هل يجعل حزب الله اللبنانيين كشقيِّ البراجم؟

حزب الله

مع عودة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من روسيا إثر لقائه الخميس الماضي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوتشي، في زيارة ليوم واحد باتت في عداد الزيارات “المكوكية” إلى هذا البلد المحوري التي وإن كانت ذات أهداف متعددة إلا أنها هذه المرة (كما يُجمع معظم المحللين) ذات هدف انتخابي وشخصي، بعد إنجاز الجانبين التوافق التام على مجمل الأهداف السياسية المشتركة في المنطقة، وإقامتهما قنوات مفتوحة وخطاً ساخناً للتشاور، إذ في حال كسْبِ نتنياهو أصوات الإسرائيليين من أصل روسي المقدرة بـ200 ألف ناخب، معتمداً على بريق الصورة التي أظهرته رجلَ دولة محتفى به بشدة وزعيماً إسرائيليًا تمكن من إقامة علاقات وثيقة مع قطبي السياسية الدولية الحاليين، الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس بوتين، لأمَّن بقاءه في الرئاسة لفترة جديدة ونجاتَه من سيف المحاكمة بالفساد التي تنتظره في حال فشله في الحصول على ولاية أخرى.


ومع إعلان نتنياهو فور عودته (الجمعة) في بيان عدمَ تأثره بخطاب الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله الأسبوع الفائت عبر الشاشة وإشارته فيه إلى إن حرب تموز 2006 بين الطرفين ساعدت الحزب على “تطوير نظام عسكري للدفاع” مع تحذير لإسرائيل من رؤية تدمير الألوية الإسرائيلية مباشرة على الهواء في حال دخولها جنوب لبنان، وقوله (نتنياهو) إن نصرالله “يعرف جيداً لماذا يلقي الكلمة من أعماق مخبئه”، وهو رد ذو مغزى يلمّح إلى إمكان أن يكون لدى إسرائيل خطط لاغتيال نصرالله وغيره من قادة الميليشيات الدائرة في فلك المحور الإيراني كانت وسائل إعلام إسرائيلية نقلت خبرها عن مسؤولين إسرائيليين، مثل قائد سلاح الجو الإسرائيلي السابق العميد تومر بار في حوار مطول مع صحيفة “معاريف” في أيار الماضي، وجاء فيه أن “نصر الله كان داخل بؤرة الاستهداف في حرب لبنان الثانية” (حرب تموز 2006)، موضحًا أن “الطيارين الإسرائيليين كانوا قريبين جدًا من تنفيذ المهمة بعد عملية بحث في أماكن عدة ببيروت، ولكن هذا لم يكن متوافقًا حتى النهاية بين المعلومات الاستخباراتية وإطلاق النار”، ومؤكداً أن الحديث “كان يدور عن تصفية، وأنا شخصيًا كنت في السرب المشارك، ولو نجحت عملية الاغتيال لتغير واقع الحرب”، وكقول وزير الدفاع الإسرائيلي السابق أفيغدور ليبرمان أيضاً في مقابلة مع القناة 12 العبرية الجمعة 13 أيلول 2019، إن نتنياهو منع اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية، إثر اتفاقه وحزب الليكود معه بصفته وزيراً للدفاع لإسقاط حكم “حماس” في غزة، و”لكن نتنياهو خدعني وفعل كل شيء من أجل تجنّب هذه العملية فمنح الحصانة لقادة حماس رغم استمرارهم في التسلح وإنتاج الصواريخ وقتل الإسرائيليين”،
ومع “النصيحة” التي وجّهها مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر قبيل مغادرته لبنان إلى إسرائيل إثر إجرائه لقاءات “رسمية” وأخرى “غير تقليدية” طاولت رجال مال وأعمال من الدائرين خارج فلك الدولة حتى من الطائفة الشيعية، لرئيس الجمهورية ميشال عون خلال لقاء الرجلين “بعدم التصعيد (مع الدولة العبرية بعد الأحداث الأمنية الأخيرة في الضاحية والجنوب) حتى لا تتطور الأمور لاحقاً الى مواجهة واسعة”، معيداً طرح موضوع مخازن الصواريخ الدقيقة التابعة للحزب مشفوعاً بطرح استعداد بلاده لمتابعة وساطتها في شأن ترسيم الحدود البرية والبحرية بين البلدين.


ومع تهديد مساعد وزير الخزانة الأميركي لشؤون مكافحة الاٍرهاب مارشال بيللينغلسيا في مؤتمر صحافي بـ”العمل مع الحلفاء لخنق حزب الله وفيلق القدس والنظام الإيراني”، وتأكيده أن “لا فصل بين الجناحين العسكري والسياسي لهذا الحزب، الذي سنواصل ضغوطنا لتفكيك شبكاته ومعاقبة كل من يتعامل معه بغضّ النظر عن دينه وعرقه (في إشارة غير مباشرة إلى إمكان مطاولة العقوبات الأميركية حلفاء الحزب المسيحيين) ووقف تمويله بعد أن تقلّص في الآونة الأخيرة بسبب العقوبات على طهران”، مبيناً أن “حزب الله وأنصاره يحصلون على التمويل من عمليات تبييض الأموال وتجارة المخدرات في أميركا اللاتينية التي بدأت تنقلب عليه، ولذلك لجأ إلى استخدام النظام المصرفي في لبنان لتمرير أعماله المشبوهة”، محذراً من أن “أيّ دعم مالي للحزب سيقابله استهداف، وحتى الشركات الأوروبية ستُستهدف إذا عملت في إيران”.


