهريب النفط إلى سوريا عبر المعابر غير الشرعية)، وإذا ما تتبعنا ما يحصل في سوريا، وخصوصًا عدم رصد حكومة دمشق في موازنتها الأخيرة أي اعتماد مالي لاستيراد النفط، فإننا نستنتج يقينًا أنها تنوي تأمين حاجتها من هذه المادة إما من المساعدات الإيرانية وإما بالتهريب من لبنان.

الطريقة الثانية تتمثل في استفادة تجار العملة السوريين من سوق الصيرفة في لبنان عبر تصريفهم الدولار في سوريا بـ600 ليرة سورية وفي لبنان بـ850 ليرة سورية.

ولا بد من التنويه بأنه إيًّا تكن الإجراءات المتخذه لمكافحة هذا الوضع الشاذ، فإنها لن تؤتي أكلها ما لم يكن الضبط قضائياً وأمنياً، في ظل دعم مطلق من الميليشيات المسلحة وعلى رأسها حزب الله كل عمليات التهريب السورية الإيرانية من الأرض اللبنانية وإليها، وخصوصاً عبر الحدود المتاخمة لمنطقتي الهرمل والقصر البقاعيتين، وهما منطقتا نفوذ خالص للحزب الإيراني…

وعلى رغم إصدار مصرف لبنان تعميماً هو في صورته الظاهرة سعي لحل أزمة الدولار بالنسبة إلى قطاعات ثلاثة حيوية هي القمح والأدوية والنفط، ويقضي بإمكان المصارف التي تفتح اعتمادات لاستيراد هذه المواد الحصول منه على قيمتها بالدولار، لا يبدو أن هذا التعميم قد حل أزمة قطاع المحروقات، إذ علقت محطات عدة عملها السبت إثر نفاد مخزونها، كما صرح ممثل موزعي المحروقات فادي أبو شقرا في حديث تلفزيوني، مع توجه شركات التوزيع للإقفال أيضًا الاثنين بسبب أزمة الدولار، ( والذي أعلنت عن تعليقه مبدئياً)، ويضاف إلى هذا أن التعميم قد يكرّس فعليًّا السعر المزدوج للعملة الوطنية، فيما تُترَك آلاف السلع الأساسية الأخرى لمصيرها وللتوافق بين المتعاقدين على الصرف، وهو البدايات الأولى لتحرير سعر صرف العملة اللبنانية، عدا حتى عن صعوبة تطبيق التعميم نفسه إذا لم يتمكن لبنان من منع التهريب من لبنان وإليه…

مع كل ذلك تكتفي أوساط بعبدا بترداد نظرية المؤامرة على العهد، في وقت كان أول عمل قام به رئيس الجمهورية ميشال عون إثر عودته من الأمم المتحدة قوله “أنا كنت في نيويورك، اسألوا المعنيين. لست على علم بما حصل خلال غيابي عن بيروت”، وبدل وضع الإصبع على الجرح ومسبِّبه، وجَّه بوصلته في الاتجاه الخاطئ، صوب المجروحين من التدهور المعيشي والإعلاميين، إذ اعتبر في مستهل جلسة مجلس الوزراء أن “حق التظاهر لا يعني حق الشتيمة، وحرية الاعلام لا تعني حرية إطلاق الشائعات المغرضة والمؤذية للوطن”، مُرجِعًا “الضرر الكبير بالاقتصاد والمالية العامة” كما جاء في البيان الختامي للجلسة، إلى “الإشاعات” الإعلامية، ومتمنيًا على جميع وسائل الإعلام “توخي الدقة في نشر الاخبار التي تتصل بالنقد الوطني والاقتصاد”. وبالطبع، لم ينس عون الدعوة المجترّة الفضفاضة الى “محاسبة كل مسؤول اذا اخطأ”، والوزراء إلى “شرح ما تقومون به للمواطنين ليكونوا على بينة ولا يستمعوا إلى الشائعات”…

وكأن تهمة أذية الوطن لم تجد من تتلبّسه من المتجاوزين، الداخليين والخارجيين، فاستقرت في أحضان المتظاهرين الذين ضاقت بهم سبل العيش والأرض بما رحبت فانفجروا في تظاهرات غاضبة نفى عون عنها في سلسلة مواقف إعلامية الطابع المعيشي عنها وألبسها رداء سياسيًّا، معتبراً أنها كانت ردًّا على دعوته إلى الحوار مع سوريا بهدفِ حلّ أزمة النزوح السوري في الامم المتحدة.

من جهة أخرى، لم تعد الاعتراضات في وجه الحكم تقتصر على المسحوقين الذي لا يملكون سوى التظاهر وسيلة، بل شملت حتى أصحاب الرساميل والتجار، إذ طالب رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس في حديث لموقع إلكتروني الدولةَ بـ”إزالة التورّم في القطاع العام الذي كرسح الاقتصاد الوطني”، محذراً من تحرّك ميداني للقطاع التجاري الذي أصبح في طور الانهيار “بعد أن هزَّ الفلتان الأمن الاقتصادي مؤخراً”. ودعت الجمعية الفاعليات الاقتصادية والنقابات إلى “لقاء للوقوف عند خطورة الأوضاع واتخاذ قرارات تتناسب وحجم فاجعة اللبنانيين”، رافضة بالمطلق “أي تدبير ضريبي أو إداري أو تشريعي يمس استمرارية القطاعين التجاري والاقتصادي، بعد أن وصلا إلى حال موت سريري”. واعتبرت الجمعية أنه “رغم تضحياتنا وتلقينا الضربات بصبر وشجاعة يتم نعت القطاع بالريعية والانتهازية والجشع، في حين أن الريع الحقيقي متعشعش في الطبقة السياسية ومحميات القطاع العام، فالسلطة من أجل تأبيد امتيازات مستفيدين من القطاع العام استنزفت القطاع الخاص فباتت تقفل مؤسسات بنسبة 4 و12 % سنوياً في بيروت وأكثر في المناطق”. وتابع بيان الجمعية: “القطاع التجاري هو الابن البكر للاقتصاد اللبناني، وهو ينصر القطاع الخاص، إذ لا مسؤول يسأل عنه، كما أنهم لا يتوجهون إليه إلا باللوم والقصاص والمزيد من الضرائب، وكأن المطلوب شطبه”. ودعا المجتمعون إلى توقف عن العمل لساعة واحدة الخميس 10 تشرين الأول 2019 تحت عنوان “احتجاجًا على انهيار القطاع الخاص ومستوى معيشة المواطنين”.

في الماضي القريب قال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله: “لو كنت أعلم أن احتمال عملية الأسر في 11 تموز، ولو 1 في المئة، أنها قد توصل إلى حرب كالتي حصلت هل كنتَ سأذهب إليها؟ أقول قطعاً لا”، فتسبب بعدم علمه ذاك بوقوع الكارثة، واليوم يقول حليفه الأكبر لدى المسيحيين ميشال عون: “كنت في نيويورك ولم أكن أعلم”، ويبدو أنه حتى بعد عودته لم يعلم بعد، وسيظل غير عالم إلى أن تقع الكارثة، فقدر الرجلين التسبب بالكوارث، وقدر اللبنانيين التربص حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولا.

السابق
«بارانويا» الجهاد في سبيل.. الحلال والحرام!
التالي
بالفيديو.. جعجع في كندا: «يدبك» ويحذر