ومع انضمام كندا إلى الحملة الأميركية لمحاصرة إيران، وإعلان موقع “غلوبال نيوز” الكندي أن الحكومة باعت ممتلكات للحكومة الإيرانية في كندا تقدَّر بـ28 مليون دولار، مثل “المركز الثقافي الإيراني” في أوتاوا، وسيارات وأموال مصرفية لإيران، ووزعت ثمنها على ضحايا إرهاب الجماعات التي يرعاها النظام الإيراني، وذلك بموجب قانون “العدالة لضحايا الإرهاب” الصادر عام 2012، ودعوة وزيرة الخارجية الأوروبية فيديريكا موغيريني والمتحدثين باسم وزارات خارجية فرنسا وألمانيا وبريطانيا، الدول الموقعة الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني، في بيان مشترك، إيران “إلى التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بسبب القلق الكبير من أنشطتها النووية الأخيرة، وإلى الامتناع عن أي إجراء ينتهك الاتفاق”.


… وفي وقت يترنح الاقتصاد اللبناني ويُعتبر الثلاثي “استخراج النفط والغاز- إعادة تحريك عجلة المساعدات العربية والدولية- حل مشكلة مليون ونصف المليون من النازحين السوريين” إكسير الحياة لهذه البلاد، يستعد رئيس الحكومة سعد الحريري إثر عدم تكلُّل مهمة مبعوث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى لبنان المكلف متابعة تنفيذ مقررات مؤتمر المانحين في “سيدر” بيار دوكان بالنجاح، وإبدائه الامتعاض من المماطلة اللبنانية غير المبررة في تنفيذ الاصلاحات المطلوبة، للسفر في 20 أيلول الجاري إلى باريس لمقابلة ماكرون والتباحث في هذا الشأن، مع احتمال كبير لأن يتم التطرق إلى المساعي التي يبذلها الجانب الفرنسي لإحياء قسم من الهبة السعودية للجيش اللبناني التي تقارب مليار ونصف مليار دولار اميركي، بعد ذكر وسائل إعلام عدة خبر حضور هذا الملف في الاتصال الهاتفي الاخير بين ماكرون وولي العهد السعودي محمد بن سلمان السبت 7 أيلول الجاري، إثر إيفاده الحريري مبعوثه الخاص جورج شعبان إلى روسيا، صاحب الكلمة الأقوى على الساحة السورية، للتباحث في حل مشكلة النازحين الذين يشكلون عبئاً كبيراً وضاغطاً على الاقتصاد اللبناني، ورصد مركز المصالحة الروسي عودة 486 منهم إلى بلادهم من لبنان و1494 من بقية الدول خلال يوم واحد الأسبوع الماضي.
ومع اكتناف الغموض قضية إختفاء المغترب اللبناني حسن جابر الذي تربطه صداقة بعناصر من حزب الله في مطار أثيوبيا، وانتشار التكهنات بتعرضه لعملية خطف من جهاز استخباراتي قد يكون الموساد (نظراً لما لإسرائيل من علاقات قوية بإثيوبيا) أو ربما الدولة الإثيوبية بالتعاون مع إسرائيل وأميركا، ما دفع السلطات الغابونية التي يحمل جابر جنسيتها إلى التحرك نحو إثيوبيا لمتابعة قضية مواطنها فيما دولته الأم لبنان لم تستطع سوى تكليف السفير في القاهرة والسفير غير المقيم في أديس أبابا (أي لم يُقدّم أوراق اعتماده بعد، ما يعني أن لا علاقة دبلوماسية مباشرة بين لبنان وإثيوبيا) علي الحلبي متابعة الملف، واستدعاء وزارة الخارجية القائم بالأعمال الأثيوبي في لبنان أكليلو تاتيري ووبي لإبلاغه إمهال السلطات اللبنانية الحكومة الإثيوبية حتى الإثنين لتقديم أجوبة واضحة حول مصير جابر “تحت طائلة إتخاذ تدابير مقابلة لضمان عدم تكرار هذه الحالة” بحسب بيان الخارجية.

إقرأ أيضاً: العقوبات الأميركية تستهدف شخصيات مسيحية
… بعد هذا كله، هل يشي كلام نتنياهو عن الرجل القابع “في أعماق مخبئه” بضوء أخضر روسي للقيام بعمل كبير يخص القيادة العليا في “حزب الله”؟ وهل “نصيحة” شينكر لرئيس الجمهورية بكف ديبلوماسي ناعم أخفت تحذيراً تولى بيللينغسلي إيصاله بكف خشن؟ وهل ستشهد مصالح كندا أو رعاياها في لبنان مخاطر إثر مصادرة أموال إيرانية؟ هل ستسفر محادثات مبعوث الحريري في روسيا عن نتائج أم أن الروس لا يرون في عودة اللاجئين راهناً ضرورة تستأهل الضغط على النظام السوري؟ وأخيراً وليس آخراً هل ما بعد 17 أيلول الجاري (تاريخ الانتخابات الإسرائيلية) كما قبله، أم أن حادثة ستفتح أبواب جهنم على مصراعيها ويغدو الشعب اللبناني الذي لا ناقة له ولا جمل كشقيِّ البراجم الذي أقبل طاوياً (جائعاً) طمعاً بضيافة وطعام إلى نار كان عمرو بن عبد الملك يحرِّق فيها بني تميم لقتلهم أخاه، فألقاه معهم، لتضرب العرب به المثل بعدها وتقول “إن الشقيَّ وافد البراجم”؟ ننادي الحزب الإيراني، فهل من مجيب؟

السابق
بارجة أميركية في مرفأ بيروت.. والسفيرة تصرّح!
التالي
أميركا تلوح بالعقوبات على «أمل» و«التيار الحر».. آتية لا محالة